تتسارع الأحداث في ليبيا في الأسابيع الأخيرة، على مختلف الأصعدة، السياسية والعسكريّة. خلاف بين رئيس المجلس الرئاسي ومحافظ المصرف المركزي يلقي بظلاله على مجهودات أجهزة الدّولة في مكافحة فيروس كورونا المستجد ويزيد في تردّي الوضع الاقتصادي في البلاد الشيء بطبعه. وتواصل المعارك حول العاصمة طرابلس وفي بعض المناطق الغرب الليبي، وسط تزايد لتدفّق أعداد المرتزقة السوريين على البلاد وشحنات الأسلحة التركيّة الوافدة على الموانئ الجويّة والبحريّة الليبية.

في المقابل لا تزال البعثة الأممية بدون رئيس بعد استقالة رئيسها غسّان سلامة، في حين بدأت العملية الأوروبيّة في المتوسّط أولى تحضيراتها لمراقبة حظر الأسلحة على ليبيا. في الوقت الذي أصدرت فيه دول مصر وقبرص واليونان والإمارات وفرنسا بيانا شديد اللهجة ضد التدخّل العسكري والانتهاكات التركيّة في ليبيا.

واعتبر وزراء خارجيّة الدّول الخمس، في بيانهم، أن مذكرة التفاهم بشأن ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، ومذكرة التفاهم بشأن التعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وحكومة الوفاق تتعارضان مع القانون الدولي وحظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، كما تقوضان الاستقرار الإقليمي.

تأتي هذه التطورات في وقت شهدت مقار دبلوماسية في العاصمة طرابلس هجمات صاروخيّة، حيث تم، في السابع من شهر مايو الجاري،  استهداف حي زاوية الدهماني بالعاصمة طرابلس، بالقرب من سفارة تركيا ومقر إقامة السفير الإيطالي. ووجهت حكومة الوفاق الليبية اتهاماتها مباشرةً للجيش الليبي بالمسؤولية عن هذه العمليّة، وهو نفس الموقف الذي اتخذته تركيا.

والمقابل نفى المتحدث باسم الجيش بشكل قاطع استهداف مقار السفارات في العاصمة أو مقار الشركات الأجنبية أو مؤسسات الدولة، موجها الاتهام بدوره إلى الميليشيات المنضوية تحت حكومة الوفاق المدعومة تركيًا، بالقيام بأعمال من شأنها الإساءة إلى مكانة القوات المسلحة الليبية. وقال أحمد المسماري في بيان نشره على صفحته بموقع فيسبوك "تنفي القيادة العامة نفياً قاطعا قيامها بهذه الأفعال التي تنافي المواثيق والقوانين والأعراف الدولية".

كما نفت القيادة العامة للجيش الليبي، في بيان لها ليلة الخميس ، تنفيذها أي عمليات قصف لمنطقة شارع الزاوية ومحيط مستشفى طرابلس المركزي ومنطقة طريق السور وشارع الجمهورية والمناطق المجاورة، والتي سقط عليها قبل قليل وابل من القذائف . 

وأوضحت القيادة العامة، في بيان نُشر، فجر الخميس، عبر الصفحة الرسمية للناطق باسم القائد العام أحمد المسماري، أن هدف هذه السياسة القذرة التي باتت تنتهجها المليشيات مؤخرًا بالتنسيق مع المخابرات التركية من خلال تعمد استهداف المدنيين في مناطق مدنية  مأهولة وبعيدة عن أي مرافق عسكرية باتت مفضوحة لاستجداء تدخل عسكري أكبر من سيدهم المعتوه أردوغان ومنحه مبررًا للتدخل بحجة حماية المدنيين، وفق نص البيان 

وتابع البيان، من جهة أخرى تهدف هذه السياسة إلى تأليب الشارع في طرابلس ضد القوات المسلحة من جهة أخرى بهدف استقطاب عدد أكبر من المقاتلين بسبب عزوف شباب العاصمة عن القتال مع المليشيات، وفرار وموت عدد كبير من المليشيات السورية، وامتناع عدد آخر عن التوجه من شمال سوريا الى ليبيا، بحسب البيان.

هذه الاتهامات المتبادلة من الطرفين ليست الأولى من نوعها ولن تكون حتما الأخيرة، في ظل وضع عسكري وسياسي يراوح مكانه منذ أشهر في انتظار الحسم. 

** اتفاق السراج وأردوغان.. ردود فعل عملية من القوى الدّولية: 

تتواصل، في المقابل، ردود الأفعال حول الاتفاق الذي أبرمه السراج مع الرئيس التركي، والذي دخل حيز التطبيق في جانبه الأمني عبر ما تقوم به تركيا أمام أنظار العالم من خرق لحظر التسليح وإغراق البلاد بالمرتزقة والعناصر الارهابية والجهادية المتطرفة من الجبهة السوريّة، وهو ما قد يحوّل منطقة الساحل الجنوبي للمتوسط وشمال افريقيا إلى بؤرة أمنية خطيرة قد تصل تأثيراته الى دول الجوار ودول الشمال الاوروبي.

في هذا السياق تزامن انطلاق عملية ايريني الأوروبية في البحر المتوسط مع بيان أطلقته الدّول الخمس (مصر الامارات قبرص اليونان وفرنسا) ضد هذه التحركات التركية وضد هذا الاتفاق الذي يبدو وكأنّه القناع القانوني لمشروع أردوغان بعيد المدى في المنطقة وفي ليبيا.

وندد وزراء الدّول الخمس في بيان لهم، بالتحركات التركية غير القانونية الجارية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الإقليمية، بما تمثله من انتهاك صريح للقانون الدولي وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وهي المحاولة السادسة من قبل تركيا، في أقل من عام، لإجراء عمليات تنقيب غير شرعية داخل المناطق البحرية لقبرص.

إلى ذلك أعلن دولٌ أوروبية نهاية أبريل عن انطلاق تدريجي لعملية "ايريني" لتنفيذ حظر السلاح المفروض دوليا على ليبيا، ومراقبة السفن التي يشتبه في أنها تحمل أسلحة أو مقاتلين، اعتمادا على بارجات وطائرات وأقمار صناعية متطوّرة.

وقال الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل في أولى التصريحات أنه "في مواجهة الوضع في ليبيا، تفهم الاتحاد الأوروبي أن عليه أن يتحمل جزءًا كبيراً من المسؤولية في حلّ الأزمة، التي لا تزيد فقط معاناة الليبيين، بل تؤثر في الأمن والاستقرار في دول الجوار والساحل، وأيضاً في مصالح الأوروبيين بالمعنى الواسع".

في قالت الخارجية الفرنسية في تعليق على العملية إنها ستتيح للاتحاد الأوروبي الإسهام، "من خلال العتاد البحري والجوي والأقمار الاصطناعية، في تنفيذ حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. وتدلّ على التزام الأوروبيين الحازم بالعمل معاً للدفاع عن مصالحهم السياسية والأمنية المعرّضة للخطر في إطار الأزمة الليبية".

هذه التحركات الديبلوماسيّة والعسكرية من قبل قوى دوليّة وإقليمية، تبدو في نظر المراقبين تحركات عمليّة واضحة ضد اتفاق السرّاج وأردوغان رغم محاولات إيجاد تخريجات قانونية للموضوع من قبل حكوم الوفاق في استنادها على ما تسمّيه "شرعيتها الدّولية" وهي الشرعيّة الهشّة التي لا تجد لها أي صدى قانوني في الدّاخل في الليبي، حيث لم تحصل هذه الحكومة -وإلى اليوم- على أي اعتراف من قبل مجلس النواب، الجسم التشريعي الوحيد في البلاد، وفق نص اتفاق الصخيرات الذي جاء بحكومة الوفاق نفسها.