تعيش ليبيا منذ اختتام مؤتمر برلين، هدوءاً نسبياً مشوباً بالحذر ومحاطاً بالترقب مع بعض الانتهاكات لوقف إطلاق النار وحظر إرسال السلاح، حيث تطور مسار المحادثات ليتم الإتفاق على تحويل مبدأ الهدنة التي تم التوصل إليها في يناير الماضي إلى وقف دائم لإطلاق النار في إطار جولة جديدة للمباحثات تشهدها مدينة جنيف السويسرية.

ركز هذا المسار  على رسم خريطة طريق للوصول إلى حل سياسي للأزمة وتطبيق حظر التسلح الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، حيث أعلن غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة الخاص بليبيا، أن الطرفين المتفاوضين قد وافقا على تحويل مبدأ الهدنة التي تم التوصل إليها في أوائل يناير الماضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، مؤكداً أن هناك إرادة حقيقية لبدء التفاوض بين حكومة طرابلس والجيش الوطني الليبي.

وتضم محادثات جنيف خمسة عسكريين من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وخمسة عسكريين من القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج، في إطار اللجنة التي تعرف باسم لجنة 5+5.

تفاعلًا مع تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا، وافق ممثلو طرفي النزاع في ليبيا المجتمعون في جنيف الثلاثاء على مبدأ تحويل الهدنة الهشة المتفق عليها منذ 12 يناير الماضي إلى وقف دائم لإطلاق النار. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة للصحافيين "تم تبني المبدأ من الجلسة الأولى. ويتعلق الأمر الآن بتحديد شروطه"مؤكدا وجود "إرادة حقيقية لبدء التفاوض"بين الطرفين المتناحرين مع بدء محادثات عسكرية بينهما في جنيف. وقال أيضا إنه للمرة الأولى يلتقي بضباط كبار من طرفي الصراع في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة.

وانطلقت اجتماعات اللجنة العسكرية حول ليبيا في جنيف، منذ الاثنين، بهدف تأكيد التزام الأطراف المتنازعة بمخرجات مؤتمر برلين، والذي رسم ثلاثة مسارات لحل الأزمة من بينها المسار العسكري في انتظار آخر سياسي مرتقب في جنيف في شهر مارس القادم.

ووافق مجلس النواب الليبي الثلاثاء على المشاركة في حوار جنيف لكن بشروط معينة. وأفاد الناطق الرسمي باسم المجلس عبدالله بليحق أن مجلس النواب أقرّ في جلسة، إصدار قرار باسم مجلس النواب، بالشروط الواجب توفرها لمشاركة المجلس في حوار جنيف.

ولفت بليحق إلى أن القرار يتضمن خمسة شروط أساسية ومن أهمها أن يتم تحديد مهمة لجان الحوار بشكل واضح والمدة الزمنية لها وآليات عملها. مضيفًا أن البرلمان يتشبث بألا يتم إقرار واعتماد أي حكومة إلا بعد المصادقة عليها من مجلس النواب، علاوة على شرط عدم مساواة عدد الممثلين لمجلس النواب بعدد ممثلي المجلس الاستشاري.

ويشترط الجيش الوطني حل الميليشيات وجمع السلاح وخروج المرتزقة من ليبيا للدخول في مفاوضات جدية حول الترتيبات الأمنية،في الجانب المقابل تواصل الوفاق تعنّتها حيث أعربت عن عدم رغبتها في وقف إطلاق النار إذ دعت مبعوثيها في اللجنة العسكرية المشتركة إلى عدم التطرّق لقضايا استبعاد المرتزقة ووقف التدخّل التركي المباشر في الشأن الليبي، الأمر الذي دفّع خبراء إلى ترجيح فشل المفاوضات.

حيث أعلنت حكومة الوفاق أنها لن تشارك في المؤتمر قبل انسحاب الجيش الوطني من مواقعه التي سيطر عليها مع بداية تقدمه في اتجاه العاصمة طرابلس.

وقال رئيس المجلس الدولة، خالد المشري إنه "اجتمع رفقة رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، بالوفد الممثل لحكومة الوفاق في اجتماع اللجان العسكرية بجنيف"، مؤكداً أنهما "شددا للوفد على الخطوط العريضة التي لا تنازل عنها، ممثلة بوقف إطلاق النار وآلية تنفيذه وعودة قوات الجيش الوطني الليبي إلى مواقعه قبل الرابع من أبريل، وتحديد خطوط التماس، والأهم من ذلك توحيد المؤسسة العسكرية، طبقاً للآليات التي يراها الليبيون وليس أي اشتراطات أخرى" وفق تعبيره.

من جانبه أكد رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح خلال لقاء مع عدد من النشطاء في مدينة بنغازي، مساء الاثنين، أنه لا نقبل ضغوط من أي طرف كان لأنه ليس لنا مطامع إلا استقرار البلاد وعودتها كما كانت ولا توجد قوة تؤثر فينا إلا الشعب الليبي وهو صاحب القرار بالقبول أو الرفض، على حد قوله. وفيما يتعلق بقائمة الأربعة عشر الممثلة للبرلمان الليبي في اجتماعات جنيف، قال صالح إن الحكم يكون بعد اطلاع المجلس عليها ولنا أن نقبل أو نرفض حينها.

وحول المسار العسكري واجتماعات (5 + 5)، قال رئيس مجلس النواب إنه كلنا ثقة في ممثلينا في هذا المسار ولا تفريط في تضحيات الشعب الليبي، مؤكداً ضرورة عدم مساواة عدد الممثلين لمجلس النواب ومجلس الدولة بالإضافة إلى أن رئيس مجلس النواب هو من يخطر البعثة بأسماء الممثلين للمجلس.

وأكد عضو مجلس النواب الليبي إبراهيم الدرسي أن أعضاء البرلمان اتفقوا على ضرورة تشكيل لجنة الحوار الخاصة بالبرلمان المعترف به دوليا وعدم تخصيص أي مقعد للنواب المقاطعين في طرابلس، مشيراً إلى أن البرلمان الليبي قد أسقط عضوية النواب الذين يعقدون جلساتهم في العاصمة.

في ذات السياق،قال فرج المهدوي رئيس أركان القوات البحرية التابع للجيش الوطني الليبي في وقت سابق لن نقبل التفاوض دون إخراج آلاف المرتزقة السوريين الذين أدخلهم الرئيس التركي إلى ليبيا، ثم يتم بعدها الجلوس للنقاش حول تنفيذ مخرجات اتفاق الصخيرات الذي ينصّ على ضرورة حلّ الميليشيات المسلّحة ونزع أسلحتها، مؤكدا أن الجيش لن يساوم على الوطن وعلى سيادته.

كما أوضح المسماري خلال مؤتمر صحافي أن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج دفع مليون دولار لكل قائد فصيل كي يرسل عناصره السورية للقتال في ليبيا، مبينا أن عدد الفصائل يبلغ 10 فصائل.

من جانب آخر،أعلن صلاح بادي، قائد ميلشيا "لواء الصمود"بمصراتة، ليل الاثنين، قبل حديث سلامة عن وقف دائم لإطلاق النار، الانقلاب على الهدنة التي التزمت بها الأطراف المتحاربة في مؤتمر برلين حول ليبيا، ويعمل المجتمع الدولي على تعزيزها، ودعا قوات مصراتة إلى الحشد للمعركة القادمة.

وأكد بادي، في مقطع فيديو نشرته الصفحات التابعة لقوات الوفاق على مواقع التواصل الاجتماعي، مواصلة العمليات القتالية في منطقتي أبوقرين والوشكة الواقعتين بمدينة مصراتة، لاستعادتهما من الجيش الليبي الذي سيطر عليهما قبل أسبوع، كما دعا قوات مصراتة إلى الخروج للدفاع عن مدينتها والحشد للمعركة القادمة.

من ذلك، يرى مراقبون أن الهدنة لا تحتوي شروط إستمرارها لأنها لم تتم في إطار مصالحة و قناعة كلا الطرفين بضرورة وقف إطلاق النار فكل طرف يحاول فقط التشبث بحوار جنيف للمزيد من ربح الوقت لترتيب أوضاعه خاصة أن الطرف المقابل الذي تمثله الميليشيات الناطقة باسم حكومة الوفاق ما زالت تواصل نفس الخطاب القائم على المواصلة في الحل العسكري.

فأسس نجاح المسار التفاوضي غير موجودة قبل بدء اجتماعات اللجان العسكرية في جنيف، حيث أن نجاح أي مسار تفاوضي قائم على استعداد أطرافه لتقديم التنازلات في جلسات التفاوض، وتصريحات الطرفين قبل أن تبدأ حوارات جنيف تعبر بوضوح عن مواقف متصلبة، من الصعب اختراقها لخلق تفاهمات وإحداث ثقب في الجدار الكبير الفاصل بين الطرفين، قراءتي البسيطة أنه لا تنازلات يعني لا تفاهمات ولا جديد يذكر.