قدم الكاتب الصحفي مصطفى مصطفى الفيتوري قراءة في نتائج مؤتمر برلين بشأن ليبيا مؤكدا أنه مختلف عن غيره من المؤتمرات.

وقال الفيتوري في تدوينة له بموقع "فيسبوك" "من برلين إلى نيويورك - الشياطين والملائكة والنتائج والمطبات)" "لم يكن مؤتمر برلين يسعى لإيجاد حل للكارثة الليبية ولهذا خاب ظن من عولوا عليه في هذا الجانب ولكنه كان مؤتمرا دوليا للمساعدة في بداية الحل" مضيفا "الحل الحقيقي بأيدي الليبيين إن هم استفاقوا وأرادوا إنقاذ بلدهم أو ما تبقى منها"

واستعرض الفيتوري بعض الملاحظات حول المؤتمر وتوصياته الـ55 التي أنتهى اليها قائلا "لماذا مؤتمر برلين مختلف: أنعقد حتى الآن أكثر من 3 مؤتمرات منذ العام 2014 ذات صبغة دولية حول ليبيا وكلها كانت تكرار لبعضها بشكل ما: يلتقي بعض رؤساء الدول الكبرى وبعض الأطراف الليبية ويتفقون على كلام مكرر عن أنهاء الحرب والحل السياسي وينفض الاجتماع ويبقى كل شئ كما كان قبل اللقاء بل ويتخلى الجميع عن أي التزام أثنان من تلك المؤتمرات كانت في باريس وحدها أيام مناكفتها لإيطاليا أما هذه المرة فقد أستفاد غسان سلامة من التجارب السابقة فعمل بصمت وبعيدا عن الأضواء (منذ اغسطس 2019) لكي يحدد أحد مهام مؤتمر برلين تحديدا دقيقا وهي/ منع تدفق السلاح والمقاتلين إلى ليبيا على أن يتم ذلك بقرار أممي جامع قابل للتنفيذ وقابل للتحقق منه فجمع الدول الخمسة صاحبة حق النقض في برلين وطلب منها الموافقة على ذلك وهذا ما حدث حيث تم الاتفاق على إنشاء لجنة فنية من الحاضرين في برلين للتحقق من تنفيذ الحظر (وفق قراري مجلس الأمن 1970 و1973 وما تلاهما) وبادر الأوربيون لتقديم حسن النية فقرر وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في اجتماعهم الأسبوع الماضي تطوير عملية صوفيا ــ بعد أحياءها ــ بحيث تتحول من عملية إنقاذ للمهاجرين إلى عملية مراقبة نقل السلاح والعتاد والمرتزقة الي ليبيا وكانت عملية صوفيا قد توقفت لأسباب أوروبية أولا منذ عام تقريبا".

وأضاف الفيتوري "مجلس الأمن: من المقرر أن يجتمع بخصوص ليبيا يوم الثلاثاء القادم ليدرس تحويل توصيات برلين إلى قرار ملزم (أو هذا ما يريده غسان سلامه على الأقل) ولأن الخمسة الكبار قد تعهدوا بهذا في برلين قبل أقل من أسبوعين في برلين فمن غير المتوقع أن ينفرط عقد أجماعهم في نيويورك! ولكن اختلافهم ــ بما يعطل مجلس الأمن ــ وارد لأن التفاصيل دائما مفسدة للأجماع وبها الكثير من الشياطين".

وتحدث الفيتوري عما وصفها شياطين نيويورك التي تمثلت في "شيطان الصدفة: نقل المرتزقة السوريين إلى طرابلس مثل صدفة نادرة الحدوث في تاريخ الحروب وشاءت الأقدار أن تحدث في ليبيا التي منها يأتي كل جديد! فأخراج هؤلاء من سوريا مما يضعف قوتهم مصلحة روسية (روسيا تريد أن يستعيد الجيش السوري أدلب وهؤلاء عقبة) ونقلهم الي ليبيا مصلحة تركية (الأفضل أن يموتوا هم في ليبيا لا جنود أتراك أصليين) مع أن تركيا وروسيا مختلفتان في ليبيا وكلا منهما يدعم طرفا يقاتل الآخر ألا أن شيطان الصدف جمع مصلحتيهما وربما دون حسابات ولهذا وجدت أنقرا وموسكو سهولة في إعلان وقف إطلاق النار يوم 12 يناير إلى أن يجدا حلا لهذا التناقض الذي قد يهدد توافقهما النسبي في سوريا" مضيفا "برلين وفرت لهما فرصة لحل المعضلة ولو برميها أمام باب العالم ليرى ما هو فاعلا وجود هؤلاء (المرتزقة) في ليبيا يعني وجودهم على أبواب أوروبا وهذا جعل الأوربيين يرتعدون من فكرة وصولهم اليهم".

وتابع الفيتوري أن الشيطان الآخر "الذي قد يهدد وحدة مجلس الأمن هو الولايات المتحدة فهذه عادت تسكنها الهواجس من الدور الروسي في ليبيا ولهذا زادت حساسيتها ضد أي عمل روسي هناك ولن أستغرب أن استخدمت واشنطن الفيتو في نيويورك ضد ما وافقت عليه في برلين حتى وأن ظهر ذلك دعما لجانب ضد آخر في الحرب، وادارة ترمب ليس غريبا عليها التخلي عن تعهدات والتزامات الولايات المتحدة وشواهدها كثيرة من الاتفاق النووي الأيراني إلى أتفاق باريس حول المناخ إلى اتفاقية نافتا مع كندا والمكسيك إلى قانون أوباما للتامين الصحي (وان كان شأنا داخليا)". 

وأشار إلى أن "ثالث الشياطين هو الشيطان الطرابلسي. في لقاءه مع قناة الجزيرة ...فتحي باشاغا قال شئ مربك ومثير للاهتمام حين وصف اللجنة العسكرية (5+5) التي اقترحت في برلين بين الوفاق والجيش ــ لترتيب وقف اطلاق النار رسمياــ حيث قال/ أن تلك اللجنة مهمتها فقط "ترتيب فك الاشتباك" وهذا يعني أن ممثلي الوفاق (سيكونون من العسكريين المحترفين إذ لن يقبل زعماء المليشيات ولن يٌقبلوا كمفاوضين في الأمر) لن يكون في مقدورهم ما هو أكثر لأن القرار العسكري ليس بيد المحترفين هناك وإنما بيد من يقودون القتال وهؤلاء ليسوا عسكريين محترفين ولهم حساباتهم وبعضها يتناقض تماما ما قد تريده الأصوات العسكرية والسياسية العاقلة أن وجدت! ولهذا قد تنهار الهدنة نهائيا قبل أن ينعقد مجلس الأمن الأسبوع القادم وإن كان هذا ليس في مصلحة أحد".

وزاد الفيتوري أن الشيطان الرابع "والأخير فهو شيطان النفط الذي تم وقف تصديره وإنتاجه طبعا ليس من مصلحة الجيش أن ينعقد مجلس الأمن وتهمة أيقاف النفط ملتصقة به ولكنه قد يستخدمها مؤيدوه في نيويورك لتحقيق مكاسب نيابة عنه بأن يطلبوا مقابلا لفتح صمامات النفط ثانية ويظل القرار عبثيا وأتوقع التراجع عنه وربما قبل انعقاد مجلس الأمن كما حدث في مرة سابقة طبعا لابد من القول أن تواجد المرتزقة على جانبي الجبهة أمرا مرفوضا ومدانا ومقيتا ولن يساعد على الحل".

وتابع "أوصى المجتمعون في برلين بعدد 55 توصية تشمل كافة جوانب الأزمة وتقرر نقل هذه التوصيات إلى مجلس الأمن المقرر انعقاده يوم 29 يناير 2020 لتبنيها في صيغة محددة: إما قرار ملزم تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو بيان جماعي للأعضاء الخمسة عشر وليس بيان رئاسي كما جرت العادة غالبا إن تجاوز المجلس تلك الشياطين وألجمها في مخادعها فقد نكون أمام أول محاولة دولية جادة لتركيز حل الأزمة في يد غسان سلامه والليبيين طبعا".

وختم الفيتوري "في سوق المبعوثين الدوليين للأمم المتحدة تعتبر ليبيا محظوظة أن كان سلامه من نصيبها في وقت يتولى غوتيرس الامانة العامة فالرجلين يكنان تقديرا خاصا لليبيا وخاصة غوتيرس الذي أرتبط بعلاقات خاصة مع الراحل القذافي ويتألم لما حدث ويحدث في ليبيا ولا يفوتني أن سلامه قد أطال البقاء كمبعوث لأن غوتيرس يعرف أن لا بديل له حاليا وأي بديل آخر سيوقف أي تقدم ويؤجل أي حل وفي النهاية الحل ليبي وليس أجنبي وإذا لم يتفق الليبيون على حل المشكلة بينهم فلن يحلها سلامه وإن مكث يبشر بينهم ألف عام وأهم خطوة مساعدة على الحل هي أن يقطع الليبيون أي تدخل أجنبي فيما بينهم وهذا يتم فقط متى رفضوا أي عرض مهما كان بريئا يأتيهم من الخارج ويقفوا بنية حسنة وراء مبادرات سلامه متى عاينوا صوابها من اعطابها".