أصبحت طرق وأرقام الهجرة غير الشرعية نحو دول الاتحاد الأوروبي عبر المغرب العربي ، في مقدمة ملف الهجرة السرية " الثقيل"، حيث تزايدت أعداد المهاجرين الحالمين "بالفردوس الأوروبي" في الآونة الأخيرة رغم الوضع الوبائي"الخطير" الذي تسبب في إغلاق عالمي فاقم تردي الأوضاع بالدول الطاردة للمهاجرين ومتسببا في كابوس للدول المستقبلة. ملف جديد قديم لا تنفك تطوراته الخطيرة تعود بسرعة إلى سطح الأحداث المتداولة على نطاق واسع خاصة مع اعتبار الهجرة غير الشرعية ملفا شائكا وجريمة ذات حدين، كلا الحدّين فيها حادّ للمهاجرين الفارين من المجهول إلى المجهول.
اختراق كبير للحدود الأوروبية من وعبر حدود المغرب العربي، حيث ارتفع عدد المغادرين من شواطيء المغرب العربي بشكل ملحوظ منذ بداية العام 2020. وتعد الدول الأوروبية الوجهة الأولى للمهاجرين من شمال افريقيا، فرغم ما بذله الإتحاد الأوروبي من محاولات لصد كل محاولات الهجرة غير القانونية إضافة إلى المعاهدات والإتفاقيات مع الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، إلا أن ذلك لم يفلح أبدا في الحد من تدفق الحالمين بـ"الفردوس الأوروبي".
ترتبط ظاهرة الهجرة غير الشرعية من البلدان الأصلية بعوامل عديدة بدءا بالاقتصادية مع زيادة الفقر وتنامي البطالة وانعدام سبل العيش الكريم في ترد غير مسبوق للأوضاع الاجتماعية في دول عدة منها بلدان شمال إفريقيا حسب مركز أبحاث الهجرة التابع للمجلس الد نماركي، كذلك تعتبر العوامل السياسية من أبرز أسباب تفشي الظاهرة حيث تعيش العديد من البلدان اضطرابات وعدم استقرار سياسي إضافة إلى الصراعات والحروب.
وتلعب العوامل التنظيمية أيضا دورا هاما في ارتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين، نظام تأشيرة التعميم وإنشاء شنغن حسب دول الاتحاد الأوروبي ، مما أدى إلى زيادة عدد المهاجرين من جنوب الصحراء إلى أوروبا ، ونتيجة لذلك ، زيادة تحركاتهم عبر الصحراء.ومع أن هذه الرحلات لطالما كانت موجودة في هذه المنطقة ، إلا أنها لم تكن تعني سوى مواطني عدد قليل من البلدان على غرار مالي والنيجر وتشاد الذين ينتقلون للعمل الموسمي ،أو نادرا للاستقرار، في ليبيا وجنوب الجزائر. لكنها الآن باتت أكثر نشاطا للمرور نحو نقاط العبور بسواحل شمال إفريقيا.
أفادت وكالة مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي "فرونتكس" أن أعداد اللاجئين الذين يحاولون العبور إلى أوروبا تتزايد بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، بخلاف ما كان عليه الحال في بدايات أزمة كورونا.
 
وكشفت "فرونتكس"، في تقرير أولي لها، عن تضاعف عدد المهاجرين غير النظاميين من ليبيا وتونس، ثلاث مرات تقريبا ليصل إلى أكثر من 35,600 شخص ، مما يجعلها أكثر طرق الهجرة نشاطا إلى أوروبا في 2020.
كما عبر 3700 لاجئ آخرين منطقة غرب البحر المتوسط، من المغرب إلى إسبانيا في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، وهو أقل من نصف العدد المسجل في نفس الفترة من 2019. فيما كانت الأرقام على الطرق الأخرى خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020 أعلى من عام 2019.وعلى الطريق عبر المتوسط من ليبيا وتونس إلى إيطاليا ومالطا سجلت فرونتكس 5500 حالة، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف العدد في نفس الفترة في عام 2019.
ووفقا للتقرير ظل السوريون أكثر الجنسيات التي تم الإبلاغ عن عبورها الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بطرق غير قانونية، في عام 2020 ، يليهم التونسيون والجزائريون والمغاربة.
وفي شهر يناير، فتح المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال (OLAF) تحقيقا بحق الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس"، ويتعلق الأمر بمزاعم تتهم الوكالة بـ"المضايقات" و"عمليات صد غير قانونية" و"إعادة قسرية" طالت مهاجرين بغرض منعهم من الوصول إلى شواطئ الاتحاد الأوروبي. في مقابلة مع يورونيوز، أعربت إيلفا جوهانسون ، المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي عن قلقها بشأن هذه الادعاءات وحثت فرونتكس على معالجتها في أقرب وقت ممكن وتقديم توضيحات. كما طالبت بتغييرات تشمل "الأداء الداخلي للوكالة".
يتعرض المهاجرون من مختلف أنحاء أفريقيا في رحلتهم نحو نقاط العبور عبر المتوسط باتجاه أوروبا إلى شتى أنواع الإنتهاكات على أيدي المهربين والمتاجرين بالبشر والميليشيات المسلحة، بل والموظفين الرسميين في عدة دول أفريقية. وقد أدانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومركز أبحاث الهجرة التابع للمجلس الدنماركي للجوء هذه الإنتهاكات حيث أوضح تقرير مشترك للهيئتين، أن ما يزيد عن 1750 من المهاجرين واللاجئين فقدوا حياتهم أثناء الهجرة بين عامي 2018 و 2019، كما تعرض عدد كبير منهم لمختلف أنواع الانتهاكات والعنف.
وأشار التقرير إلى أن 28% من حالات الوفاة المسجلة ما بين 2018-2019 تتعلق بأشخاص فقدوا أثناء عبورهم الصحراء وكذلك الحال في عدة مناطق في جنوب ليبيا وخلال العام الحالي، تم الإبلاغ عن 70 حالة وفاة لمهاجرين، منهم 30 قتلوا على يد المهربين في دول أفريقية. وارتفع عدد عمليات هروب المهاجرين من الساحل الليبي بنسبة 300 بالمئة تقريبا بين يناير أبريل 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، بحسب الأمم المتحدة. ويستغل المهربون الفوضى لتحويل ليبيا إلى طريق رئيسي للهجرة غير القانونية باتجاه أوروبا.
وقد دعا أعضاء البرلمان الأوروبي إلى إنشاء آلية قائمة على التضامن لضمان الحق الأساسي في اللجوء في الاتحاد الأوروبي والتقاسم العادل للمسؤوليات بين الدول الأعضاء. في الوقت ذاته أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل أواخرعام 2020 أنه سيتم نشر دوريات إضافية ووسائل تقنية جديدة على طول الشواطئ الفرنسية في إطار اتفاق جديد بين باريس ولندن يهدف إلى وضع حد للهجرة السرية .
وأوضحت الوزيرة البريطانية أن "الاتفاق ينص على مضاعفة الدوريات الفرنسية اعتبارا من الأول من ديسمبر 2020 على أن تساندها طائرات مسيرة ورادارات لرصد الذين يحاولون العبور.،وعبرت باتيل عن ارتياحها للاتفاق موضحة أنه سيسمح للبلدين "بتقاسم مهمة جعل عمليات عبور البحر مستحيلة".
من جهة أخرى تشهد المياه الدولية المقابلة للمنطقة البحرية الموريتانية منذ أسابيع حركات مكثفة لزوارق المهاجرين المتسللين إلى أوروبا، وقد أوقفت السلطات الأمنية الموريتانية مئات المهاجرين السريين في عرض البحر ضمن الجهود التي تقوم بها لمحاربة ظاهرة الهجرة السرية.  وتتواصل منذ عام 2014 دوريات أمنية موريتانية إسبانية مشتركة على الشواطئ الموريتانية بعد أن وقع البلدان عام 2003 أول اتفاق أمني في مجال الهجرة غير الشرعية، يقضي باحتجاز الأمن الموريتاني للمهاجرين الذين “يثبت” أو “يُفترض” أنهم حاولوا السفر إلى إسبانيا انطلاقا من الساحل الموريتاني، واحتجازهم بمركز إيواء أقيم في نواذيبو، ثم ترحيلهم إلى بلادهم.
وقعت تونس وإيطاليا  على اتفاق  تشديد مكافحة الهجرة غير الشرعية  من دول شمال أفريقيا. وينص الإتفاق على الدفع بالتعاون الثنائي في مجال الأمن وتسهيل آلية ترحيل المهاجرين غير  الشرعيين وتشديد إجراءات التفتيش على الحدود التونسية لمنع تسلل المهاجرين. ويعد أغلب القادمين إلى لامبيدوزا من النازحين من تونس وليبيا.
وفي رد غاضب على أفواج المهاجرين غير الشرعيين أعلن وزير الخارجية الإيطالي أن حكومته طلبت من دول أوروبية، بما في ذلك الحكومة الفرنسية، التوقف عن تقديم أي دعم مالي واقتصادي لتونس إذا ما تواصل تدفق المهاجرين، فيما قررت الداخلية الإيطالية تخصيص سفينتين لفرض التدابير الصحية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد على من يصلون إلى بلادها، لضمان وقف احتجاجات سكان السواحل الإيطالية المنددين بدفق المهاجرين والخائفين من نقل العدوى إليهم.
كما توصلت المغرب ومدريد إلى "تحديد إجراءات مختلفة لمواصلة العمل في محاربة الهجرة غير الشرعية " وذلك في سياق مواجهة ضغط الهجرة والوضع الجديد الذي نتج عن تحولها نحو سواحل جنوب المغرب، بعد أن كان يتركز تقليديا على سواحل المضيق والبحر الأبيض المتوسط. وأشادت مدريد بالاتفاق مع الرباط الذي حدد آليات جديدة لإعادة المهاجرين المغاربة غير النظاميين، ودراسة سبل تعزيز سيطرة المغرب على سواحل المحيط الأطلسي، ولا سيما في ظل أرقام مقلقة لعدد المهاجرين غير النظاميين الذين تمكنوا من بلوغ سواحل إسبانيا، وصلت إلى 18 ألف مهاجرخلال الثلاثية الأخيرة من 2020، نصفهم فقط في أكتوبر من العام ذاته.
 فيما وقّعت ليبيا و مالطا مذكرة تفاهم في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية وفقا لبيان صدر عن المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق الوطني الليبي كما وقعت ليبيا مع إيطاليا أيضا إتفاقية تعاون في مجال الهجرة غير الشرعية. ويتساءل الخبراء والمحللون عن مدى نجاعة هذه الإتفاقية في كبح جماح ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
يقول المسؤولون الأوروبيون أن الإحصائيات الحقيقية للهجرة غير الشرعية وضحاياها غير دقيقة ولا يمكن حصرها ويستغربون هذا الإقبال الرهيب على مخاطرها رغم البحر والغرق والوباء فيما يلخص أحد المهاجرين الذي اصطحب ابنتها صاحبة العامين من العمر مأساة المتوسط و الهروب من وطنه إلى وطن آخر عبر المجهول قائلا" البحر أفضل بكثير لابنتي من وطن تطردنا مآسيه و لا نجد فيه فسحة للأمل في حياة أفضل، لعلنا نجدها في الجانب الآخر من البحر إن قدر الله لنا البقاء."