عندما أعرب رئيس حكومة الوفاق غير الدستورية فائز السراج، الأسبوع الماضي، عن تطلعه بأن تلعب روسيا كدولة عظمى دورا فعالا لإيجاد تسوية للأزمة في ليبيا، وعبّر عن أمله في  أن ينعكس التوافق التركي الروسي في سوريا بشكل إيجابي على الأوضاع في ليبيا، كان يعني ما يقول، ويدرك طبيعة الرسالة التي أراد توجيهها الى موسكو من خلال وكالة « سبوتنيك » حييث أكد إن "روسيا دولة عظمى وبهذه الصفة لديها مسؤولية ودور تلعبه لحل الأزمات الدولية، كما أنها كانت ترتبط ولعقود من الزمن بعلاقات تعاون مع ليبيا، من هنا نتطلع اليها للعب دور إيجابي فعال لحل الأزمة الليبية".

قبل التدخل العسكري التركي المباشر في غرب ليبيا ، كانت حكومة السراج وأمراء الحرب التابعون لها وحلفاؤها من الإسلامويين ، وأبواقها الإعلامية، لا تكف عن توجيه التهم جزافا الى روسيا، ووصفها بالدولة المعادية ، والزعم يأن لها مسلحين يقاتلون الى جانب الجيش الوطني ، 

خلال الأشهر الماضية تغيّر الموقف الروسي في إتجاه دعم التدخل التركي في ليبيا ولو بشكل غير مباشر ، يقول مراقبون أن الروس لم يعودوا ينظرون الى الوضع في ليبيا من منطلقات مبدئية ، وأن طبيعة سياساتهم البراغماتية ، دفعت بفلاديمير بوتين الى التوافق مع رجب طيب أردوغان من الناحية التكتيكية على الأقل ، والسماح للنظام التركي بالتدخل في غرب ليبيا لدعم حكومة السراج 

في الثامن من يناير الماضي ، وعقب اجتماع في إسطنبول، دعا أردوغان و بوتين إلى وقف إطلاق النار في ليبيا اعتبارا  الساعة 00.00 من يوم 12 يناير وإعلان وقف دائم لاطلاق النار"، وذلك إستباقا لمؤتمر برلين الذي إنعقد في 19 من الشهر ذاته ، لم يعد خافيا أن الروس ضغطوا بكل قوة على القيادة العامة للجيش الليبي لتنفيذ القرار ، و في 14 يناير  رفض المشير خليفة حفتر  من موسكو التوقيع على قرار الهدنة الذي الذي أعدت له مراسم حضرها فائز السراج ، ووزير خارجية   محمد سيالة ، ورئيس مجلس الدولة الإستشاري خالد المشري وأركان الديبلوماسية والعسكرية التركية 

حاول الروس الضغط على المشير حفتر ،ليوقع على الإتفاق ، لكنه غادر موسكو ، دون أن يخضع لتلك الضغوطات ، وكان يعلم أن إتفاقا كهذا لابد من قوة فعلية تحميه وتمنع الميلشيات من خرقه ، وقد أكدت الأيام والأسابيع اللاحقة أن الروس غير جديين في الدفاع عن الهدنة ولا في منع تدفق السلاح والمرتزقة من سوريا ، كثير من المراقبين  يرون أن نقل العناصر الإرهابية من إدلب الى طرابلس  يخدم مصالح موسكو في سوريا أكثر مما يهددها في ليبيا ، وأن لبوتين حسابات أخرى مع أردوغان تتجاوز بكثير الأوضاع في ليبيا 

وعندما أطلق الإتحاد الأوروبي عملية « إيريني » لمراقبة تنفيذ قرارات مجلس الأمن حول منع توريد السلاح الى ليبيا منذ الأول من أبريل الجاري ، عبرت روسيا عن مخاوفها من ذلك ،وأكدت ضرورة أن يتم التشاور مع الأطراف الليبية، في جميع القضايا المتعلقة ببلادها، في موقف يتماهى مع موقف تركيا وحكومة السراج ، أكثر مما يتوافق مع موقف الجيش الوطني الذي عبر عن ترحيبه بالعملية 

وكان ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، بحث الأسبوع الماضي مع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ومستشار المجلس عبد الباسط البدري، التطورات على الساحتين العسكرية والسياسية في ليبيا.

وذكرت وزارة الخارجية الروسية، أن "بوجدانوف أكد خلال اتصالين هاتفيين مع المسؤولين الليبيين على ضرورة إيجاد تسوية وحل سلميين بين الليبيين"، مشددًا على ضرورة وقف الاقتتال وتشكيل حكومة موحدة تمثل جميع الليبيين، بما يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها، لكن هذا الموقف الروسي يبدو خارج سياق الأحداث ، خصوصا وأنه جاء في ظل إرتفاع  وتيرة التدخل التركي في ليبيا ، وإستمرار الميلشيات المدعومة بالمرتزقة السوريين في خرق الهدنة الإنسانية ، وبعد الأحداث الفاجعة التي شهدتها مدن الساحل الغربي عندما هاجمتها قوات الوفاق تحت غطاء بحري وجوي تركي 

 ووفق محللين سياسيين ، فإن  الجانب الروسي بات يطمح الى ضمان مصالحه في ليبيا من خلال النفوذ التركي ، على أن يخدم بالمقابل مصالح تركيا في سوريا ، وهو ما يعني أنه لا يمكن التعويل على الروس في ما يخص المسألة الليبية ، لافتين الى أن حديث بوجادوف عن حل سياسي وحكومة وحدة وطنية أقرب من الواقع الى الخيال ، خصوصا وأن العدوان التركي قطع جميع الجسور المؤدية للتوافق بين الليبيين 

ويرد المحللون التحول في الموقف الروسي الى أن موسكو لا تريد التصادم مع أنقرة في ليبيا ، فالعاصمتان مرتبطتان حاليا بعديد المصالح الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية ، لعل أبرزها مشروع السيل التركي نحو أوروبا ،ابذي دخل الخدمة في الثامن من يناير الماضي ، والذي جاء ليمنح الغاز الروسي فرصة التدفق بعيدا عن أراضي أوكرانيا ، يكفي هنا الإشارة أن  كمية الغاز الطبيعي التي ضختها روسيا عبر أنابيب مشروع السيل التركي باتجاه أوروبا، بلغت مليارا و300 مليون متر مكعب، في الربع الأول من العام الجاري.

الرئيس التركي قال خلال افتتاح الخط، “نجح تعاوننا مع روسيا في مجال الطاقة، كما هو الحال في المجالات الأخرى، ولن نسمح لخلافاتنا في الفترة الأخيرة أن تقف في وجه مصالحنا المشتركة” .وأكد الرئيس الروسي أكد حينها، أن “الأحداث في المنطقة متجهة إلى المزيد من التوتر لكن تركيا وروسيا تتجهان بشكل مختلف”.وسينقل كل خط من خطي الغاز 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، بحسب ما صرح به وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي.

في أبريل 2018 وضع الرئيسان التركي والروسي حجر الأساس لمحطة الطاقة النووية التركي (Akkuyu) وتبلغ قيمة الاستثمار في المحطة 20 مليار دولار، ويعتبر المشروع الأول في تركيا، ويتضمن أربعة مفاعلات نووية، وستبلغ الطاقة الإنتاجية لكل واحد 1200 ميغاواط ، المشروع سيعزز أمن الطاقة في تركيا، وسيوفر عليها استيراد الغاز الطبيعي خلال السنوات العشر القادمة بقيمة 14 مليار دولار.وتنوي الشركة تشغيل أول مفاعل في العام 2023.

في 2018 كذلك ، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا في العام 2018، 25.7 مليار دولار ، حيث تستورد روسيا من تركيا، الأدوات الكهربائية، المجمدات، مواد البناء، الأثاث المنزلي، الملابس، والأدوية ، ودعت زيرة التجارة التركية العام الماضي لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 33.3 مليار دولار في المرحلة الأولى، فيما يتصدر السياح الروس قائمة أكثر السياح الأجانب الذي زارو تركيا، إذ تجاوز عددهم ستة ملايين، خلال الأشهر الـ 11 الأولى من 2019.

هذا قليل من كثير ، بينما لا يخفي المراقبون أن العلاقات بين البلدين لها وجوه أخرى ، منها التعاون الوثيق بين المافيا الروسية والمافيا التركية القريبة من رؤوس السلطة في البلدين ، إضافة الى علاقة تركيا بالجماعات الإسلامية الروسية المتشددة ، وتأثيرها الثقافي  والتاريخي في الداخل الروسي ، 

كانت روسيا الى وقت قريب توحي بدعمها للجيش الوطني الليبي ، ولكن عندما دخل الأتراك في قلب المعمعة ، أثبتت أنها لا تهتم كثيرا   بما يجري داخل الأراضي الليبية ، البعض يفسر ذلك بأن روسيا لم تكن تريد للقوات المسلحة الليبية أن توسع هجوماتها الى غرب البلاد ، ولذلك فهي لم تمانع في أن تعمل تركيا على إعادته الى المنطقة الشرقية ، والبعض الأخر يعلق بأن أي هزيمة لتركيا في ليبيا سيعمل أردوغان على تعويضها بهجوم على شمال غرب سوريا ، وهو ما تريده موسكو