أكّد الكرملين  أن روسيا ما تزال على اتصال مع طرفى الصراع فى ليبيا، مضيفا أن موسكو تعتقد أن الطريق الوحيد لتحقيق السلام هو من خلال الاتصالات السياسية والدبلوماسية بين جميع الأطراف.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أول أمس الثلاثاء، أن "روسيا ما تزال على اتصال مع جميع المشاركين في العملية الليبية، نعتقد أنه لا توجد وسائل أخرى لحل المشكلة الليبية".

ويأتي هذا على خلفيّة إعلان القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر قبوله التفويض الشعبي بقيادة البلاد وإسقاط المجلس الرئاسي واتفاق الصخيرات.

كما نقلت وكالة سبوتنيك الرسمية عن مصدر في وزارة الخارجية الروسية قوله، أن موسكو تستغرب تصريحات قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، حول خروجه من اتفاق الصخيرات، وتصر على عدم وجود حل عسكري للصراع.

هذه المواقف الروسية تبدو متماهية مع مختلف المواقف الدّولية الأخرى التي جاءت في معظمها داعية إلى استئناف العمل بالاتفاق السياسي، واستبعاد الخيار العسكري في حل الأزمة الليبية والدّعوة إلى الهدنة ووقف إطلاق النار.

وفي المقابل يبدو هذا الموقف متناقضًا تماما مع الاتهامات التي توجّه إلى روسيا بدعم الجيش الوطني الليبي على حساب حكومة الوفاق. 

لكن على المستوى الدبلوماسي لا يبدو الموقف غريبًا أبدًا، حيث أنّ الاعتراف بالشرعية الدّولية هو الإطار الدبلوماسي والسياسي الطبيعي الذي تصدر منه المواقف الدّولية ومنها الرّوسيّة. لذلك فأنّ الموقف الرّوسي الرافض لإسقاط الاتفاق السياسي باعتباره نابعا من "الشرعية الدولية" هو موقف عادي في نظر الكثير من المراقبين.

وتواجه روسيا اتهامات بدعم الجيش الوطني الليبي والانحياز إلى معسكر المشير خليفة حفتر على حساب معسكر السراج. هذه الاتهامات التي لا تبدو بلا دليل ملموس وواضح توازيها اتهامات أخرى بوجود "مرتزقة" روس يقاتلون إلى جانب قوّات الجيش الليبي، وهو ما نفته وزارة الخارجية الروسية أول أمس.

وقالت وزارة الخارجية الروسية، "بأنه في عدد من وسائل الإعلام العربية ونقلا عن مصدر مطلع في حكومة الوفاق الوطني الليبي، وفي 10 أبريل/نيسان، وردت أنباء عن تدمير مقر الإدارة التنفيذية لما زعم بأنها شركة عسكرية روسية خاصة تعرف باسم فاغنر، في منطقة صلاح الدين، وتقاتل إلى جانب الجيش الوطني الليبي".

وأضافت الوزارة: "يرجى ملاحظة أنه في الوقت الحالي في منطقة الحرب في ليبيا لا يوجد جندي روسي واحد. ولم يتم إبلاغ وزارة الخارجية عن بيانات موثوقة عن مواطنين روس يشاركون في اشتباكات على أراضي ليبيا وحالات وفاة في هذا التاريخ، والتقارير المذكورة أعلاه بعيدة كل البعد عن التكهنات الأولى حول مشاركة الشركات العسكرية الروسية الروسية في الصراع الليبي القصد من هذا الحشو هو خلق فكرة خاطئة تدعي أن موسكو تدخلت في المواجهة المسلحة الليبية ، وانحازت علانية إلى أحد المشاركين فيها".

وأضافت الوزارة "في الواقع ، تبذل روسيا قصارى جهدها لتعزيز وقف إطلاق النار والوصول لتسوية سياسية للأزمة في ليبيا. ولم يتم أبدا إثبات نوايا دعم أي من الأطراف المتنازعة".

هذه المواقف الروسية الرسمية المتتابعة تجعل الموقف الرّوسي شديد الوضوح في ما يخص الوضع في ليبيا: انحياز إلى "الشرعية الدّولية" التي يمثلها المجلس الرئاسي الغير الدستوري في ليبيا، والذي لا يحظى بشرعية مجلس النواب، إضافة إلى رفضها الإعلان الصادر عن القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر بقبول ما أسماه التفويض الشعبي، وإنكار لأي دور في الحرب الليبية وتأكيد على التواصل مع جميع الأطراف في المشهد الليبي.

وهذه المواقف الروسية المتتابعة -كذلك- تبدو شديدة الوضوح والحسم في انحيازها لحكومة السرّاج وحليفها التركي. فهذا التحالف الجديد الذي ولد منذ أشهر بين الأتراك والرّوس في الحرب الليبية بدأ من مؤتمر موسكو والضغط الكبير على الجيش الليبي لتوقيع الهدنة.


**تحالف روسي تركي في لدعم السراج؟ 

في مؤتمر موسكو الذي عقد منذ أشهر لم يكن خافيا على الجميع التناغم بين الموقفين الروسي والتركي من الملف الليبي. كما لم يكن خافيا كذلك الضغط الكبير الذي تعرّض له الجيش لقبول توقيع وقف إطلاق النار في فترة كانت قوات الوفاق تتراجع الى مربعات ضيقة داخل العاصمة طرابلس.

ورغم رفض الجيش الليبي لتوقيع الهدنة في موسكو إلاّ أنه قد قبل بها في النهاية بعد ضغوطات دوليّة ربّما كانت الرّوسية أهمها وكانت هدنة ما بعد مؤتمي موسكور برلين هي نقطة التحوّل الكبير في الحرب الليبية الأخيرة.

سمحت تلك الهدنة لحكومة الوفاق والميلشيات المنضوية تحتها بإعادة تنظيم صفوفها، وسمحت لتركيا بتركيب منظومات الدفاع الجوي ونقل ألاف المرتزقة وعشرات الضباط وتشييد غرف عمليات مركزية في الغرب الليبي.

وحتى عندما أطلق الإتحاد الأوروبي عملية « إيريني » لمراقبة تنفيذ قرارات مجلس الأمن حول منع توريد السلاح إلى ليبيا منذ الأول من أبريل الجاري، عبرت روسيا عن مخاوفها من ذلك ،وأكدت ضرورة أن يتم التشاور مع الأطراف الليبية، في جميع القضايا المتعلقة ببلادها، في موقف يتماهى مع موقف تركيا وحكومة السراج، أكثر مما يتوافق مع موقف الجيش الوطني الذي عبر عن ترحيبه بالعملية.

تبدو التحولات في الموقف الروسي من الملف الليبي تتكشّف يومًا بعد آخر، محافظة عن شكل دبلوماسي سليم، لكن بجوهر متبدلٌ يوما بعد آخر في اتجاه مزيد التحالف مع تركيا في دعمها لحكومة الوفاق وكلّ ذلك في إطار حسابات روسيّة للحرب في سوريا ومقايضة مع تركيا في إطار لعبة المصالح الاقتصادية والإستراتيجية بين البلدين.