تشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ الرابع من أبريل/نيسان 2019، معارك عنيفة بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق وذلك بعد أن أطلق الأول عملية "طوفان الكرامة" العسكرية بهدف انهاء سطوة المليشيات المسلحة التي سرعان ما تحالفت مع حكومة الوفاق وبدعم من تركيا التي دخلت الصراع لانقاذ حلفائها الاسلاميين وترسيخ وجودهم في السلطة خدمة لمخططات النظام التركي وأطماعه. 

ومع اشتداد حدة المعارك عاد الى الواجهة من جديد استهداف البعثات الدبلوماسية في العاصمة الليبية. ففي السابع من مايو/أيار الجاري، تم استهداف حي زاوية الدهماني بالعاصمة طرابلس، بالقرب من سفارة تركيا ومقر إقامة السفير الإيطالي، وسارعت حكومة الوفاق ومن ورائها تركيا لالصاق التهمة بالجيش الوطني الليبي الذي نفى استهدافه للبعثات الدبلوماسية. 

ونفى المتحدث باسم الجيش بشكل قاطع استهداف مقار السفارات في العاصمة أو مقار الشركات الأجنبية أو مؤسسات الدولة، متهما ميليشيات حكومة الوفاق التي تدعمها تركيا، بالقيام بأعمال من شأنها الإساءة إلى مكانة القوات المسلحة الليبية. وقال أحمد المسماري في بيان نشره على صفحته بموقع فيسبوك "تنفي القيادة العامة نفياً قاطعا قيامها بهذه الأفعال التي تنافي المواثيق والقوانين والأعراف الدولية"، في إشارة إلى استهداف المقار الدبلوماسية. 

ويأتي استهداف المقار الدبلوماسية في أعقاب فشل هجمات متتالية للمليشيات المسلحة بدعم تركي كبير عبر الطائرات والضباط والمرتزقة لاحتلال قاعدة الوطية العسكرية أو مدينة ترهونة، وباءت هذه المحاولات بفشل ذريع وتلقى أردوغان وحلفائه صفعات متتالية مع تزايد خسائرهم على الأرض وهو ما دفعهم الى محاولة كسب انتصار اعلامي على الأقل. 

وأكد متابعون للشأن الليبي أن استهداف البعثات الدبلوماسية هو عمل مليشياوي بامتياز وبتخطيط تركي تزايد وضوحه مع بيان التهديد الذي ساقته خارجية أردوغان باستهداف الجيش الليبي. ويشير مراقبون الى أن للمليشيات تاريخ طويل في استهداف السفارات وابعثات الدبلوماسية منذ اندلاع الأزمة في البلاد في العام 2011. 

- في يونيو 2012: قام مسلحون جهاديون بالهجوم على مقر القنصلية التونسية ببنغازي  احتجاجا على نشر لوحات بمعرض العبدلية بالمرسى تسيء إلى المقدسات الإسلامية، على حد تعبيرهم و لم يوقع الهجوم أي خسائر بشرية. 

- أغسطس 2012: هددت جماعة أنصار الشريعة في بنغازي بذبح سفير بورما خلال مظاهرة لها مظاهرة لمساندة المسلمين في بورما و ما يتعرضون له و قال أحد المتحدثين باسم أنصار الشريعة إن الجماعة ستذبح السفير البورمي إن لم تتوقف عمليات الإبادة ضد المسلمين. 

- سبتمبر 2012: مقتل السفير الأمريكي في بنغازي السفير ، جي كريستوفر ستيفنز و ثلاثة موظفين  خلال الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأميركية في بنغازي ونفذه مسلحون احتجاجاً على فيلم أميركي اعتبروه مسيئاً للإسلام، وأعلن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية في بيان له حينها أن الهجوم جاء انتقاماً لمقتل الشيخ أبو يحيى الليبي، أحد قادتها في غارة جوية بطائرة من دون طيار في حزيران/يونيو الماضي2012. 

- في 23 إبريل/نيسان 2013: تعرضت السفارة الفرنسية لاعتداء بسيارة مفخخة توقفت أمام مقرها بحي قرقارش بوسط العاصمة أسفر عن أضرار مادية بالغة، فيما أصيب حارسان، وكان أول حادث اعتداء على مقر بعثة أجنبية. 

- يناير 2014: اختطاف الدبلوماسي الكوري الجنوبي هان سيوك الذي يعمل ممثلا تجاريا لبلده في ليبيا ، في العاصمة طرابلس على أيدي مجهولين كانوا يريدون الحصول على فدية مالية مقابل إطلاق سراحه، و قد تم تحريره بعد أسبوع كامل من التفاوض. 

- يناير 2014: اختطاف خمسة موظفين مصريين في السفارة المصرية بطرابلس من بينهم  الملق الثقافي والملحق الإداري بالسفارة المصرية ، و جاء هذا الاختطاف ردا على اعتقال السلطات المصرية للرئيس السابق لغرفة ثوار ليبيا شعبان هدية، الملقب بـ"أبو عبيدة الزاوى" والمتهم بتفجير مبنى مديرية أمن القاهرة، و قد تم تحريرهم مع مفاوضات عسيرة، تم إطلاق سراحهم تزامناً مع قيام السلطات المصرية بالإفراج عن أبو عبيدة الزاوي. 

- مارس 2014: أعلنت السلطات التونسية أن إن دبلوماسيا تونسيا خطف في العاصمة الليبية طرابلس، و قالت  أن السفير التونسي  في طرابلس أبلغ بالعثور على سيارة المختطف خاوية و أن المختطف هو محمد بالشيخ روحو ويعمل موظفا بالسفارة التونسية في طرابلس. 

- ابريل 2014: أعلنت الخارجية الليبية عن اختطاف السفير الأردني بطرابلس من قبل جماعة مسلحة  وقال  متحدث باسم الوزارة  لوكالة فرانس برس ان مجهولين قاموا بخطف السفير الأردني في ليبيا فواز العيطان في العاصمة طرابلس وأضاف سعيد الأسود ان "سيارتين بدون لوحات إحداهما بي ام دبليو يقودها مجهولون ملثمون هاجموا السفير وسائقه، واختطفوا السفير واقتادوه الى جهة غير معروفة". وأضاف ان "سائق السفير اصيب جراء الهجوم برصاصتين وهو متواجد في احد المستشفيات في طرابلس لتلقي العلاج". 

- في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2014: استهدف مجهولون مقري سفارتي مصر والامارات بواسطة سيارة ملغومة أمام السفارة المصرية وحقيبة متفجرات أمام السفارة الإمارتية ولم يسفر الاعتداءان عن إصابات بشرية. 

- في 27 ديسمبر/كانون الأول 2014: استهدف مجهولون مبنى جهاز حماية البعثات الدبلوماسية، التابع للحكومة الموازية بطرابلس، بواسطة سيارة مفخخة أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم بصور نشرها على مواقع مقربة منه، وهو أول حادث يتبناه التنظيم في طرابلس. 

- في 17 يناير/ كانون الثاني 2015: ألقيت عبوة ناسفة أمام مدخل مقر السفارة الجزائرية بحي بن عاشور ما أسفر عن إصابة ثلاثة من حراسات السفارة تابعين لجهاز حماية البعثات الدبلوماسية، وبعيد ساعات من الاعتداء نشرت مواقع مقربة للتنظيم صورا تظهر تبينه للحادث. 

- في 23 يناير 2015: أطلق مجهولون النار من سيارة مسرعة على أفراد جهاز الأمن الدبلوماسي أمام مقر تابع للأمم المتحدة بوسط العاصمة نتج عنه مصرع أحد الحراسات متأثرا بجراحه. 

- في 22 فبراير 2015: انفجرت عبوة ناسفة أمام مقر السفارة الإيرانية بحي بن عاشور لم يسفر انفجارها عن أضرار بشرية، رغم قربها من نقطة تواجد حراسات جهاز الأمن الدبلوماسي، إلا أن أضرارا مادية لحقت بواجهة مقر السفارة ومنزل السفير الخاليان من أي تواجد. 

- في 12 أبريل 2015: الاعتداء على مقر سفارة كوريا الجنوبية، ، في حي السياحية بالعاصمة طرابلس ، أودى بحياة عنصرين من حراسات المقر وجرح ثالث. 

- في 13 أبريل 2015: اعتدى مجهولون على مقر السفارة المغربية بحي بن عاشور، وسط العاصمة، من دون ان يسفر الاعتداء عن خسائر بشرية مقتصرا على الجانب المادي. و قد تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الهجوم. 

- في 12 يناير 2018: قامت مجموعة مسلحة، باختطاف مندوبة المنظمة الدولية للهجرة، رانيا خرمة، في مدينة سبها جنوب ليبيا، وتم نقلها إلى جهة مجهولة ليتم الإفراج عنها بعد مرور ثلاثة أيام على اختطافها. 

في 04 سبتمبر 2018: اندلع حريق في محيط مقر السفارة الأمريكية بالعاصمة الليبية طرابلس، عقب سقوط قذائف، بعد اندلاع اشتباكات بين ميليشيا يقودها صلاح بادي، وبين أخرى يقودها غنيوة الككلي. 

وتقع السفارة الأمريكية في منطقة سيدي سليم وهي منطقة تتوسط منطقتي النيران بين ميليشيا غنيوة وبادي، اللتين تبادلتا القصف فيما بينهما، ووقعت بعض القذائف على مقر السفارة. وأوضح مصدر أمني في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "إحدى القذائف أصابت خزان وقود يتبع للسفارة، مما نتج عنه حريق امتد لأرجاء المبنى"، لافتا إلى أن "قوات الدفاع المدني لم تتمكن من الوصول بسرعة للمكان؛ نظرًا لوجود الاشتباكات، إضافة إلى إغلاق العديد من الطرق السريعة المؤدية للمكان". 

وتكشف هذه الهجمات على البعثات الدبلوماسية والسفارات طيلة السنوات الماضية أسلوب المليشيات المسلحة في فرض وجودها واستغلالها لغياب سلطة الدولة والقانون. ويؤكد مراقبون أن هذه المليشيات تكرر أسلوبها هذا كلما ضاق بها الحال وتعرضت لانتكاسات وخسائر تهدد بانهاء نفوذها والقضاء عليها. 

وكان الجيش الليبي، قد أطلق عملية "طيور الأبابيل" ضد العدوان التركي والموالين له، تم خلالها تدمير شحنة أسلحة تركية في مدينة مصراتة، كما تم استهداف الكلية العسكرية في مصراتة، معقل المرتزقة السوريين، وغرفة العمليات التركية بأكثر من 18 ضربة جوية. وشنت مقاتلات سلاح الجو الليبي سلسلة من الغارات الجوية استهدفت من خلالها عدداً من المواقع بمنطقة بوقرين شرق مدينة مصراتة. 

وجاءت هذه الضربات بالتزامن مع صفعة تلقاها نظام أردوغان من قاعدة عقبة بن نافع "الوطية"، بعد دحر مرتزقته والميليشيات الموالية له على أسوارها، فيما تسارع تقدم قوات الجيش الوطني الليبي في محاور العاصمة طرابلس وسط أنباء متواترة عن انهيارات في صفوف المليشيات، وهو ما دفع التحالف المليشياوي-الأردوغاني الى استهداف البعثات الدبلوماسية بهدف تشويه الجيش وتاليب الرأي العام الدولي فيما تكسب مليشيات أردوغان المزيد من الوقت. 

وعلق الباحث في الشؤون الاستراتيجية فرج زيدان، على تهديدات الخارجية التركية باستهداف الجيش الليبي بأنها نتاج خسائرها الكبيرة وقال زيدان وقال زيدان، "ندرك تماماً بأن التهديدات والعواء الصادر عن وزارة خارجية أردوغان، ضد الجيش الليبي هي ناتجة عن الخسائر الكبيرة في صفوف العسكريين الأتراك في ليبيا والمرتزقة السوريين، وفشل خطط النظام التركي الإرهابي في الوطية وترهونة، فضلاً عن انتصارات وتقدمات قواتنا المسلحة الباهرة باتجاه عمق طرابلس". 

وتؤكد هذه التطورات حجم المخاطر التي يمثلها استمرار وجود المليشيات المسلحة في طرابلس والذي انضاف اليه الغزو التركي الذي جلب معه مرتزقة وارهابيين وهو ما يهدد بمزيد من الانفلات الأمني في العاصمة الليبية خاصة في ظل الحديث عمليات ارهابية قادمة باشراف من قيادات ارهابية على رأسها خالد الشريف وبايعاز من النظام التركي لنشر المزيد من الفوضى في البلاد وتعطيل دخول الجيش الليبي الى طرابلس. 

ومنذ العام 2011، ترسخ وجود الميليشيات في ليبيا، والذي نتج عنه صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة، وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى. وبالرغم من الجهود المتواصلة لحلحلة الازمة وانهاء الانقسامات فان تدخلات دول داعمة للفوضى والارهاب في ليبيا تزيد من تأزيم الأوضاع في البلاد. ويرى العديد من المراقبين بأن إنهاء نفوذ الميليشيات يبقى النقطة الأولى لتحقيق الإستقرار في ليبيا بما يضمن استعادتها لمكانتها اقليميا ودوليا.