لقاعدة الوطية العسكرية رمزية خاصّة عند الليبيين. منذ إنشائها كانت ذات قيمة هامة في الوجدان العام باعتبارها من بين الأقدم أو ربما هي الأقدم في البلاد، حيث بناها الامريكان عقب الوصاية الدولية الثلاثية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على ليبيا عندما كانت تحت الاحتلال الإيطالي. كما أنها القاعدة التي راهن نظام العقيد الراحل على أن تكون حصن دفاع عن الوطن كما أنها المقر الذي تمركز فيه الجيش الليبي منذ 2014، ولم تتمكن قوات الوفاق من السيطرة عليها رغم نفوذها على المنطقة الغربية.

يعود تأسيس قاعدة الوطية التي كانت في السابق تسمى قاعدة عقبة بن نافع سنة 1942، تقع وسط طبيعة جغرافية محصّنة وتمسح 40 كلمترا مربعا، وتعتبر من أكبر القواعد الجوية في ليبيا، لتوفرها على مهبط للطيران، حيث كانت قبل تحولات 2011، موقف أسطول مقاتلات الميراج ومركز عملياتها الاستطلاعية والتدريبية، بالإضافة إلى توفرها على مستودعات ضخمة لتخزين السلاح ومحطة وقود كما توجد بها مدينة سكنية باعتبارها قادرة على استيعاب أكثر من 7000 عسكري.

للقاعدة موقع استراتيجي في ليبيا، فهي تقع على بعد 30 ملمترا فقط على الحدود التونسية غربا وغير بعيدة أيضا على الحدود الجزائرية، مما يجعل مجالات التحرّك والمراقبة الحدودية فيها مهمّة، وتتميّز بأنها تغطي كامل المنطقة الغربية، حيث لا تبعد عن العاصمة طرابلس أكثر من 150 كلمترا شرقا، كما أنها منفتحة نحو مناطق الجبل الغربي والجنوب.

في العام 2011، وفي قلب الصراع بين نظام القذافي ومناوئيه المدعومين دوليا، تعرضت القاعدة لقصف مكثف من طيران الناتو باعتبارها كانت تمثل رمزية موالاة له والعناصر الموجودة فيها ذات تدريب خاص. وعلى الرغم من الهجمات الجوية العنيفة من الناتو لكنها حافظت على معظم بنيتها التحتية الأساسية رغم الأضرار التي لحقت بالطائرات الرابضة ومستودعات الذخيرة بالإضافة لمراكز الرصد والدفاع الجوي.

منذ 2014، أصبحت "الوطية" غرفة عمليات تابعة للقيادة العامة للجيش الليبي من خلال تراقب تحرّك المجموعات المسلحة، في المنطقة وقد حاول مسلحو فجر ليبيا المقربون من جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا السيطرة عليها، لكن فهمهم لطبيعته ولطبيعة المناطقة المجاورة المناوئة لهم والداعمة للجيش جعلهم يتراجعون لتبقى السيطرة عليها للجيش رغم المحاولات المتكررة لقوات الوفاق خاصة مع اشتداد المعارك قبل أكثر من سنة.

وخلال أكثر من عام من المعارك، ورغم أن قوات الوفاق، تعتبر نظريا صاحبة الإدارة في المنطقة الغربيّة، إلا قاعدة الوطية بقية حتى في قلب المعارك تحت سيطرة الجيش، الذي يعرف أن التخلي عن تلك القاعدة هو خسارة استراتيجية قد تعيد مخططاته للحسم إلى نقطة الصفر، حيث أي ضياع للقاعدة يعني غياب خطوط الإمداد في الغرب، لكن تسلحه بالإسناد المناطقي من المساحات القريبة في الجميل ورقدالين والعسّة والزنتان، يجعلانه إلى الآن في مأمن من أي خطر سوى الهجومات الجوية عبر الطيران التركي المسيّر وهذا ما تدركه حكومة الوفاق.

ومنذ 25 من مارس الماضي تحاول قوات الوفاق الاقتراب من القاعدة، مندفعة بسيطرته على بعض المناطق المحيطة بطرابلس كان يتمركز فيها الجيش الليبي، حيث قال آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء في الجيش الركن عبد الله الهمالي صد هجوم الوفاق والسيطرة على مدن جديدة لم تكن تحت سيطرة الجيش. مضيفا في تصريحات لموقع "سبوتنيك" الروسي "أن قوات الجيش تمكنت من صد الهجوم وطاردت القوات المهاجمة حتى الحدود التونسية بعد أن بسطت سيطرتها على المدن جميعها بالمنطقة باستثناء مدينة زوارة، الواقعة على البحر". وجاء كلام الهمالي ردا على قيادات مسلحة تابعة للوفاق التي تحدثت "عن هجوم واسع في عملية الوطية" وعن "إلحاق خسائرة كبيرة بالجيش قرب القاعدة.

وعلى الرغم من فشلها في اقتحام القاعدة لكن قوات الوفاق واصلت منذ منتصف أبريل في هجوماتها عليها مدعومة بسلاح الجو التركي وبمرتزقة سوريين لكن شعبة الإعلام التابعة للجيش أشارت إلى أن عناصرها نجحت في صد الهجوم المباغت وأن ما وقع هو إخلال باتفاق الهدنة المعلن قبل ذلك.

وفي آخر تطورات العملية، واصلت الوفاق منذ يوم 5 مايو هجوماتها حيث قال الناطق باسم قوات حكومة الوفاق محمد قنونو "إن سلاح الجو نفذ إلى صباح الأربعاء 06 مايو 24 غارة جديدة على القاعدة، وهو العدد الأكبر من الغارات منذ انطلاق المعركة. وقد أسفرت المعركة عن مقتل آمر قوة حماية قاعدة الوطية الجوية أسامة امسيك الزنتاني، الذي قُتل، في غارة بطيران تركي مسير، مع عدد من الجنود . ويأتي كلام قنونو مع تصريحات متلازمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيها إن "أخبارا سارة" ستكون في ليبيا، مما فهم منه السيطرة المرتقبة على "الوطية" وفهم منه خاصة المشاركة التركية في العملية.

هذه العملية التي كان ينتظر أردوغان أن يزفها كـ"خبر مفرح" وفق تعبيرها الذي أطلقه في تصريحات تلفزيّة ساعات فقط قبل بدأ الهجوم انتهت بإحباط آخر له وللمليشيت التي يسلحها بالطائرات والمدرعات ويدعمها بالمرتزقة السوريين، وعشرات المنابر الإعلامية التي تزيد بإذكائها للحرب من معاناة الليبيين ومن حجم الدماء المسفوكة هدرًا من شباب ليبيا في حسابات لعبة أردوغان الإقليمية.

وقد شعبة الإعلام الحربي وفي تصريح فوري لها عن نجاح الجيش في صد هجوم لقوات الوفاق تحت غطاء جوي تركي، على قاعدة الوطية، وأنه كبّد عناصره عشرات القتلى والجرحى وهو ما أكده مراسل أيضا قناة الجزيرة القطرية الموالية لحفتر، الذي أقر أيضا بصعوبة المعركة والسيطرة على القاعدة. نظرا للقوة التي يتمتع بها الجيش الليبي.

ويرى مراقبون أن الوفاق رغم الإمكانات التي توفرت لها من حلفائها لاقتحام القاعدة، ورغم اشتداد المعارك حولها فإن عملية السيطرة عليها تبقى بعيدة بالنظر إلى تضاريس المنطقة وإصرار الجيش على صد أي هجومات محتملة وهي ما يعني إطالة المعارك إلى أمد غير معروف.