في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الوطني الليبي تقدمه في عدة مواقع في العاصمة الليبية طرابلس، تشن القوات الموالية لحكومة الوفاق بدعم تركي كبير هجمات متواصلة على مدينة ترهونة التي تبعد 88 كم جنوب شرقي العاصمة الليبية في محاولة للالتفاف خلف الجيش الليبي ولتخفيف الضغط على عناصرها المتراجعة في محاور القتال في طرابلس. 

وتتسارع تحركات المليشيات المسلحة بدعم من المرتزقة للتحشيد بهدف شن هجمات جديدة على مدينة ترهونة مستعينة بدعم تركي كبير. ونقلت"العربية"، عن مصادر مطلعة، السبت، تأكيدها رصد بارجات حربية تركية قبالة سواحل القره بوللي الليبية، يعتقد أنها تمهد لقصف بحري نحو قوات الجيش الليبي في ترهونة، وذلك بعد يومين على رفض حكومة الوفاق المدعومة من تركيا هدنة كان الجيش الليبي أعلن قبوله بها خلال شهر رمضان تلبية لدعوات دولية. 

وخلال الفترة الماضية كثفت وسائل الإعلام الاخوانية والتركية من ترويجها لهجمات الميليشات على مدينة ترهونة في الغرب الليبي، وتزامن هذا التحشيد الإعلامي الكبير والواضح بشكل ملفت على مدينة ترهونة مع هجومين حاولت فيهما المليشيات المنضوية تحت حكومة الوفاق مدعومة بجحافل المرتزقة السوريّة الدّخول إلى الحدود الإدارية للمدينة بدون أي نتيجة. 

ففي 25 أبريل/نيسان الماضي، قامت الميلشيات المنضوية تحت المجلس الرئاسي بقصف مواقع داخل المدينة بصواريخ الجراد ما خلّف إصابات في صفوف المدنيين وأضرارا كبيرة في البني التحتية للمدينة. وقال الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، عبر تدوينة على "فيسبوك" أن مدينة ترهونة تعرضت فجر السبت لقصف صاروخي "غراد" قامت به مجموعة من الميليشيات المسنودة بعناصر إرهابية. 

وأشار المسماري إلى أن الأحياء السكنية بمدينة ترهونة استهدفت بأكثر من عشرين صاروخا أصابت جميعها أهدافا مدنية بما فيها مساكن المواطنين، مضيفا أن السلطات المحلية والأمنية تجري حصرا للأضرار وتوثيقها. وطالب البعثة الأممية في ليبيا بضرورة الاضطلاع بواجباتها وإدانة الإرهابين الحقيقيين، مشيرا إلى أن استهداف المدنين جريمة حرب يعاقب عليها القانون. وتوعد المسماري الميليشيات المهاجمة بالقول "رد القوات المسلحة الليبية جاهز وقادم لا محالة". وفق المنشور. 

وبدوره، دان مجلس مشايخ وأعيان قبائل ترهونة، السبت، استهداف الأحياء المدنية بالقصف الصاروخي الذي تسبب في سقوط ضحايا في منازلهم. وأكد المجلس، في بيان له، أن تركيا أصبحت تحارب في ليبيا بشكل علني أمام العالم، وسط حالة من الصمت الدولي والعربي، مبيناً أن ترهونة تعانى من انقطاع التيار الكهربائي والوقود والمؤن والماء والدواء لأكثر من أسبوعين. وشدد البيان على صمود قبائل ترهونة وثبات موقفهم في دعم الجيش. 

وجاء هذا الهجوم بعد أسبوع من هجوم آخر فاشل شنته المليشيات مدعومة بعناصر من المرتزقة وبمساندة جوية من الطيران المسير التركي من أكثر من محور، وهو ما دعاها للجوء لشن قصف عشوائي على أحيائها وفرض حصار في محاولة لتركيع المدينة  التي تعد أبرز الداعمين للجيش الوطني الليبي في معركته لاستعادة البلد من الميليشيات الإسلامية المدعومة تركيّا. 

وشاركت في الهجوم قوّات بريّة واسعة وعدّة طائرات مسيرة تركيّة الصنع والمئات من المرتزقة السوريين، وكان ملاحضا أنّ وكالة الأناضول التركيّة ذراع أردوغان الاعلامي كانت قبل ساعات من بدأ الهجمات قد نشرت الخطّة المفصلة لهذا الهجوم، ما يكشف عن الدّور التركي الأساسي والرئيسي في هذه الحرب ضد المدينة. . 

وزعمت المليشات أنها تمكنت من أسر عدد من جنود قوات الجيش الليبي في محور القرّة بوللي ونشرت فيديوات على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص من بينهم مسنون تقودهم عناصرهم مليشاوية إلى سيارات حربية قالت إنهم مقاتلون في صفوف الجيش الليبي، غير أنّ صفحات من مدينة ترهونة نشرت صور لأولئك الأسرى مشيرةً الى كونهم مدنيون. 

وبالإضافة إلى هذه الهجمات فرضت حكومة فايز السراج في العاصمة الليبية طرابلس حصارا اقتصاديا وخدميا على مدينة ترهونةً، ضمن حرب التجويع التي تشنها لإجبار سكان المدينة على التراجع عن دعم الجيش الليبي. وشمل الحصار الذي تفرضه المليشيات على المدينة قطع الخدمات الأساسية بشكل ممنهج تشمل المياه والكهرباء والاتصالات الهاتفية والإنترنت مع استهداف عشوائي بالطيران التركي المسير لإجبار ترهونة على التخلي عن الجيش. 

كما فرضت المليشيات حصارا على الطرق المؤدية للمدينة، فيما استهدفت الطائرات التركية المسيرة الداعمة لحكومة السراج عدة شحنات وقود ومواد غذائية قبل الوصول إليها. وهو ما دفع عدة جهات حقوقية لاصدار بيانات إدانة عن محاصرة ترهونة واستخدام التجويع كسلاح في المعارك ضد المدنيين والمدن بصفة عامة. 

وتكتسب ترهونة   التي تبعد 88 كم جنوب شرقي العاصمة الليبية أهمية استراتيجية من قربها للعاصمة طرابلس وتعدادها السكاني الذي يقارب المليون نسمة إضافة إلى كونها أكبر المدن المؤيدة للجيش الليبي في عمليته لتطهير طرابلس من المليشيات والتنظيمات الإرهابية. وبعد أن باءت محاولتهم في استمالة مدينة ترهونة لسحب دعمها عن الجيش، يضغط الإسلاميون في اتجاه ارتكاب الانتهاكات في حق المدينة التي تشارك بقوة في معركة تحرير طرابلس باللواء التاسع. 

وسبق أن أكد المفتي المعزول الصادق الغرياني، المعروف بتصريحاته المحرّضة ضد الجيش الليبي والداعمة للإرهابيين، إن حسم المعركة يتطلب اجتياح ترهونة للقضاء على المفسدين، أعداء القرآن". على حد زعمه. وقال الغرياني في استضافة عبر برنامج "الإسلام والحياة" المذاع عبر قناته التناصح، إن "المدافعين عن طرابلس لن يتمكنوا من حسم المعركة ما لم يحسموا أمر ترهونة بالقضاء على من وصفهم بالعصابات المتواجدة فيها على غرار عملية غريان". 

وزعم الاخواني خالد المشري، رئيس مجلس الدولة إنهم سيحتفلون قبل شهر رمضان بتحرير مدينة ترهونة وعديد المناطق حسب زعمه. وأوضح المشري في مداخلة سابقة مع قناة "ليبيا الأحرار" التي تبث من تركيا وتمولها دولة قطر، أن تقديراته جاءت وفقا للخطط العسكرية وأن تلك العمليات ستكون بأقل الخسائر بما يمكن من عودة عديد النازحين إلى مناطقهم، وفق قوله. 

تصريح المشري قوبل بالاستنكار من مجلس مشايخ وأعيان قبائل ترهونة الذين أكدوا في بيان لهم، إن قبائل ترهونة المجاهدة لا تفكر في الموت إنما نفكر كيف نؤدي الواجب الوطني في الدفاع عن الأرض والشرف والعرض وإن اصطفافنا مع القوات المسلحة العربية الليبية لم يكن اصطفاف سياسة أو مصلحة ما إننا كنا ومازلنا مع جيشنا منذ أن تأسس. 

وتابع:"أن ما يسمى المجلس الأعلى للدولة الذي يقوده عبد أردوغان المشري إن هذا المجلس هو وكر خاص لجماعة الإخوان المسلمين فقد صاغوا من خلاله قوانين الظلم والاقصاء وغزو المدن وليس غريبا على مجلس كهذا أن يصرح رئيسه بأنه سيحتفل في ترهونة في إشارة لغزوها وتدميرها مثل ما فعلوا وهم نفس الوجوه في تاورغاء وبني وليد وورشفانة وغريان وصبراتة وصرمان وزلطن". 

ويرى مراقبون أن قوات الوفاق تحاول من خلال نقل المعركة الى ترهونة دفع اللواء التاسع، لسحب وحدات من قواته من محاور القتال جنوبي طرابلس للدفاع عن مدينته، ما سيضعف تمركزاته القوية في مطار طرابلس وفي مناطق قصر بن غشير، وعين زارة، ووادي الربيع، جنوبي العاصمة، وبذلك تخفف الضغط القائم على قواتها المتراجعة في عدة مواقع. 

من جهة أخرى، تحمل مدينة ترهونة رمزيّة تاريخيّة هامة بإعتبارها أحد المعاقل التاريخية للوطنيّة الليبية. كما تعتبر ترهونة مدينة الكفاح الوطني ضد الاستعمار العثماني والاستعمار الإيطالي من بعده. فهذه المدينة تسمّى في الأدبيات التاريخية والسياسية الليبية المعاصرة بـ"مدينة الجهاد". كما أنّ ترهونة هي كذلك من المدن بين المدن الكثيرة في ليبيا التي تميزت بموقفها الرافض للتدخّل الأجنبي في ليبيا في العام 2011. وقد كان لتركيا الدّور الكبير أثناء تلك الحرب. 

وتسعى تركيا لضرب الروابط الاجتماعية للمجتمع الليبي من خلال تغذيتها للنعرات القبلية والجهوية والمناطقية فهي تريد تركيز ثارات وعداوات بين مدينة ترهونة وجيرانها من الغرب الليبي عبر عمليات تورّط فيها مليشيات منفلتة ومرتزقة أجانب تحاول من خلالها شرخ النسيج الاجتماعي الليبي ونشر الفتنة والكراهية بين ترهونة وبقية مدن الغرب الليبي. 

وبدا ذلك واضحا حين توعدت قوات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق، بالانتقام من أهالي مدينة ترهونة بعد السيطرة عليها. وأظهر تسجيل مصور تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، أحد أفراد المليشيات وهو يهدد أهالي ترهونة، متوعدًا بعدم ترك امرأة على قيد الحياة في ترهونة حال دخول هذه الجماعات المسلحة للمدينة. ويعكس هذا التصرف روح هذه المجموعات المسلحة العدائية والانتقامية لأهالي المدن الليبية، والتي تغذيها تركيا وجماعة "الاخوان" خدمة لخططهم بنشر الفوضى في ليبيا. 

وترتكب المليشيات بدعم تركي جرائم كبيرة وانتهاكات في حق الليبيين، وكان  اللواء أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني، قد أعلن في مؤتمر صحافي، أن قوات الجيش الوطني تخوض حرباً ضد الجيش التركي بكامل قواته البرية والبحرية والجوية والإلكترونية، وشدد على ضرورة تدخل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتحري الدقة فيما ينقل إليهم. 

كما كشف المسماري النقاب عن "مشاركة عناصر من تنظيمي (القاعدة) و(داعش) الإرهابيين، وبعض الهاربين من بنغازي من ميليشيات (أنصار الشريعة) في الهجوم على صبراتة"، واتهم الميليشيات المسلحة بخطف عائلات بأكملها بقوة السلاح، قائلاً إن الهجوم "كان بقيادة تركية كاملة، وطائرات مسيرة، وأخرى للتشويش وسفن حربية"، موضحاً أن الميليشيات في صبراتة وصرمان "حرقت المنازل ومرافق الدولة، وسرقت أموال الزكاة". 

وتعتبر تركيا وحلفائها في طرابلس أن ترهونة تشكل أهم معاقل الجيش في الغرب الليبي، وأن السيطرة الكاملة على المدينة رهان سيقلب موازين القوى لصالحها، خصوصا أنها تعد بمثابة الامتداد الجغرافي للعاصمة. ويقول متابعون للشأن الليبي إن "الاخوان" وبدعم من أردوغان يسابقون الزمن من أجل تحقيق نصر عسكري ولو اعلاميا بعد عجزهم ميدانيا، وذلك في ظل تصاعد المطالبات الدولية بضرورة وقف اطلاق النار والعودة للحوار. 

وشهدت ليبيا خلال الأيام الماضية مسيرات شعبية ودعوات من شخصيات ومكونات ليبية عديدة بإسقاط الاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي الذي بات بوابة للغزو التركي للبلاد، وتفويض القيادة العامة للجيش بإدارة شؤون البلاد. ويرى مراقبون أن هذه التطورات الى جانب الفشل على أسوار ترهونة تمثل ضربة موجعة لمخططات "الاخوان" وأردوغان، سيكون لها تداعيات كبيرة في المشهد الليبي خلال الفترة القادمة.