تعاني ليبيا انقساماً حاداً منذ اندلاع الأزمة في العام 2011، وتغلفت البلاد بمشاهد العنف المتكررة خلال السنوات الماضية، ما تسبّب في نمو غريزة الكراهية بين أبناء المجتمع الليبي. حيث انتشر العنف بكافة أشكاله في ليبيا خلال الأعوام الأخيرة، فمن التناحر بين المليشيات والقبائل، إلى جرائم تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الإرهابية التي استوطنت البلاد، وصولا إلى التدخلات الخارجية ومساعي غزو البلاد، وأسفر كل ذلك عن سقوط العديد من الضحايا من أبناء ليبيا. 

عاشت ليبيا على مدى 42 عاما جوا من الآن والاستقرار على عمل النظام على بناء مؤسسات الدولة وأمن لليبيين حقهم في السكن والتعليم والعلاج بالمجان، عبر بناء وتجهيز عشرات المشافي والجامعات وآلاف الشقق السكنية التي تمنحها الدولة بلا عوض للمواطنين. وارتبط العقيد الراحل معمر القذافي بعلاقات ممتازة مع قادة القارة الإفريقية التى كانت يسعى لبناء كيان وحدوى في كافة المجالات لمواجهة التغول الاستعماري الغربي عبر طرح مشروعات مشتركة بين دول القارة. 

وفي 17 فبراير من العام 2011، كانت ليبيا على موعد مع مرحلة جديدة أخرجتها من طور الأمن والاستقرار لتلقى بها في غياهب الفوضى، حين تدخلت قوات الناتو مدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لإسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي واغتيال الاستقرار والأمن في هذا البلد العربي الغني بموارد الطاقة النفط والغاز، وأحدث هذا التدخل فراغا سياسيا وأمنيا في البلاد عانت منه ليبيا ولازالت تعاني. 

وتسارعت محاولات سد الفراغ السياسي الذي أحدثه اسقاط النظام في ليبيا، فعقب  رحيل القذافي، شكل المجلس الوطني الانتقالي، في تشرين الأول / أكتوبر 2011 لتولى إدارة شؤون البلاد، ولكنه لم يتمكن من بسط سيطرته على الميليشيات المسلحة المتعددة التي نشطت في ظل الفوضى التي عصفت بالبلاد وباتت تحكم سيطرتها على عدة مناطق. 

وفي آب/ أغسطس 2012، سلم المجلس السلطة للمؤتمر الوطني العام الذي انتخب في الشهر السابق وقام باختيار رئيس دولة مؤقت. وفي الأثناء تمكّن تيار الاسلام السياسي من جميع مفاصل البلاد، وانتشرت الميلشيات المحسوبة على الإسلاميين في مختلف مدن البلاد تحت مسميات الدروع بغطاء رسمي من المؤتمر الوطني العام الذي تمكّن التيار الإسلامي من السيطرة عليه بفعل قانون العزل السياسي الذي أقرّ تحت قوّة السلاح وحصار الميليشيات لمقر المؤتمر

وشكلت جماعة الإخوان في 5 مارس 2012،  حزبًا سياسيًا باسم "العدالة والبناء"،  وذلك بعد ستة عقود كانوا يعملون خلالها في سرية تامة،  أثناء نظام الزعيم الراحل معمر القذافي،  وقد تم إنشاؤه في ظل غياب القوانين بطرح عملية رسمية لإنشاء الأحزاب السياسية،  وقد مثّلت الجماعة في أكثر من 18 مدينة في جميع أنحاء البلاد. واختاروا محمد صوان رئيسًا للحزب،  وهو مواطن من مدينة مصراته، ونجحت جماعة الإخوان بليبيا،  في التمكين من المؤسسات السيادية في الدولة،  بداية من الحكومة،  ومرورًا بمصرف ليبيا المركزي،  وباقي مراكز المال الأخرى. 

وفى محاولة من الإخوان لإفشال حكومة على زيدان، التي شُكلت عقب حل المجلس الانتقالي الليبي، أعلن حزب العدالة والبناء الإسلامي،  الذراع السياسية للجماعة بليبيا،  سحب وزرائه من الحكومة الليبية،  وحاول الإخوان لأكثر من مرة أن يدفعوا حكومة زيدان إلى الاستقالة سواء من بوابة المؤتمر الوطني،  أو من خلال الضغوط الميدانية وتحريك أذرعهم العسكرية وميليشياتهم. 

وسرعان ما أطاح إخوان ليبيا برئيس الوزراء، بعد خطفه والتنكيل به وكان القرار من المؤتمر الوطني العام الواجهة الحقيقية لجماعة الإخوان وهو سحب الثقة من رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان،  حيث تمكن من الفرار إلى ألمانيا قبل أن يصدر قرار من النيابة العامة بالقبض عليه. وفي أول تصريحات له بعد هروبه،  اتهم علي زيدان جماعة الإخوان في ليبيا بأنها وراء قرار سحب الثقة من حكومته وعرقلة عمله. 

المشهد في ليبيا سرعان ما اختلف عما كان عليه في 2012، فعلى الصعيد السياسي خسر الإسلاميون انتخابات العام 2014 بالضربة القاضية، رغم الإمكانات المرصودة لهم إعلاميا وماليا وأمنيا،  ما دفع بهم إلى الانقلاب على النتيجة من خلال الحرب الأهلية المعلنة من قبل مليشيات "فجر ليبيا"،  والتي أدت إلى ترحيل البرلمان إلى مدينة طبرق في شرق البلاد. 

وسيطرت ميليشيات فجر ليبيا على العاصمة الليبية في أغسطس 2014، وانضمت إليها العديد من الميليشيات الأخرى مثل ميليشيات طرابلس، وتشكيلات من مقاتلين قبليين مثل الأمازيغ، وميليشيات مدعومة من تنظيمات الإخوان. وأتاحت هذه القوة لميليشيات مصراتة فرصة السيطرة على عدد من المدن فى الغرب وحتى الحدود التونسية، بما فى ذلك مناطق القبائل الأمازيغية. كما سيطرت قوات فجر ليبيا والميليشيات المتحالفة معها على نفوذ فى بعض مناطق الجنوب فى فزان. 

شكّل المؤتمر الوطني العام الليبي حكومة "الانقاذ" في أغسطس/آب 2014 ومقرها في طرابلس، ويترأسها خليفة الغويل، ولم تنل الاعتراف الدولي. وسيطرت هذه الحكومة على مناطق واسعة من غربي وجنوبي ليبيا خلال 2015. فيما انبثقت الحكومة المؤقتة عن برلمان طبرق في سبتمبر/أيلول 2014، واتخذت مدينة البيضاء شرقي ليبيا مقرا لها، ويترأسها عبد الله الثني. 

وقبل ذلك، أطلق الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر عملية "الكرامة" العسكرية في مايو 2014،  والتي كانت بداية الحرب على الإرهاب. وخلال السنوات التي أعقبت ذلك نجحت القوات الليبية في تحرير عدة مناطق والقضاء على أبرز معاقل الإرهاب في شرق وجنوب ليبيا علاوة على طرد الميليشيات من الهلال النفطي. 

دخلت البلد في أعقاب ذلك في انقسامات وصراعات تخللتها محاولات لتشكيل حكومة وحدة في ليبيا. وبعد عام من المباحثات للتوصل إلى حل لوقف النزاع الدائر بين حكومتي طرابلس وطبرق، تشكلت حكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق سلام وقعه برلمانيون ليبيون في ديسمبر/كانون الأول 2015 برعاية الأمم المتحدة، واختار تشكيلتها المجلس الرئاسي الليبي، وهو مجلس منبثق عن الاتفاق ذاته ويضم تسعة أعضاء يمثلون مناطق ليبية مختلفة. وسلمت بعثة الأمم المتحدة أطراف النزاع الليبي في 22 أيلول/سبتمبر نسخة الاتفاق السياسي النهائية بما فيها الملاحق، موضحة أنه "الخيار الوحيد" أمام الليبيين كي لا تسقط البلاد في فراغ سياسي ومصير مجهول. 

وفي 19 يناير 2016، قدم رئيس حكومة الوفاق تشكيلته الأولى وتضم 32 وزارة. لكن مجلس النواب الليبي بطبرق(شرق)، رفض يوم 25 يناير/كانون ثان ، التشكيلة التي تقدم بها فائز السراج، مطالبًا إياه بتقديم تشكيلة جديدة مصغرة خلال عشرة أيام من تاريخ الرفض. وأبدى 97 نائبا في مجلس النواب الليبي في طبرق رفضهم لحكومة الوفاق مقررين إلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي. وتقضي المادة الثامنة من الاتفاق بنقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية المنصوص عليها في القوانين الليبية إلى مجلس الوزراء فور توقيع الاتفاق. 

وسرعان ما أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، عن التوصل إلى تشكيلة حكومة وفاق، مكونة من 18 وزيراً. وفي مؤتمر صحفي، عُقد في وقت متأخر من مساء الأحد 14 فبراير 2016، بمدينة الصخيرات المغربية، قال فتحي المجبري، الناطق الرسمي باسم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، إنه تم التوصل إلى تشكيل حكومة وفاق ليبية، مكونة من 18 وزيراً، بعد مشاورات للمجلس الرئاسي. 

وفي مؤتمر صحفي بالصخيرات، قال السراج عند إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة، إنه روعي في تشكيلها الكفاءة والخبرة والتوزيع الجغرافي والطيف السياسي ومكونات المجتمع ومشاركة المرأة، داعيا مجلس النواب إلى استشعاره خطورة المرحلة ومنح الثقة للحكومة الجديدة كي تباشر عملها. 

بعد حالة من الجدل غير المسبوق ما بين منح الثقة لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج من عدمه، قرر الأخير تجاهل الأطراف المتنازعة على السلطة، وبدأ مباشرة عمله من العاصمة طرابلس رغم تحذيرات خليفة الغويل من الدخول لطرابلس دون منحها الثقة من قبل البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا وكذلك المؤتمر الموازي في طرابلس. واعتمد السراج على دعم المجتمع الدولي حيث وصلت حكومته في 30 آذار/مارس عن طريق البحر، واستقرت في القاعدة البحرية في المدينة. 

أمرت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا الإربعاء 06 نيسان/إبريل 2016 كل المؤسسات باستخدام شعارها وبالحصول على موافقتها في كل النفقات وذلك بعد ساعات على إعلان الحكومة غير المعترف بها دوليا في طرابلس تخليها عن السلطة. وأبلغت حكومة فايز السراج المصرف المركزي بتجميد كل الحسابات العائدة إلى وزارات ومؤسسات عامة بينها مؤسسات تابعة لشرق البلاد وأخرى لطرابلس. والى جانب الدعم المحلي السياسي والاقتصادي والامني، تلقت حكومة الوفاق مزيدا من الدعم الخارجي مع اعلان سفارات دول عدة البحث في اعادة فتح سفاراتها في العاصمة. 

وبعد شهرين من دخولها العاصمة، أعلنت حكومة الوفاق، عن تشكيل قوة من الجيش والشرطة باسم "جهاز الحرس الرئاسي"، لتدخل عقب ذلك في مواجهات عنيفة مع حكومة الإنقاذ التي أعلنت بدورها عن تأسيس قوة مسلحة تحمل اسم "الحرس الوطني". وتواصلت الإشتباكات إلى أن تمكنت حكومة الوفاق، في مارس 2017، من طرد المليشيات المناوئة لها، لكنها رغم ذلك لم تستطع بسط سيطرتها. 

رغم التأييد الدولي الواسع الذي رافق وصولها الى العاصمة الليبية العام 2016، ورغم بعض المكاسب التي حققتها وأهمها نجاحها في تحرير سرت من تنظيم "داعش"، إلا أن حكومة السراج لم تستطع حل أزمات البلاد وإنهاء حالة الانقسام الموجودة إضافة إلى فشلها في احتواء المليشيات المسلحة المنتشرة خاصة في العاصمة وفي بسط سلطتها على كل البلاد. 

فمنذ وصولها إلى طرابلس، لم تنجح حكومة الوفاق في وقف الإشتباكات المتكررة التي حصدت أرواح الكثيرين، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة. وخضعت حكومة السراج لسلطة المليشيات التي وصفها بحث لمركز "سمال آرمز سيرفي" للدراسات، "بكارتل طرابلس". وحسب المركز، فإن "كارتل طرابلس" أصبحت شبكة إجرامية تضم ميليشيات أهمها ما يعرف باسم "قوة الردع الخاصة" بقيادة عبد الرؤوف كارة، و"كتيبة ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري، و"كتيبة أبوسليم" التي يتزعمها "اغنيوة"، بالإضافة إلى "كتيبة النواصي" بزعامة على قدور. 

وقالت مؤسسة "سمال آرمز سيرفي" إن هذه المليشيات استطاعت "خرق بيروقراطية الدولة ومؤسساتها"، مضيفة أن "حكومة السراج شرعنت هذه المليشيات ودفعت لها الرواتب من أجل شراء الولاءات". وكشفت الدراسة عن وجود مسؤولين في الحكومات المتعاقبة بعد أحداث 2011 دفعوا رواتب لهذه المليشيات، وعلى رأسهم وزير الدفاع الاسبق أسامة الجويلي، وعضو الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة الصديق الغيثي، ووزير الداخلية الاسبق فوزي عبد العال، وعضو جماعة الإخوان عمر الخضراوي. 

ومع تواصل عجز حكومة الوفاق عن بسط سيطرتها الأمنية ومعالجة الأزمات الاقتصادية، باتت في مرمى الغضب الشعبي الذي تمثل في خروج مظاهرات متكررة احتجاجًا على تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية، وتغول الميليشيات. ورفع المحتجون شعارات تطالب بإسقاط رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج. فيما تزايد تصدع الحكومة مع تعدد الاستقالات في صفوفها على غرار استقالة عضو المجلس الرئاسي الليبي فتحي المجبري والتي سبقتها استقالات كل من علي القطراني (شرق) ثم تبعه النائب علي الأسود من الزنتان (غرب) والنائب موسى الكوني (جنوب). 

وفي غضون ذلك، تواصلت الجهود الدولية للوصول الى توافق بين الفرقاء الليبيين، ففي بداية مايو 2017 اتفق رئيس حكومة الوفاق فائز السراج والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر إثر لقاء في أبو ظبي على العمل على تسوية الأزمة لكن بدون إعلان اجراءات عملية. وأعقب ذلك لقاء آخر بين الطرفين في 25 يوليو/تموز 2017، في سيل سان كلو في باريس، حيث تعهد الطرفان على العمل معا لإخراج بلادهما من الفوضى ودعوا لوقف إطلاق نار لا يشمل مكافحة الإرهاب وإجراء انتخابات. 

وتعددت المؤتمرات الدولية لحل الأزمة الليبية، ففي 29 أيار/ مايو2018، استضافت باريس مؤتمرا دوليا حول ليبيا تحت رعاية الأمم المتحدة، نُظم في قصر الإليزيه بمشاركة 20 طرفا من دول ومنظمات دولية، وحضر المؤتمر كل من رئيس الحكومة فايز السراج والمشير خليفة حفتر وكذلك عقيلة صالح عيسى رئيس البرلمان المنتخب عام 2014 ورئيس مجلس الدولة خالد المشري. 

وأكد نص الاتفاق على عمل الأطراف الليبية مع الأمم المتحدة بطريقة بناءة على تنظيم انتخابات نزيهة وسلمية وعلى احترام نتائج الانتخابات، وقال البيان المشترك: إن الوفود الأربعة أكدوا التزامهم بعقد الانتخابات في 10 ديسمبر/كانون أول2018، وأوضح: إلتزم الأطراف بوضع الأسس الدستورية للانتخابات واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول 16 سبتمبر/أيلول 2018، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعدها. 

وتم الاتفاق على نقل البرلمان المقيم في طبرق إلى طرابلس وحل الحكومة المنصبة في شرق البلاد على أن تقوم كل الأطراف البرلمانية بتوحيد البنك المركزي وباقي مؤسسات الدولة. وفي شأن الجيش، تم الاتفاق على تشكيل قوات مسلحة وأمنية موحدة تحت إشراف أممي تضم بالخصوص الجيش الوطني الليبي التابع للمشير حفتر والميليشيات المتفرقة المناصرة لخارطة الطريق وأخذ كل التدابير للقضاء على الجماعات الإرهابية وتنظيم داعش التي تهدد استقرار البلاد. 

في 12 و13 نوفمبر 2018، استضافت مدينة باليرمو الإيطالية، مؤتمرا دوليا حول الأوضاع في ليبيا، في محاولة جديدة لحل الأزمة الشائكة في البلاد. وحضر المؤتمر رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فضلا عن ممثلين عن مصر وتشاد والنيجر وتونس والجزائر وأمريكا وفرنسا وروسيا واليونان. 

ووصل القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلى باليرمو، عاصمة صقلية، بعد أيام من الشكوك حول حضوره، إلا أنه رفض المشاركة في المؤتمر والعشاء الرسمي. لكن ايطاليا نجحت في تنظيم قمة مصغرة جمعت فائز السراج، والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، بحضور  رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك، ووزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، ورئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحي، والمبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة. 

وأكد المجتمعون في المؤتمر الدولي حول ليبيا، في مدينة باليرمو الإيطالية، دعم خطة المبعوث الأممي حول تنظيم مؤتمر وطني جامع لليبيين يساهم في إجراء الانتخابات، مع دعم الجهود المصرية في توحيد المؤسسة العسكرية الليبية. وشدد المجتمعون، على التأكيد على سيادة ليبيا ووحدة واستقلال أراضيها، مع رفض الحل العسكري وتدعيم الحل السلمي للأزمة. 

في 28 فبراير/شباط 2019 أعلنت الأمم المتحدة  أن رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر اتفقا على إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا من خلال انتخابات عامة. وجاء ذلك خلال اجتماع عقداه الأربعاء في أبوظبي، بحسب تغريدة للبعثة على حسابها على "تويتر". وجاء في التغريدة أن الاتفاق تناول أيضا سبل الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها. ولم تعط الأمم المتحدة معلومات إضافية. 

لم تنجح هذه اللقاءات والمؤتمرات في إنهاء الصراع في ليبيا، فسرعان ما عادت الانقسامات الى مربعها الأول ولكنها تحولت هذه المرة إلى مواجهة مباشرة بين الجيش الليبي وحكومة الوفاق، وذلك فى أعقاب إطلاق الأول عملية عسكرية تحتى مسمى "طوفان الكرامة" لإنهاء سيطرة الميليشيات على العاصمة طرابلس، لترد حكومة الوفاق بإعلان التعبئة العامة لصد الهجوم. 

اندلعت الاشتباكات على تخوم العاصمة ونجح الجيش الليبي في السيطرة على عدد من المدن والمناطق الاستراتيجية وبدا واضحا أنه يتقدم نحو حسم المعركة، لكن سرعان ما تصاعدت الأحداث مع دخول تركيا على خط الصراع حيث أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أواخر أبريل، دعم بلاده للميليشيات في طرابلس، بما في ذلك الدعم العسكري. 

وأما تصاعد حدة التوتر في البلاد، سارعت ألمانيا للدخول على الخط، وفي 11 سبتمبر 2019، اعلنت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" خلال كلمتها أمام البرلمان الأوروبي، أنه في حال عدم استقرار الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الإفريقية بأسرها سيتزعزع، وأن ألمانيا سوف تقوم بدورها لتجنُّب حرب بالوكالة في ليبيا. وتعقيبًا على ذلك، فقد أعلن السفير الألماني في ليبيا "أوليفر أوفتشا" أن برلين تبذل جهدًا لتنظيم لقاء دولي حول ليبيا قبل نهاية العام الجاري بهدف إعادة الوضع في هذا البلد إلى استقراره، وأن هناك مشاورات مع الشركاء الدوليين الرئيسيين في هذا الإطار، واستنادًا إلى الجهود الأممية في الأزمة الليبية. 

وتكثفت عقب ذلك التحركات الألمانية لحشد الدعم الدولي لمؤتمرها وفي 09 نوفمبر 2019، أعلن وزير الخارجية الألماني هاكيو ماس توافق بلاده مع الإدارة الأميركية حول مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية. وقال ماس، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيطالي لويغي دي مايو، إن "الولايات المتحدة (مهتمة للغاية) بعملية برلين"، وأضاف "أصدقاؤنا، الولايات المتحدة، أكدوا لنا ممارسة التأثير لإنجاح عملية برلين، وسنقوم بالتنسيق". 

ونجحت جهود وقف اطلاق النار بين الأطراف الليبية، لتبدأ مشاورات في 13 يناير الماضي في العاصمة الروسية موسكو والتي انتهت دون أن تسفر عن أي نتائج، لكنها مثلت تمهيدا ايجابيا لمؤتمر برلين الذي شهد حضور مكثفا، فاضافة الى طرفي النزاع الرئيسيين، فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، والقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، ضمت قائمة الحضور أيضا رؤساء الجزائر وتركيا وروسيا وفرنسا ورئيس الوزراء الايطالي والبريطاني، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ممثلا في رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين، ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، ثمّ الولايات المتحدة متمثلة في وزير خارجيتها مايك بومبيو. 

وأوصى بها مؤتمر برلين الذي انعقد في 19 يناير الماضي، بضرورة وقف تدفق المرتزقة الأجانب إلى ليبيا، والرفض القاطع للإرهاب والعنف أيا كان شكله ومصدره، وهو الأمر الذي دعا له أيضا مؤتمر وزراء خارجية دول جوار ليبيا في الجزائر. لكن هذه التوصيات ظلت حبرا على ورق في ظل استمرار التحركات التركية ونقضها للتعهدات عبر مزيد ارسال المرتزةقة والأسلحة الى ليبيا فيما يواصل المجتمع الدولي صمته بالرغم من تحذيرات سابقة للبعثة الأممية بمحاسبة الرئيس التركي اذا أخل بتعهداته في برلين. 

وبالرغم من فشل مؤتمر برلين في كبح جماح التدخلات الخارجية في ليبيا، فان محاولات انقاذ مخرجاته تتواصل حيث عقدت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5، سلسلة اجتماعات لها تحت رعاية الأمم المتحدة بمقرها في مدينة جنيف السويسرية، حتى السبت، لكنها لم تتوصل الى اتفاق لوقف النار، فيما اقترحت الامم المتحدة استئناف المباحثات في 18 فبراير. 

كما عقد في القاهرة يومي 9 و10 فبراير، اجتماعات المسار الاقتصادي للحوار الليبي، الذي تم إقراره في مؤتمر برلين، وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إن المشاركين في المباحثات الخاصة بالمسار الاقتصادي في القاهرة، اتفقوا على إنشاء 3 مجموعات عمل لتحسين إدارة الإيرادات وتوزيعها، وتعزيز الشفافية واللامركزية، والعمل على معالجة الأزمة المصرفية الملحة. . 

وبدوره يبدأ المسار السياسي أعماله في 26 فبراير الجاري، غير أن المشكلات ما تزال تحيط به، ففي الوقت الذي حدّد فيه المجلس الأعلى للدولة ممثليه الـ13 المشاركين، طلب مجلس النواب الليبي في طبرق "وقتا كافيا لاختيار ممثليه وفقًا لآليات ديمقراطية". يتضمّن المسار السياسي اختيار 40 شخصية ليبية، منهم 13 نائبا عن البرلمان الليبي المنتخب و13 آخرون كممثلين عن مجلس الدولة المسيطر عليه من قبل تنظيم الإخوان، و14 شخصية عامة وإعلامية يختارهم غسان سلامة. 

وتصطدم اجتماعات جنيف بواقع التوتر المتواصل على الأرض والذي تزيد تريا من تأجيجه بمواصلة تدخلاتها التي تهدد باشعال البلاد والمنطقة ككل، وقال المحلل السياسي الليبي، ناصف الفرجاني، "إن مفاوضات جنيف بشأن المسار السياسي وأعمال اللجنة العسكرية المشتركة سوف يفشلان فشلا ذريعا، والمعطيات الأمنية على الأرض تشير إلي ذلك بقوة، فعدم احترام وقف إطلاق النار من جانب حكومة الوفاق والمرتزقة والقيادات التركية التي تحرك الميليشيات والمجموعات الإرهابية يعزز ذلك. 

وتابع الفرجاني تصريحه لصحيفة "العرب" اللندنية، قائلا أن هناك عوامل كثيرة تشير إلى الفشل مع الغموض الهدام الذي ينتهجه المبعوث الأممي في ما يخص تعامله مع الأزمة الليبية، وقيامه بإخفاء الكثير من المعلومات المتعلّقة بأعداد المشاركين وتصنيفاتهم السياسية والجهوية وعدم وضوح ضوابط حاسمة للحوارات على المسارات الثلاثة. 

ويبدي مراقبون للشأن الليبي، تشاؤماً بالحوار السياسي بين الأطراف في جنيف، مشيرين إلى أنّ مشكلة البلاد تتمثّل في القضية الأمنية بسبب انتشار السلاح والميليشيات. ويشير هؤلاء الى أن حوار اللجان العسكرية الليبية بالمسار الأمني يمثل "العقدة الأساسية" التي لو حلت لتبعتها بقية العقد في المسارات الأخرى، حيث يرتبط نجاحها وفشلها بالمضي قدماً أو التعثر نهائياً في المساعي إلى الحلحلة السلمية للأزمة، عبر المسارين الآخرين السياسي والاقتصادي. 

ولا زال الوضع السياسي الليبي يشهد ارتباكًا غير طبيعي، فكل طرف يسعى الى التأكيد على أنه السلطة الشرعية في البلاد. وبالرغم من الاجتماعات المتكررة والمؤتمرات المتتالية في السنوات الماضية فان الوصول الى تسوية سياسية في البلاد ظل أملا معلقا. ويرى مراقبون أن أي تحركات مستقبلية قد تلقى نفس مصير الجهود الماضية نظرا لاختلاف وجهات النظر وصراع المصالح بين الدول، ويشير هؤلاء الى أن التسوية الحقيقية يجب أن تكون ليبية صرفة فالليبيون وحدهم أدرى ببلادهم ومصلحتها.