شهدت ليبيا خلال الأشهر الماضية ظروف بالغة التعقيد حيث تصاعدت وتيرة القتال على تخوم العاصمة الليبية في وقت تواصلت فيه الخلافات بين أطراف النزاع الداخلية سياسياً وعسكريا والتي زادت في حدتها التدخلات التركية الساعية لتأجيج الأوضاع في البلاد. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة والتوترات الكبيرة، تتواصل المحاولات الدولية لايجاد حل سياسي ينهي أزمة الصراع القائم ويصل بالبلاد الى تحقيق توافق شامل من شأنه انهاء سنوات من الحروب والفوضى

آخر التحركات الدولية لحلحلة الأزمة الليبية يأتي مع أعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة انطلاق اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5 في مقر الأمم المتحدة في جنيف، مؤكدا أن البعثة تسعى لإنجاز هدنة دائمة في ليبيا والاتفاق على وقف کامل لإطلاق النار. وقال سلامة في مؤتمر صحافي من العاصمة السويسرية جنيف إن محادثات لجنة خمسة زائد خمسة انطلقت باجتماعات منفصلة لكلا الطرفين، وأن كبار الضباط من الطرفين أعربوا عن استعدادهم للوصول لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن جلسات المسار السياسي ستبدأ بعد أسبوعين وفق قوله

ويأتي هذا الحوار نتيجة تحركات دولية خلال الفترة الماضية، بدأت من موسكو التي شهدت في الثالث عشر من يناير الماضي، محادثات روسية تركية حول ليبيا، دعت اليها الحكومة الروسية في أعقاب اتفاق بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والتي أفضت الى اعلان وقف اطلاق النار في طرابلس في الثاني عشر من يناير

وبدأت المشاورات باجتماع لوزراء الخارجية والدفاع الروسي والتركي في شكل "2 + 2"وفي وقت لاحق، استمرت المحادثات في اجتماعات منفصلة للوفود مع بعضها بعضا. وقال المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان الليبي حميد الصافي، أن المفاوضات في الخارجية الروسية بين فريقي المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي من جهة، وحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج من جهة أخرى، تتم كل على حدى ولم يتم أي لقاء مباشر بينهما. ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن الصافي قوله إن الاجتماع هو مع كل طرف على حدى، أي أن الأطراف الليبية غير موجودة مع بعضها.. المستشار والمشير مجتمعين مع الروس فقط، الأتراك والروس مع مشري والسراج

ولم تسفر مشاورات موسكو على أي نتائج تذكر حيث غادر قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، العاصمة الروسية موسكو دون التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع حكومة الوفاق. وقال مصدر عسكري مقرب من قيادة الجيش الوطني الليبي، لوكالة سبوتنيك إن حفتر "لن يوقع على الاتفاق ما لم يتم وضع جدول زمني لإنهاء وحل المليشيات"، مشيرا إلى أن "هذه نقطة الخلاف على عدم توقيعه". وكشف المصدر أن "الوفد المرافق للسراج لا يريد زمن لحل المليشيات يريدها نقطة معلقة بالاتفاق". 

وعلاوة على المليشيات شكل التدخل التركي عائقا أمام توقيع الاتفاق الليبي، حيث تحدثت تقارير اعلامية عن أن قائد الجيش الليبي خليفة حفتر رفض أي تدخل أو وساطات أو مشاركة تركية في الإشراف على وقف إطلاق النار في البلاد. وأضافت التقارير أن بند سحب القوات التركية من ليبيا لم يكن موجودا في الهدنة، مشيرة إلى أن حفتر تحفظ على عدم تجميد الاتفاقية بين "الوفاق" وتركيا. وأوضحت أن حفتر اشترط عدم توقيع "الوفاق" على اتفاقيات من دون الرجوع للجيش

وبالرغم مفشلها فقد مثلت المشاورات في موسكو مؤشرا ايجابيا لمؤتمر برلين حول الأزمة الليبية خاصة أنها استطاعت وقف اطلاق النار ما مهد للتحضير للمؤتمر. الذي اعتبره البعض قمة حاسمة، فالهدف كان واضحا وهو البحث عن مخرج اكيد وسريع للأزمة المستعرة في هذا البلد الممزق بالصراعات والانقسامات والتي زادت من حدتها التدخلات الخارجية وتضارب المصالح بين العديد من الدول التي تحركها الأطماع والمنافسة على النفوذ

وشهد مؤتمر برلين حضور مكثفا، فاضافة الى طرفي النزاع الرئيسيين، فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، والقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، ضمت قائمة الحضور أيضا رؤساء الجزائر وتركيا وروسيا وفرنسا ورئيس الوزراء الايطالي والبريطاني، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ممثلا في رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين، ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، ثمّ الولايات المتحدة متمثلة في وزير خارجيتها مايك بومبيو

وغابت عن المؤتمر تونس التي اعتذرت عن الحضور بسبب تأخير وصول الدعوة، فيما استغرب المغرب من "اقصائه" من هذه القمة وقالت الخارجية المغربية في بيان رسمي: "إن المغرب كان دائما في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية"وأشار البيان إلى الدور الحاسم الذي لعبه المغرب في إبرام اتفاق الصخيرات، الذي يشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد، الذي يحظى بدعم مجلس الأمن الدولي وقبول جميع الفرقاء الليبيين، من أجل تسوية الأزمة في هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا

وبالرغم من أنه يبحث الأزمة الليبية فان طرفي القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، لم يكونا جزءا من فعاليات مؤتمر برلين وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، "هناك الكثير من الخلافات بين الطرفين وهما لم يكونا جزءا من المؤتمر لكنهما كانا في برلين لكي يتم إعلامهما بالمحادثات".

وتعددت اللقاءات الثنائية بين رؤساء الدول على هامش المؤتمر والتي توجت بجلسة عامة مسائية سرعان ما تلاها إصدار المشاركون في مؤتمر برلين حول ليبيا بيانا ختاميا دعوا فيه لتعزيز الهدنة في البلاد، ووقف الهجمات على منشآت النفط وتشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى ليبيا

ودعا المشاركون في المحادثات "إلى وقف كل التحركات العسكرية من قبل طرفي النزاع أو في إطار تقديم الدعم المباشر لأي من الطرفين على كل أراضي ليبيا منذ بداية عمل وقف إطلاق النار"، إضافة إلى "اتخاذ إجراءات تسهم في تعزيز الثقة بينهما مثل عمليات لتبادل الأسرى"وتعهد المؤتمرون بـ "الامتناع عن التدخل في النزاع المسلح أو الشؤون الداخلية لليبيا"، وتابعوا: "ندعو كل الأطراف الدولية إلى حذو حذونا"

وتعهد الموقعون على البيان "بالالتزام الصارم والكامل باحترام وتطبيق الحظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا والذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 1970 الصادر عام 2011، والقرارات اللاحقة بشأن منع انتشار السلاح في ليبيا"، ودعوا "كل الأطراف الدولية إلى اتخاذ نفس الإجراءات". كما التزموا بتشديد إجراءات مراقبة تطبيق حظر السلاح وتعزيز آلية الأمم المتحدة الخاصة بضمان تنفيذ هذا القرار

وعبر عدد من القادة والمسؤولين عن ادانتهم للتدخلات الخارجية وخاصة التركي والتي تعمل على تأجيج الصراع في ليبيا. وطالب الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر برلين بـ"الكف" عن إرسال مقاتلين سوريين موالين لتركيا إلى طرابلس دعما للحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدةوقال "يجب أن أقول لكم إن ما يقلقني بشدة هو وصول مقاتلين سوريين وأجانب إلى مدينة طرابلس، يجب أن يتوقف ذلك"وأضاف الرئيس الفرنسي "من يعتقدون أنهم يحققون مكاسب من ذلك لا يدركون المجازفات التي يعرضون أنفسهم ونحن جميعا لها"

وبدوره أعرب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن قلقه حيال وجود قوات أجنبية في ليبيا، خلال اجتماع مع مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركيوقالت مورغان أورتاجوس المتحدثة باسم الخارجية الأميركية بعدما التقى بومبيو مع جاويش أوغلو في برلين على هامش مؤتمر بشأن ليبيا إن "وزير الخارجية عبر عن قلقه من تورط عسكري أجنبي في الصراع"

وفي ذات السياق، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أنه لا تسوية للأزمة في ليبيا في ظل التدخلات العسكرية الخارجيةوقال أبوالغيط، "إن التطورات في ليبيا أضرت بجهد الأمم المتحدة لاستئناف المسار السياسي"، مشيرا إلى أن تلك التطورات أحدثت شرخا كبيرا في النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية الليبيةوشدد أبو الغيط، على ضرورة وقف التدخلات الخارجية كشرط لخفض كل مظاهر التصعيد في ليبيا

وأكد الكثيرون أن مؤتمر برلين الذي غاب عنه أطراف الصراع الليبي لم يكن مهتما بإنهاء معاناة الشعب الليبي بقدر ما كان مهتما بمخاوف الدول الأوروبية من تأزم الأوضاع في ليبيا خاصة بعد التدخل التركي الذي ينذر بإعادة احياء تنظيم "داعش" على مقربة من السواحل الأوروبية التي تخشى أيضا تدفق موجات جديدة من المهاجرين على أراضيها

ويشير هؤلاء الى تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عشية عقد المؤتمر التي خير فيها المجتمع الدولي بين القبول بنفوذ بلاده في ليبيا أو انتظار موجة من العمليات الإرهابية، حين وجه في مقال له في صحيفة بوليتيكو الأوروبية، تهديدا واضحا للأوروبيين، قائلا إنه في حال سقوط حكومة فائز السراج التي يدعمها في طرابلس، فإن القارة العجوز ستواجه مشكلات ضخمة مثل الهجرة والإرهابوأضاف "ستجد منظمات إرهابية على غرار تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، اللذان تعرّضا لهزائم عسكرية في سوريا والعراق، أرضًا خصبة للوقوف مجدداً على قدميهما

واعتاد أردوغان استعمال أسلوب الابتزاز في حديثه مع الأوروبيين، خاصة فيما يتعلق بمسألة اللاجئين حيث يثير أردوغان هذه القضية كلما ضيق عليه الأوروبيون حين ينتقدون سياساتهويدرك الرئيس التركي حجم المخاوف الأوروبية من موجات هجرة جديدة فيما تعيش أوروبا على وقع انقسامات حادة على خلفية هذه القضية

وبدا واضحا جدا فشل مؤتمر برلين في كبح التدخلات التركية التي تواصلت وبوتيرة أكبر حيث شهدت الأيام التي أعقبت المؤتمر تحركات مكثفة في ليبيا، مع تواصل تدفق المرتزقة الى الأراضي الليبية والذين بلغ عددهم 6000 عنصر، ونحو 1500 من تنظيم "جبهة النصرة"، بحسب ما أعلن مؤخرا الناطق باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري

وأضاف المسماري خلال مؤتمر صحفي، أن "حكومة الوفاق أهدت مبلغ مليون دولار لكل قائد فصيل كي يرسل عناصره السورية للقتال في ليبيا"، مبينا أن "عدد الفصائل يبلغ 10 فصائل وجنسياتهم هي، سورية، وعراقية، وليبية". وأردف المتحدث باسم الجيش الليبي أن "كل مرتزق يتقاضى شهريا 2000 دولار"، مشيرا إلى أن "شخصا يدعى عقيد غازي هو من يقود مرتزقة أردوغان في ليبيا

وكشف المسماري عن هوية ما قال إنه الشخص الذي يعتبر الحاكم العسكري التركي في طرابلس، قائلا إنه يدعى "أبو الفرقان". وأكد إن لدى الجيش الليبي معلومات تامة عن شخصية "أبو الفرقان" وهو ضابط تركي يطلق عليه "سليماني تركيا"، لكنه نظرا لدواعٍ عسكرية يتحفظ على اسمه الحقيقي. كما بين المسماري بأن مساعد أبو الفرقان هو العقيد غازي وهو يجيد الكلام بالعربية، غير أنه لا يستطيع الكتابة بها وهو ضابط مخابرات وقائد عمليات المرتزقة في طرابلس

وبالاضافة الى ذلك سرعت أنقرة من عمليات نقل الأسلحة والمدرعات الى ليبيا، ونشر الجيش الليبي تسجيلا مصورا يظهر معدات عسكرية وأسلحة ودبابات كانت على متن سفينة تركية قامت بإنزال حمولتها  في ميناء طرابلس مساء الثلاثاء الماضي. وأكد مسؤولون دوليون صحة التقارير التي تحدثت عن نقل تركيا للأسلحة والمقاتلين الى ليبيا، وقالت ناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول، في حديث لقناة "العربية"، "منذ فترة هناك أعمال واضحة تقوم بها تركيا ولم تحترم من خلالها التزاماتها بوقف إرسال الرجال والسلاح إلى ليبياهناك إمدادات تركية مستمرة نحو هذا البلد، وقد وثّق جنودنا قبل أيام مواصلة الأتراك تسليم معداتٍ إلى جهات في ليبيا، مشيرة الى أن هذا مخالف أولاً للالتزامات التي قُطعت خلال قمة برلين

وانتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تناقض سلوك تركيا المثير للقلق في ليبيا مع ما التزم به الرئيس التركي في مؤتمر برلين. وأكد ماكرون إرسال تركيا لسفن حربية إلى طرابلس واتهم أنقرة بانتهاك سيادة ليبيا وتعريض أمن أوروبا وغرب أفريقيا للخطر. فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن عددا كبيرا من المسلحين في إدلب بسوريا يتوجه إلى ليبيا، في خرق للقرارات الدولية

واعترف رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، في مقابلة أجرتها معه إذاعة "بي بي سي" البريطانية، باستقدام مرتزقة سوريين من تركيا للقتال إلى جانب مليشياته في المعارك بطرابلس. وقال السراج، رداً على سؤال حول وجود مرتزقة سوريين إلى جانب المليشيات الموالية لحكومته: "نحن لا نتردد في التعامل مع أي طرف لمساعدتنا وبأي طريقة كانت". وهو ما اعتبره كثيرون محاولة من السراج لتبرير ارتهانه لأجندات أردوغان والتواطئ مع محاولاته لغزو ليبيا

ومن برلين الى جنيف، تطير الأزمة الليبية بحثا عن حلول تنهي الصراع المستمر في البلاد منذ سنوات. وأعلنت بعثة الأم المتحدة لدى ليبيا، الثلاثاء، أن اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5، عقدت أول اجتماع لها تحت رعاية الأمم المتحدة بمقرها في مدينة جنيف السويسرية. وقالت البعثة في بيان مقتضب إن المحادثات التي يشرف عليها رئيسها غسان سلامة، تمت بحضور خمسة من كبار الضباط ممثلين عن حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج وخمسة من كبار الضباط يمثلون الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفترولم تقدم البعثة في بيانها أي تفاصيل حول أسماء المشاركين أو جدول الأعمال، مكتفية بالقول إنها ستطلع وسائل الإعلام لاحقاً على المزيد من المعلومات

وتهدف اللجنة التي تعد أهم نتائج مؤتمر برلين الدولي، إلى تثبيت وقف إطلاق النار المتواصل في طرابلس للأسبوع الثالث على التوالي بين قوات الجيش الوطني وقوات موالية لحكومة السراج. وفي موازاة المحادثات العسكرية في جنيف، أطلقت الأمم المتحدة محادثات تتناول موضوعات اقتصادية ومالية وعقدت جولتها الأولى في تونس في السادس من يناير/كانون الثاني. وقال غسان سلامة أن جولة ثانية مقررة في التاسع من فبراير/شباط في القاهرة، آملا أن يباشر الطرفان محادثات سياسية "على الأرجح خلال أسبوعين في جنيف"

وتصطدم اجتماعات جنيف بواقع التوتر المتواصل على الأرض والذي تزيد تريا من تأجيجه بمواصلة تدخلاتها التي تهدد باشعال البلاد والمنطقة ككل، ناهيك عن تواصل الخلافات بين الفرقاء التي تهدد باجهاض مساعي جنيف لانهاء الصراع المستمر منذ أشهر، بعدما تمسك البرلمان والمجلس الأعلى للدولة بشروطهما للمضي قدماً باتجاه استكمال "المسار السياسي"، الذي ترعاه الأمم المتحدة في جنيف

ووضع مجلس النواب بشرق البلاد خمسة شروط خلال اجتماعه في مدينة بنغازي، أمس، قال إنه "يجب توافرها قُبيل مشاركته في (لجنة الحوار السياسي)، المقررة بالعاصمة السويسرية". وأوضح المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبدالله بليحق بأن المجلس أقر في جلسة الثلاثاء توجيه خطاب من رئاسة البرلمان إلى المبعوث الأممي في ليبيا بالشروط الواجب توفرها لمشاركة في حوار جنيف القادم

وطالب البرلمان بأن يتم اختيار ممثليه من نوابه، الذين يحضرون جلساته فقط، وتحال قائمة بأسمائهم من رئيسه المستشار عقيلة صالح إلى البعثة. كما أكد مجلس النواب أيضاً ضرورة "عدم مساواة عدد الممثلين لمجلس النواب بعدد ممثلي المجلس الأعلى للدولة"وسبق للبعثة الأممية أن اقترحت أن تضم اللجنة، التي ستكلف بحث المسار السياسي، 40 شخصية ليبية، مشكلة من 13 نائباً عن مجلس النواب، ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة، التابع لحكومة الوفاق في طرابلس، بالإضافة إلى 14 شخصية مستقلة، تمثل كل المدن الليبية، تختارهم البعثة وفقاً لمخرجات برلين. واختتم مجلس النواب شروطه الخمسة بأنه "لا يجب أن يتم إقرار، واعتماد أي حكومة إلا بعد المصادقة عليها منه"

وفي المقابل، قال رئيس المجلس الدولة، خالد المشري إنه "اجتمع رفقة رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، بالوفد الممثل لحكومة الوفاق في اجتماع اللجان العسكرية بجنيف"، مؤكداً أنهما "شددا للوفد على الخطوط العريضة التي لا تنازل عنها، ممثلة بوقف إطلاق النار وآلية تنفيذه وعودة قوات الجيش الوطني الليبي إلى مواقعه قبل الرابع من أبريل (نيسان)، وتحديد خطوط التماس، والأهم من ذلك توحيد المؤسسة العسكرية، طبقاً للآليات التي يراها الليبيون وليس أي اشتراطات أخرى" وفق تعبيره

ونشر  مجلس الدولة الإستشاري الذي يعتبر من مخرجات إتفاق الصخيرات، قائمة ممثليه الذين سيشاركون في المسار السياسي للحوار في مدينة جنيف السويسرية، وهم في أغلبهم من جماعة الإخوان المعزولة سياسيا وهو ما اعتبره كثيرون محاولة لإعادة تدوير جماعة الإخوان وفرضها على أي مشروع مستقبلي للحل السياسي في مقابل الاستمرار في تغييب أطراف ليبية مؤثرة في تحديد معالم مستقبل البلاد، خاصة في القبائل ذات التأثير المهم

ورفضت القوى الوطنية الليبية مساواة البرلمان الليبي المنتخب والممثل الشرعي الوحيد لليبيين بمجلس الدولة المعروف أن كل أعضائه ينتمون إلى تنظيم الإخوانوقالت تلك القوى التي تشمل عددا من منظمات المجتمع المدني والأحزاب الوطنية والجمعيات الحقوقية، وكتابا وباحثين وأكاديميين، في بيان لها إن هناك إصرارا على فرض هذه الجماعة الداعمة للإرهاب في هرم السلطة وإعطائها حجما أكبر من حجمها ومساواتها بسلطة تشريعية منتخبة، وهو الأمر المرفوض شكلا وموضوعا

كما أشارت إلى أن ذلك يشكل تناقضا واضحا مع قرار مجلس النواب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، خاصة أن بعض أعضائها مطلوبون للعدالة من النائب العام الليبي بسبب ارتكابهم نشاطات إرهابية وارتهانهم بالمحتل التركي الذي يغزو البلاد ويغرقها في الفوضى. وأشار البيان إلى أن القوى الوطنية الليبية لا ترفض الحوار، بل ترفض قواعده الجائرة، والتي تصر على فرض جماعة الإخوان على المشهد السياسي، وهي لا تحظى بقاعدة شعبية ذات ثقل كما أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية النزيهة التي جرت بإشراف دولي عام 2012، بل تعتمد على قادة الميليشيات، وهي طرف مغتصب للسلطة، وتعتبر السبب الأساسي في تأزيم الحالة الليبية

ويبدي مراقبون للشأن الليبي، تشاؤماً بالحوار السياسي بين الأطراف في جنيف، مشيرين إلى أنّ مشكلة البلاد تتمثّل في القضية الأمنية بسبب انتشار السلاح والميليشيات. وأكد مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي خالد المحجوب لـ"اندبندنت عربية"، "أن الجيش ذهب للمشاركة بحوار المسار الأمني في جنيف، لأن ما يطلبه مطروح على طاولة النقاش" مضيفاً "أن الشروط الأساسية لنا في الحوار متوفرة وهي ملف الترتيبات الأمنية وحل المليشيات المسلحة وتسليم الأسلحة والذخائر إلى الجيش الليبي، ولذلك نحن هناك"

من جانبه، قال عادل كرموس عضو المجلس الأعلى للدولة، "إن المجلس الرئاسي ومجلس الدولة أكدا عدم خوض أي من الاجتماعات السياسية، قبل الانتهاء من الاجتماعات العسكرية والتفاهم الأمني مع القوات المسلحة الليبية". ونقلت قناة "تي أر تي" التركية عن كرموس قوله، أن هناك ثابت آخر، وهو عودة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر إلى ما قبل عملية تحرير العاصمة من المليشيات أي قبل 4 أبريل الماضي

وتشير هذه التصريحات بين الطرفين الى أن حوار اللجان العسكرية الليبية بالمسار الأمني يمثل "العقدة الأساسية" التي لو حلت لتبعتها بقية العقد في المسارات الأخرى، حيث يرتبط نجاحها وفشلها بالمضي قدماً أو التعثر نهائياً في المساعي إلى الحلحلة السلمية للأزمة، عبر المسارين الآخرين الأمني والاقتصادي

وفي هذا السياق، اعتبر الصحافي الليبي محمد العنيزي، أن أسس نجاح المسار التفاوضي غير موجودة قبل بدء اجتماعات اللجان العسكرية في جنيف، موضحاً لـ"اندبندنت عربية"  أن "نجاح أي مسار تفاوضي قائم على استعداد أطرافه لتقديم التنازلات في جلسات التفاوض، وتصريحات الطرفين قبل أن تبدأ حوارات جنيف تعبر بوضوح عن مواقف متصلبة، من الصعب اختراقها لخلق تفاهمات وإحداث ثقب في الجدار الكبير الفاصل بين الطرفين، قراءتي البسيطة أنه لا تنازلات يعني لا تفاهمات ولا جديد يذكر"

وأضاف العنيزي لـ"اندبندنت عربية"، " كل طرف ذهب إلى جنيف ليقول للعالم إنه مستعد للتفاوض وغير معرقل للمسار السلمي ليس أكثر، من دون رغبة ولا قناعة في أن هذا المسار السلمي هو الحل الحقيقي، مواقف كل طرف قبل جنيف تكشف بوضوح رؤيته لخصمه بأنه ليس أهلاً للتفاوض ولا يمكن الوثوق به، لذلك جاء كل طرف بشروط، هو يعرف أن مفاوضه لن يقبل بها، وبالتالي يرفع اللوم عن نفسه أمام المجتمع الدولي ويلقيه على الطرف الآخر"

وتشكل المليشيات المسلحة عائقا أمام تحقيق اي تسوية في البلاد خاصة في ظل عجز حكومة الوفاق عن كبح جماحها وهو ما أكدته الدعوات المتتالية للتحشيد وخرق الهدنة حيث المكتب الإعلامي لـ"عملية بركان الغضب" التابعة لقوات الوفاق، إن"قوة المنطقة العسكرية الوسطى" التابعة لمدينة مصراتة، تتجه إلى تعزيز محاور القتال في منطقة أبوقرين والوشكة بوحدات عسكرية إضافية، في الوقت التي تدور  مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار في العاصمة السويسرية برعاية دولية

وبدوره أكد قائد "لواء الصمود" المطلوب دولياً "صلاح بادي" أن "مواصلة العمليات العسكرية في منطقة أبو قرين ضد القوات المسلحة الليبية، وحشده قوات من مصراتة للاتجاه نحو الشرق والغرب الليبي"، بحسب قوله. وقال بادي في مقطع نشرته الصفحة الرسمية للقوة: "هذه الهدنة وضع لا يرضاه أحد وسوف نتجه شرقاً وغرباً، وسيلتف حولنا من وصفهم بـ"الأحرار الثوار"، وسنسطر الملاحم كما سطرتها مدينة مصراتة في عام 2011"

وعلاوة على ذلك تتزايد التهديدات جراء انتشار المرتزقة الموالين لتركيا في طرابلس وهو ما يمثل خطرا اضافيا يتهدد البلاد والمنطقة وككل. ويرى كثيرون أن مصير اجتماعات جنيف قد يكون مشابها للاجتماعات والمؤتمرات السابقة التي فشلت في حل الأزمة المستعصية في ليبيا. ويشير هؤلاء الى أن الإسراع بسحب السلاح من الميليشيات، ودخول الجيش الوطني سلمياً إلى طرابلس ومساعدة الأجهزة الأمنية في إعادة فرض الأمن في العاصمة وبقية المدن الليبية يمثل المجال الوحيد لانجاح الاستحقاقات السياسية في البلاد واعادة بناء مؤسسات الدولة.