استيقظ الليبيون، الخميس الماضي على مأساة إنسانية جديدة تمثلت في انقلاب زورق مطاطي في البحر المتوسط شمال شرقي طرابلس، وفقدان قرابة 130 مهاجراً غير نظامي من الحالمين بالفردوس الأوربي، ليصبحوا جميعاً في عداد المفقودين، بحسب المنظمة الدولية للهجرة ومصادر بالبحرية الليبية.

"تم رصد ثلاث جثث في الماء بواسطة السفينة التجارية MY ROSE ، بينما رصدت طائرة فرونتكس حطام قارب مطاطي بعد فترة وجيزة، ومنذ وصولنا إلى مكان الحادث، لم نعثر على أي ناج على الرغم من تمكننا من رؤية ما لا يقل عن عشر جثث بالقرب من الحطام "، هكذا تحدثت منظمة (إس.أو.إس مديتيرانيه) SOS Méditerranée عن مأساة الغرق الجديدة.

حيث تشير المنظمة غير الحكومية ، نقلا عن منسقة البحث والإنقاذ على متن فايكنغ أوشن ، لويزا ألبرا ، إلى أن طاقم زورق الإنقاذ "شهد العواقب الوخيمة لغرق القارب المطاطي شمال شرقي   طرابلس. تم الإبلاغ عن هذا القارب في محنة وعلى متنه حوالي 130 شخصًا صباح الأربعاء ". 

وتضيف لويزا ألبرا أنه "في الساعات الـ 48 الماضية ، نبهنا الخط الساخن عبر هاتف الإنذار المدني إلى وجود ثلاثة قوارب في محنة في المياه الدولية قبالة ليبيا، كانوا جميعًا على بعد عشر ساعات على الأقل من موقعنا عند تلقي التنبيهات. بحثنا عن اثنين من هذه القوارب ، واحدًا تلو الآخر ، في سباق مع الزمن وسط أمواج يصل ارتفاعها إلى 6 أمتار ".

وترى لويزا أن "هذه المأساة تأتي بعد يوم واحد فقط من الأخبار الرهيبة التي نقلتها المنظمة الدولية للهجرة عن وفاة امرأة وطفل على متن قارب مطاطي مكتظ اعترضه خفر السواحل الليبي في المياه الدولية". ولقي المئات من المهاجرين مصرعهم في عرض المتوسط منذ بداية 2021، في وقت تواصل المنظمات الإنسانية توجيه الاتهام للدول الأوروبية والسلطات الليبية في التقصير بمحاولة إنقاذ المهاجرين.


بداية الرحلة 

تنطلق قواقل المهاجرين من الدول المصدّرة نحو دول العبور في رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر تعدّ في حد ذاته مأساة تضاهي مأساة الغرق، وتعتبر السواحل الليبية القبلة الأكثر استقطابا للمهاجرين غير الشرعين في شمال إفريقيا. حيث كشفت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس"، في تقرير أولي لها، عن تضاعف عدد المهاجرين غير النظاميين من ليبيا ، ثلاث مرات تقريبا ليصل إلى أكثر من 35,600 شخص ، مما يجعلها أكثر طرق الهجرة نشاطا إلى أوروبا في 2020.  كما ارتفع عدد عمليات المهاجرين من الساحل الليبي بنسبة 300 بالمئة تقريبا في 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، حسب الوكالة.

تنقسم مناطق المهاجرين إلى ليبيا إلى ثلاث مناطق رئيسة أهما منطقة القرن الإفريقي (إثيوبيا وإريتريا والصومال والسودان)، ومنطقة الساحل الإفريقي (النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا والكاميرون)  إضافة إلى منطقة الشرق الأوسط (سوريا وفلسطين ومصر والعراق واليمن) و أخيرا المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس) بنسب ضعيفة نظرا لاعتبار دول المغرب العربي نقاط عبور هي الأخرى على غرار ليبيا. 

وعلى غرار المهاجرين غير الشرعيين الذين يتسللون إلى التراب الليبي عبر منافذ العبور فإن بعض المهاجرين  القادمين من منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط يدخلون بشكل فردي عبر منافذ الدخول الشرعية باستثناء السوريين الممنوعين من دخول ليبيا، كمايتسلل بعضهم أيضا عبر طرق التهريب الغربية والجنوبية لليبيا.

يتعرض المهاجرون من مختلف أنحاء أفريقيا في رحلتهم نحو نقاط العبور بالسواحل الليبية باتجاه أوروبا إلى شتى أنواع الإنتهاكات على أيدي المهربين والمتاجرين بالبشر والميليشيات المسلحة، بل والموظفين الرسميين. وقد أدانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومركز أبحاث الهجرة التابع للمجلس الدنماركي للجوء هذه الإنتهاكات حيث أوضح تقرير مشترك للهيئتين، أن ما يزيد عن 1750 من المهاجرين واللاجئين فقدوا حياتهم أثناء الهجرة بين عامي 2018 و 2019، كما تعرض عدد كبير منهم لمختلف أنواع الانتهاكات والعنف والإغتصاب والقتل، حسب المنظمة.

أثار تقرير موقع"مهاجر نيوز" الذي نشره في فبراير الماضي، والشهادات الحية التيتناولها عن معاناة المهاجرين وآليات الهجرة ومسارها وتفاصيل كثيرة عن هذه المأساة، تفاعلا كبيرا وأماط اللثام عن حقائق مفزعة. تقرير صدر في 3 أجزاء بدأ في جزئه بمعاناة المهاجرين ليكشف في جزئه الثاني تفاصيل حول عمل شبكات التهريب. يقول التقرير الحصري للموقع أن" عمليات الشبكات تتسم بكم هائل من التنظيم والهيكلية المركبة، والتي اكتسبتها على مدى وقت طويل من العمل في مجال التهريب… "

يروي الموقع تفاصيل غريبة عن هذه العملية المعقدة فيقول" على رأس كل شبكة هناك "الحاج"، وهو زعيم الشبكة. وغالبا ما يكون من الأشخاص المعروفين أو ممن يحتلون مركزا اجتماعيا معينا على رأس كل 

لكل "حاج" هناك موظف يلقب بـ"الكبران"، مهمته الأساسية الاعتناء بالمهاجرين المتواجدين في المستودعات، وهو من يتولى مهمة التواصل مع "الحاج" في أمور الرحلات واحتياجات المهاجرين وغيرها." تنتشر الشبكات بكثرة حسب الموقع  وكل منها يعرض خدمات متنوعة والكثير منها في الأخير أيضا يستغل المهاجرين ويتحيل عليهم بعد دفعهم أموالا طائلة، حسب الموقع. 

وفي تصريح أحد المهاجرين  لموقع مهاجر نيوز يقول أن " الكثير من تلك الشبكات في الزاوية مثلا "تنصب" على المهاجرين، وتتقاضى منهم أموالا ومن ثم إما لا تسيّر قوارب أو تسلمهم لخفر السواحل، أو أسوأ من ذلك تبيعهم لشبكات أخرى". كما يؤكد التقرير أن " دور تلك الشبكات لا يقتصر على الأراضي الليبية فقط، فالكبرى منها بات لها علاقات متينة مع شبكات أخرى عبر الحدود، كالمغرب والجزائر وتونس والسودان، وتصل إلى بنغلادش وإندونيسيا كما إلى مالطا وإيطاليا وفرنسا."

تتواصل الرحلة بواسطة شاحنات متهالكة إلى المدن الساحلية عبر طرق ترابية غير ممهدة إما عبر مهربي الشبكة في حد ذاته أو عبر المليشيات المسلحة أو جماعات خاصة التي تؤمن نقل المهاجرين نحو نقاط العبور الرئيسية،حسب ما تداولته تقارير ومواقع عدة، ويتم  نقلهم من مستودع إلى آخر ومن مهرب إلى آخر في "رحلة موت" شاقة. " في كل نقطة استراحة، يتم إيداع المهاجرين في مستودعات علنية، غير مخبأة، محروسة من أشخاص مسلحين مكشوفي الوجوه، تدخل إلى المستودع فتجد حرفيا أفريقيا كلها هناك. مهاجرون من مختلف الدول والجنسيات الأفريقية". وحسب ما نددت به تقارير محلية ودولية فإن المهاجرين عبر هذه الشبكات والمسالك يتعرضون لكل أنواع التعذيب من الضرب والإستغلال والتعذيب والإستغلال وحتى القتل. ومن ينجو من رحلة الموت هذه يواصل الرحلة نحو السواحل الليبية.

يقول إبراهيم سونتارا المهاجر الإيفواري عبر ليبيا إلى أوروبا خلال استضافته في برنامج تلفزي للحديث عن تجريبته من خلال كتابه"الحلم المكسور..رحلة مهاجر"، الذي تحدث فيه عن رحلة استمرت عام ونصف عبر ليبيا، "عبرت الصحراء في رحلة جحيم، الله وحده يعلم عدد الموتى وعدد الهياكل العظمية والجماجم البشرية التي واجهناها، وهذا لا أحد يتحدث عنه، لكن ما يحدث في البحر الأبيض المتوسط يحدث أيضًا في الصحراء، لكن لا أحد يتحدث عنه ..عندما نكون في ليبيا ، نحن نسعى فقط إلى الفرار من الموت".و يؤكد إبراهيم أنه عانى أقسى أنواع العذاب والعمل القسري كما رأى النساءالمهاجرات يتعرضن للاغتصاب دون أن يكون قادرة على التدخل .

نصل هنا إلى المرحلة الثالثة، حيث يتجمع المهاجرون في أماكن تجميع على الساحل الليبي في مزارع واستراحات في مدن الخمس والقربوللي وطرابلس وصبراته وزوارة وبنغازي وسرت حتى يكتمل العدد لبدء رحلة قوارب الموت.

على السواحل الليبية..إما سجينا أو جثة !

سجلت المنظمة الدولية للهجرة، حسب التقرير الذي نشرته على موقعها الإلكتروني، ارتفاعا هائلا في أعداد المهاجرين الذين تم اعتراضهم وإعادتهم إلى ليبيا منذ مطلع 2021، حيث بلغ نحو 4 آلاف مهاجر، مقارنة بنحو ألف خلال الفترة نفسها من العام 2020. وخلال العام الجاري، سجل شهر فبراير النسب الأعلى من تلك الأرقام، حيث تمت إعادة 3,483 مهاجرا، مقابل 496 خلال شهر ينايروسجلت المنظمة إعادة 3,483 مهاجرا خلال تلك الفترة، مقارنة بـ 496 فقط خلال شهر يناير.

وفقًا لأرقام المنظمة الدولية للهجرة  ،فقد تم اعتراض ما يقرب من 1100 مهاجر قبالة الساحل الليبي من قبل خفر السواحل  خلال الأسبوع الأخير لشهر مارس ليتم إعادتهم إلى معسكرات الاعتقال في طرابلس حيث الأوضاع "بائسة". 

من جانبها أنقذت السفينة "أوشن فايكينغ" خلال مهمتها الأولى بين يناير وفبراير من العام الحالي نحو 800 شخص. وتنشط حاليا سفينتا إنقاذ في المتوسط، وأعلنت منظمة "أوبن آرمز" الإسبانية غير الحكومية أنها في طريقها إلى "الحدود الأكثر فتكا في العالم" حيث ينطلق أغلب طالبي اللجوء القادمين من إفريقيا من سواحل تونس وليبيا باتجاه سواحل إيطاليا.

ومنذ مطلع العام الحالي لقي أكثر من 453 مهاجراً مصرعهم في البحر المتوسط، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، وقد كان معظمهم يحاول الوصول إلى أوروبا انطلاقاً من السواحل الليبية والتونسية ،وفي 2020، لقي أكثر من 1200 مهاجر مصرعهم في البحر المتوسط، غالبيتهم على هذا المسار. وتعد صبراتة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، غرب طرابلس بنحو 70 كيلومتراً، من أهم نقاط انطلاق المهاجرين غير النظاميين إلى دول أوروبا، بجانب مدن أخرى مثل الزاوية وزوارة والقرة بوللي، شرق العاصمة وغرب، حيث تنشط بها شبكات تهريب المهاجرين.

وقد ندّد المجلس الأوروبي في شهر مارس "غياب رغبة الدول الأوروبية" في وضع سياسات تحمي المهاجرين عبر المتوسط، ما أدى إلى خسارة "آلاف الأرواح". وحسب إحصاءات المنظمة الأممية، فقد تم اعتراض وإنزال نحو 12 ألف مهاجر في ليبيا في 2020، معظمهم من مالي والسودان وغينيا وساحل العاج.

من جانبها أكدت وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، أن ملف الهجرة غير الشرعية "ملف إقليمي ودولي لا يمكن لليبيا إدارته بمفردها بسبب نقص الموارد" مطالبة بإيجاد حلول جذرية وعملية لقضية متجذرة بعمق في أفريقيا. ودعت المجتمع الدولي إلى أن "يكون عمليا واستباقيا في إيجاد استراتيجية تتماشى مع المرحلة الراهنة"مشيرة إلى أن ليبيا "بلد عبور، وتعاني آثار الهجرة للمحدودية الكبيرة للموارد، وبسبب الحدود المفتوحة" 

وفي تعليق على انتهاكات حقوق الإنسان وما يتعرض له المهاجرون الشرعيون قالت نجلاء المنقوش "أنا شخصيًّا ضد أي انتهاك لحقوق الإنسان، لكن لا يمكننا أن نتوقع إدارة إنسانية جيدة إذا لم تكن هناك بنية تحتية مادية وثقافية قادرة على إدارتها".


إحصائيات:وفقًا لآخر تقرير للمنظمة الدولية للهجرة في ليبيا بين 03/30/2021 - 04/12/2021:

- تم إنزال 5904 مهاجرين في ليبيا حتى الآن في عام 2021. وتم انتشال 33 جثة وفقد 95 شخصًا. في أسبوع واحد ، بين 28 مارس / آذار و 3 أبريل / نيسان 2021 ، تم اعتراض 1663 مهاجرا في البحر وإعادتهم إلى ليبيا.

- 8 أبريل 2021 ، قُتل شخص وأصيب اثنان آخران ، 17 و 18 عامًا ، إثر إطلاق نار في مركز احتجاز في طرابلس حيث يحتجز مهاجرون ولاجئون.

- أطلقت السلطات الليبية سراح عبد الرحمن الميلاد الملقب بباجا ، أحد قادة مليشيات ما يسمى بخفر السواحل الليبي ، الذي اعتقل في أكتوبر / تشرين الأول 2020 بتهمة ارتكاب جرائم ضد المهاجرين ، رغم أنه لا يزال قيد الاعتقال. أن يكون موضوع تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم ضد الإنسانية.

-  14 منظمة ، بما في ذلك الأورو-متوسطية للحقوق ، تصدر بيانا تنديد في الذكرى العاشرة لحادث "تركت للموت".،في 10 أبريل 2011 ، لقي 63 شخصًا مصرعهم بعد قضاء أيام في محنة في البحر بين ليبيا وجزيرة لامبيدوزا الإيطالية ، على الرغم من وجود 38 سفينة عسكرية في المنطقة. وعلى الرغم من شهادات الناجين التسعة ، والعديد من التحقيقات والشكاوى في المحاكم الوطنية ، لم يتم حتى الآن التعرف على الجريمة ولم تتم مقاضاة المسؤولين عنها.

- لاجئون سودانيون في ليبيا يتظاهرون أمام مكتب المفوضية للتنديد بالعنف ضدهم.

- في 30 مارس 2021 ، ترك 85 شخصًا في محنة في البحر: تم تأكيد 5 حالات وفاة على الأقل.

- صياد ليبي يشهد على إعادة خفر السواحل الليبي للمهاجرين بشكل غير قانوني.