من عزلته الذاتية في ولاية أريزونا الأمريكية، ظهر نعوم تشومسكي في مقابلتين عبر الإنترنت، مع تلفزيون (ديم 25) وبرنامج الديمقراطية الآن، لتقديم رؤيته بشأن الحدث الأبرز الذي يعيشه العالم 

أجمع وهو جائحة فيروس كورونا المستجد المعروف باسم (كوفيد-19).

ورأى تشومسكي –المعروف بمعارضته للسياسات الأمريكية- أن جائحة كورونا جاءت كتحذير كاشف عن عيوب النظام العالمي الذي نعيشه، وجوانب الخلل على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، مشيرا إلى أن تداعيات فيروس كورونا ستكون مؤقتة.

ورأى أيضا، أن الخيارات المتاحة بعد فوات تلك الجائحة ستكون أما دول أكثر استبدادية ووحشية، أو أخرى تجري إعادة بناء جذرية لمجتمعاتها وفق شروط أكثر إنسانية.

** التعبئة

دعا المُفكر الأمريكي نعوم تشومسكي إلى الضرورة التعامل مع أزمة فيروس كورونا بنفس "الخطاب التعبوي في زمن الحرب"، مشيرا بذلك إلى تعامل الولايات المتحدة مع الحرب العالمية الثانية، قائلا "نحن بحاجة إلى مثل هذه العقلية للتغلب على الأزمة على المدى القصير والذي تتمكن فيه الدول الغنية من مساعدة الدول الفقيرة، فإذا أردنا التعامل مع هذه الأزمة علينا الانتقال إلى شيء يُشبه التعبئة في زمن الحرب، أن بلد غني مثل الولايات المتحدة لديها الكثير من الموارد التي تساعدها على التغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعي الناتجة عن الفيروس، وتستطيع القيام بما فعلته خلال الحرب العالمية الثانية، عندما أعلنت واشنطن التعبئة العامة، ورغم أن هذا القرار تسبب في كبر الدين، ولكنه في النهاية ساعد على انعاش عمليات التصنيع الأمريكي، والخروج من الكساد، وفيما بعد استعادت قدرتها على النمو، نحتاج إلى هذه العقلية الآن من أجل التغلب على هذه الأزمة على المدى القصير"، بحسب تعبيره.

وأكد تشومسكي، أن أزمة فيروس كورونا قد تدفع الناس إلى صنع العالم الذي يريدون العيش فيه، خاصة إذا قررت الدول الغنية مساعدة المحتاجين عوضًا عن خنقهم.

** الرأسمالية النيوليبرالية

كما رأى تشومسكي أن "الرأسمالية النيوليبرالية" تقف وراء التعامل الفاشل للولايات المتحدة مع جائحة كورونا، لافتا إلى أن الوباء العالمي الحالي مؤشّر على وجود مشاكل أساسية في النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي.

وقال تشومسكي في هذا الصدد "من المعروف منذ فترة طويلة أن الأوبئة قد تحدث في أي وقت، وكان من المتوقع أن نشهد أزمة وباء كورونا وهو فيروس آخر خاصة وأنه نسخة أخرى مُعدلة من وباء سارس، لذا كان بالإماكن عمل لقاحات، وتطوير طرق لحماية البلاد من الأوبئة التاجية المُحتملة، والمعلومات كانت موجودة، لكننا لم ننبته، في أكتوبر 2019، كانت هناك محاكاة واسعة النطاق في الولايات المتحدة، وأظهرت أن العالم مُعرض لخطر وباء مُحتمل، ولكن لم يفعل أحد شيئًا". وأضاف "الأزمة الحالية أثبتت فشل سياسيات السوق حين سلمنا مصيرنا للاستبداد الخاص لشركات الأدوية التي لا تخضع لمساءلة الجمهور، بل لمصلحة نفعية للنيوليبرالية المتوحشة التي تتحكم باقتصاد السوق وفلسفة العرض والطلب على المستوى العالمي، حيث الطاعون الجديد المتمثل في النيوليبرالية يقودنا إلى الهلاك".

** تعامل الدول مع الأزمة

وأكد تشومسكي، أن دول مثل الصين، وكوريا الجنوبية، وتايوان عملت مبكرا على احتواء الفيروس، ثم عندما وصل إلى أوروبا، ألمانيا على سبيل المثال تحركت في الوقت المناسب، وكان لديها نظام صحي ومستشفيات موثوق فيها، وكانت قادرة على التصرف بمفردها دون الحصول على مساعدة من الآخرين، وفي النهاية استطاعت احتواء الأزمة بصورة معقولة، في المقابل، تجاهلت دول أخرى هذه التحذيرات مثل بريطانيا والولايات المتحدة.

وشدد المُفكر الأمريكي، على ضرورة أن تكون هذه الأزمة رسالة تحذير ودرسًا نتعامل معه اليوم لمنع حدوث انفجار.

ومن جانب أخر رأى تشومسكي، أن الإجراءات الاستثنائية التي تطبقها الحكومات من إغلاق للحدود الداخلية والخارجية، وحظر التجوال في بعضها، واستخدام القوة في تطبيق إجراءات العزل، كما حدث أو يحدث في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ودول أخرى عديدة قد يؤدي إلى تدهور في الديمقراطية والنزوع إلى الاستبداد في كثير من مناطق العالم، يضاف إليها انهيار الأسواق والنظام الاقتصادي العالمي.

** كورونا المخاطر والفرص

ووصف تشومسكي ما يمر به العالم خلال هذه الأزمة بأنه "لحظة تاريخية حاسمة للإنسان" ليس فقط بسبب فيروس كورونا، بل لأن الفيروس يوقظ الوعي بالعيوب العميقة التي تواجهها البشرية.

وقال تشومسكي، "العالم معيب وليس قوياً بما فيه الكفاية للتخلص من الخصائص العميقة المختلة في النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي كله، واستبداله بنظام عالمي إنساني كي يكون هناك مستقبل للبشرية قابل للبقاء، عندما نتغلب على هذه الأزمة بطريقة أو بأخرى فأن الخيارات المتاحة ستتراوح بين تركيبة دول وحشية شديدة الاستبداد، أو إعادة بناء جذرية للمجتمع تقوم على أسس أكثر إنسانية تهتم بالاحتياجات البشرية بدلاً من الربح الخاص".

وأضاف "هناك احتمال أن ينتظم الناس ويقوموا بخلق عالم أفضل بكثير سيواجه المشاكل الهائلة التي نواجهها في المستقبل القريب. مشاكل الحرب النووية وهو أقرب مما كان عليه من قبل. بالإضافة إلى مشاكل الكوارث البيئية التي لم يعد هناك تعافي منها بمجرد وصولنا إلى تلك المرحلة وهي ليست بعيدة، ما لم نتصرف بشكل حاسم".

وعن إيجابيات جائحة كورونا، قال تشومسكي، "إن الفيروس التاجي حمل إشارات تحذيرية لنا من الخطر الذي ينتظرنا في المستقبل، وليحثنا على التصرف سريعا والاستعداد".

** العزلة الاجتماعية

كما سلط تشومسكي الضوء على الوضع الذي يعيشه نحو أكثر من 2 مليار شخص على هذا الكوكب فيما يعرف بـ "الحجر الصحي"، مشيرا إلى وجود شكل من أشكال العزلة الاجتماعية لسنوات وهو مدمر للغاية.

وقال المُفكر الأمريكي "نحن الآن في حالة عزلة اجتماعية حقيقية يجب التغلب عليها بإعادة الروابط الاجتماعية بأية طريقة ممكنة وأيا كان نوعها والتي بإمكانها مساعدة المحتاجين، وذلك عن طريق الاتصال بهم، تطوير المنظمات. كما كان الحال قبل هذه الأزمة، قبل أن تجعلهم فعالين أكثر ومنتجين، مقبلين نحو وضع خطط كثيرة للمستقبل، وجمع قدر الإمكان من الأشخاص معًا في عصر الإنترنت للانضمام، التشاور، التداول لمعرفة حل المشاكل التي يواجهونها والعمل عليها. الفكرة ليست بأن التواصل وجها لوجه هو أمر غير ضروري للبشرية. ولكن سيتم حرمانها منه لفترة كما يمكنها تعليقه، ابحثوا عن طرق أخرى، اكملوا معها بل وطوروها بعمق. لن يكون الأمر سهلاً لكنه قابل للتنفيذ فقد واجه البشر مشاكل في الماضي".

ورأى تشومسكي أن الحل يكمن في "الحركة الاجتماعية" للتغلب على فشل "النيوليبرالية"، قائلا "العالم استطاع التعامل مع إنفلونزا الخنازير في 2009، وتعافى مئات آلاف الناس، وتم إيجاد لقاح للقضاء على الوباء حين تحركنا بسرعة وهذا لم يحدث اليوم، على الرغم من توفر المعلومات منذ ديسمبر (كانون الأول) 2019، عن أعراض وباء فتاك غير معروف مسبباته".


أفرام نعوم تشومسكي.. أبرز الفلاسفة والمثقفين في العصر الحديث.

·ولد في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا.

·أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي إضافة إلى أنه عالم إدراكي وعالم بالمنطق ومؤرخ وناقد وناشط سياسي.

·كتب تشومسكي عن الحروب والسياسة ووسائل الإعلام وهو مؤلف لأكثر من 100 كتاب.

·صُنف بالمرتبة الثامنة لأكثر المراجع التي يتم الاستشهاد بها على الإطلاق في قائمة تضم الإنجيل وكارل ماركس وغيرهم.

·وُصف تشومسكي بالشخصية الثقافية البارزة، حيث صُوت له كـ "أبرز مثقفي العالم" في استطلاع للرأي عام 2005.

·يوصف تشومسكي أيضاً بأنه "أب علم اللسانيات الحديث" كما يُعد شخصية رئيسية في الفلسفة التحليلية.

·اختِير نعوم تشومسكي كأحد "صنّاع القرن العشرين" من قبل "لندن تايمز" في عام 1970.

·في عام 1984، تم تكريمه بجائزة APA للمساهمات العلمية المتميزة في علم النفس.

·فاز بجائزة NCTE George Orwell للمساهمة المتميزة في الصدق والوضوح في اللغة العامة مرتين عامي 1987، 1989.

·تشمل الجوائز والأوسمة المتنوعة التي حصل عليها أيضًا جائزة كيوتو في العلوم الأساسية عام 1988، وميدالية هيلمهولتز عام 1996، وبنجامين فرانكلين في مجال الكمبيوتر والعلوم المعرفية عام 1999.

·في عام 2011، مُنح تشومسكي جائزة سيدني للسلام التي تعزز للسلام بالعدالة وممارسة اللاعنف.

·حاصلٌ على العديد من الشهادات الفخرية من المؤسسات المرموقة مثل جامعة هارفارد وجامعة كامبريدج وجامعة ماكجيل وجامعة بنسلفانيا وجامعة بكين وغيرها.