وصف الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن التركي محمد ربيع الديهي، البيان الخماسي الصادر عن وزراء خارجية كل من مصر، والإمارات، وفرنسا، وقبرص، واليونان، بأنه يعد بمثابة "صفعة على وجه أردوغان والنظام التركي"، لتدخله في الشأن الليبي الداخلي، كما وصف الديهي التطورات التي تشهدها الساحة الليبية بأنه الأخطر على الإطلاق.. وللحديث بشكل أكثر تفصيلا عن الدور التركي في ليبيا، والأهداف الخفية لتركيا في ليبيا، وملف إرسال المقاتلين المرتزقة إلى طرابلس، كان لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" حوار مع الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن التركي محمد ربيع الديهي... وإلى نص الحوار


بداية.. كيف تصف تطورات المشهد الليبي؟

يمكنا أن نصف تطورات المشهد في ليبيا بجملة واحدة، وهي أنها التطورات "الأخطر على الاطلاق" فاستمرار أنقرة في إرسال المرتزقة والجماعات الإرهابية يعد عنصر تهديد مباشر للأمن الجماعي، فضلا عن استمرار أنقرة في إرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى الداخل الليبي وهو انتهاك صريح من جانب تركيا لقرار مجلس الأمن بشأن حظر تسليح الفصائل المسلحة في ليبيا رقم 1970 الصادر في 2011، مما سوف يضع مجلس الأمن والمنظمات الدولية في موقف محرج للغاية في ظل انتهاك تركيا هذه القرارات فضلا عن دعمها الإرهاب، لذلك تعتبر الأوضاع في ليبيا خطيرة للغاية ومعقدة ومتشابكة، وهذا نظر لموقع ليبيا الجغرافي الذي يحده شمالا البحر المتوسط والدول الأوروبية وجنوبا دول إفريقية ينتشر فيها الإرهاب وشرقًا وغربًا دول عربية تقع ضمن المخطط التركي لإحياء الخلافة العثمانية وعلى رأس هذه الدول مصر، الدولة التي حطمت الطموحات التركيا في 30 يونيو 2013.

كيف تابعت تهديدات الخارجية التركية بشأن استهداف قوات الجيش الليبي؟

بعيدا عن كونه تدخل سافر في الشؤون الليبية، وتهديد صريح ومباشر من الجانب التركي للقوات الجيش الليبي، إلا أنها ليست المرة الأولى الذي تتحدث فيها تركيا بمثل هذه الطريقة ضد الجيوش الوطنية، فسبق وأن هددت جيوش أخرى في المنطقة بالاستهداف كما شاهدنا في سوريا، ولكن علينا أن ندرك جميعًا عدة أمور، أولها أن النظام التركي اعتاد على مثل هذه التصريحات العنترية بهدف جذب الانظار إليه وطمأنة مؤيديه، ثانيًا هو أن الهدف التركي بإحياء الخلافة العثمانية لن يتحقق إلا من خلال القضاء على الجيوش الوطنية واقحمها في صراعات ضد الإرهاب وغيرها لانهاك قوي هذه الجيوش الوطنية.

ويجدر هنا الإشارة إلى أن هذه التصريح من الخارجية التركية جاء بهدف دعم وطمأنة الارهابيين والمرتزقة المتواجدون في ليبيا؛ حيث تزامنت هذه التصريحات مع زيارة رئيس المخابرات التركية قبل هذه التصريحات بأسبوع تقريبا للجلوس مع هؤلاء المرتزقة، مع وجود تقارير توضح أن الإرهاب بدأ يترك ساحات القتال في ليبيا ويتجه في مراكب هجرة غير شرعية ناحية أوروبا وهو الأمر الذي لا يرغب فيه النظام التركي حاليا، لأنه يدرك أن ذهاب مثل هؤلاء الارهابيين والمسلحين إلى اوروبا يعني وجود موقف أوروبي قوي لمواجهة مثل هذه التنظيمات والقضاء عليها في الداخل الليبي قبل ذهب إلى الداخل الأوروبي، فضلا عن ادراك النظام التركي أن المجتمع الدولي منشغل الآن في حرب ضد فيروس كورونا وهو لا يرغب في أن ينتبه له المجتمع الدولي ومعاقبته على الأحداث في ليبيا في ظل رفض دولي للدور التركي في الداخل الليبي.

ما قرأتكم للبيان الخماسي (مصر، الامارات، اليونان، قبرص، فرنسا) بشأن التدخل التركي في ليبيا؟

في الواقع البيان الخماسي الصادر عن وزراء خارجية مصر والإمارات وفرنسا وقبرص واليونان، يعد بمثابة صفعة على وجه أردوغان والنظام التركي، لتدخله في الشأن الليبي الداخلي، خاصة وأن أردوغان يدرك أن الجيش الليبي اقترب من تحرير العاصمة طرابلس من الإرهاب والتطرف، لذلك يسعى إلى دعم الميليشيات بالمال والسلاح لنشر الفوضى في ليبيا، نهيك على أن هذا البيان له مجموعة من الدلالات على رأسها أن هذه الدول تتابع الاوضاع في ليبيا في ظل الدعم التركي للإرهاب فضلا عن أن دعوة هذه الدول تركيا إلى ضرورة احترام قواعد القانون الدولي وكذلك قرارات مجلس الأمن.

إضافة إلى ذلك فالبيان الخماسي يأتي من دول أغلبها مجاورة لليبيا وعدم استقرار ليبيا يعني تهديد لأمنهم القومي خاصة في ظل الدعم التركي للإرهاب في الداخل الليبي ففي حال انتشار الإرهاب في ليبيا ستكون أغلب هذه الدول هي المتضرر الرئيسي من عدم الاستقرار الليبي وعلى رأسهم مصر الجار الجغرافي لليبيا، والتي تسعي أنقرة بكل الطرق إلى زعزعة الاستقرار بها خاصة في ظل نجاح مصر في القضاء على الإرهاب ودحره وتحطيمها للمشروع التركي الإخواني بالمنطقة.

ماهي الأهداف التركية في ليبيا، وما أدواتها لتحقيق تلك الأهداف؟

الأهداف التركية في المنطقة العربية واحدة هي إحياء الإرث العثماني، ودعم التيارات الإسلامية المتشددة لتحقيق هذا الطموح، ولكن بعد رفض الشعوب العربية للمشروع التركي والتيارات الإسلامية المولية له، أصبح الأمر صعب نهيك عن خسائر النظام التركي في سوريا وسعي الجيش العربي السوري لاستعادة كامل الأراضي السورية من قبضة الاحتلال التركي، وفشل الكثير من المخططات في المنطقة لم تجد تركيا أمامها سوا ليبيا خاصة وأنها عملت على دعم الإرهاب في ليبيا بصورة غير مباشرة حتي عام 2019 وعندما بدأت الأوضاع تتغير في ليبيا، وموازين القوي تميل لصالح الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر قدمت تركيا دعما للعناصر المولية لها بصورة علنية، بل قامت بإرسال مرتزقة إلى ليبيا بهدف إطالة الصراع هناك وعدم استقرار الاوضاع في ليبيا في القريب، فضلا عن الطموح التركي في الاستيلاء على الثروات النفطية في ليبيا ونقل ثروات ليبيا إلى تركيا، إضافة إلى رغبة أنقرة في إزعاج دول إقليمية كبري مثل مصر لعدة أسباب منها تحطيم مصر المشروع التركي والاخواني إضافة إلى إقامة مصر منتدي شرق المتوسط فضلا عن سعي مصر لتكون مركز إقليمي للطاقة، وفي حال إتمام مصر مشروعها للتحول إلى مركز اقليمي للطاقة تكون قد دمرت المشروع التركي الذي يسعي إلى تحول تركيا إلى مركز للطاقة وتصديرها إلى أوروبا بهدف تأمين احتياجاتها والضغط على الدول الاوروبية من خلال ملف الطاقة وهو الأمر الذي لا ترغب فيه الكثير من الدول الأوروبية.

في الواقع تركيا في الفترة الأخيرة لم يكن لديها أي أداة في ليبيا أو المنطقة غير الأدوات الخشنة، مثل التدخل العسكري المباشر أو دعم الفصائل المسلحة والجماعات الارهابية وهي الصورة التي كشفت عن القناع الحقيقي للطموح التركي في العالم العربي هذا، فضلا عن نظر تركيا لليبيا باعتبارها ولاية عثمانية.

المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد مؤخرا في تقارير له عن وجود انشقاق في صفوف الفصائل الموالية لأوردغان.. ما صحة هذه التقارير وما تعليقك؟

في الواقع يمكن الاستدلال على صحة هذه التقرير من خلال عدة مؤشرات، لعل أبرزها زيارة رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان إلى ليبيا في زيارة سرية، تؤكد صحة هذا التقرير فضلا عن حديث الخارجية التركية حول أنها ستستهدف الجيش الليبي، كل هذه الأمور تؤكد صحة هذه التقرير، لا شك أن فكرة وجود انشقاق في داخل صفوف المرتزقة في ليبيا تؤكد حقيقة أن الجيش الوطني الليبي لم يبقى أمامه إلا القليل ليتمكن من السيطرة على طرابلس وتطهيرها من الارهاب والجماعات المسلحة الموالية لتركيا.