ما تنفكّ وتيرة العنف في تونس تتصاعد بشكل كبيرعلى جميع الأصعدة مخلّفة إحصائيات وأرقامصادمة، بل ووقائع وفيديوهات لأحداث عنف "مشينة" طالت حتى أعلى أهرام السلطة بالبلاد التونسية في أسوأ مشهد للعنف السياسي. ليصبح بذلك المشهد السياسي التونسي المتأزم أساسا ساحة للعنف الجسدي واللفظي والمعنوي ملقيا بتداعياته الوخيمة على الوضع العام بتونس التي تمر بأسوأ أزماتها على الإطلاق حسب المراقبين والمحللين.

مشهد صادم لنائب من البرلمان التونسي يقف من مكانه ويتجه نحو زميلته ليلكمها بقوة ويحاول بكل قوته مزيد تعنيفها لولا تدخل زملائهم ومكتب البرلمان، مشهد صادم لا يعدّ الأول من نوعه إذا تتواصل "المهازل السياسية" والإشتباكات المتكررة لفظيا أو ماديا تحت قبة السلطة العليا بتونس. مشهد متفرّع عن التشتت السياسي الذي تعيشه البلاد حسب وصف وتحليل الخبراء.

ففي أقل من ثلاثة أشهر، تعرضت رئيسة كتلة الدستوري الحر عبير موسي،إلى ثلاث حالات اعتداء بالعنف تحت قبة البرلمان التونسي، أين أصبح التجاوز ومشاهد العنف أمرا شائعا، فالخلافات بين النواب من مختلف الأطياف السياسية المكونة للبرلمان التونسي تتكرر منذ تأسيسه بصفة يومية على مرأى ومسمع السلطات العامة والشعب الذي ثار على النظام السابق ليخرج من بوتقة الديكتاتورية فوجد نفسه في غيابات الخلافات السياسية والأزمات الخانقة على كل المستويات وفي كل القطاعات.

تسيطر القطيعة الحادة بين السلطات الثلاث وتبادل الإتهامات المتواصل وغياب التواصل الفعلي على القالب السياسي التونسي، فمنذ مطلع العام الحالي تشهد تونس صراعا سياسيا بشأن التعديل الحكومي بين رئيس الجمهورية قيس سعيد، ورئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، المدعوم من حركة النهضة وحزب قلب تونس، اللذين يسيطران على البرلمان التونسي.

فالكل يريد أن يبرز سيطرته ويفرض توجّهه لتتدرّج هذه القطيعة ومحاولة البروز و"استظهار القوة" إلى الأحزاب مكرّسة بذلك مشاهد غريبة من التطرف والإعتداء بالعنف على المرأة وغيرها، حيث بات استفحال الأفكار الشعبوية والمتطرفة في الساحة السياسية مشهدا يوميا يهدّد وحدة التونسيين وأمنهم اليومي، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والصحية.


يقول الكاتب والدبلوماسي السابق رؤوف الشطّي أن" هذا العنف مهما كانت دوافعه مؤسف، إنه يرمز إلى انحلال الدولة ويعكس المستوى الأخلاقي والفكري المتدني للغاية، للبعض من الفئة السياسية، الذين لا يقدّرون أهمية الدولة ولا يدركون حقًا أهمية المسؤوليات التي من المفترض أن يتحملوها والعواقب الوخيمة المترتبة على ذلك. هذه الآثام التي ارتُكبت بحق الأشخاص الذين انتخبوهم وعلى الشعب بشكل عام، الذي فقد كل الثقة في الفاعلين السياسيين من جميع الأطياف ".

ويضيف الشطّي في مقال له باللغة الفرنسية" يؤدّي هذا العنف إلى تفاقم مناخ التوتر الشديد السائد اليوم في البلاد، والذي تفاقم بسبب أزمة عامة، في نفس الوقت مؤسسية وسياسية واقتصادية واجتماعية وصحية"

وعلى إثر حادثة الإعتداء والعنف الأخيرة التي  بالبرلمان التونسي حذّرت القيادية المؤسسة لحركة نداء تونس ووزيرة السياحة سابقا سلمى اللومي الرقيق من أن "هذا الاعتداء يعد إنزلاقا خطيرا نحو العنف السياسي، الذي سبق أن نبهنا إليه في أكثر من مناسبة، خاصة بعد تصاعد منسوب الاحتقان سواء في البرلمان أو خارجه ، كما ان ما حصل تحت قبة البرلمان لا يمكن الا أن يكون أحد تعبيرات العنف التي تكررت خلال السنوات الاخيرة ضد المرأة ، و لذلك نقدر أن ما حصل اليوم مرفوض و يندرج ضمن جرائم العنف" . مشددّة على " أن الخلافات السياسية وأيا كانت التباينات لا يجب ان تكون مبررا لترذيل المؤسسات السياسية والذي وصل حد العنف الجسدي."

من جانب آخر ترجع أستاذة القانون إكرام الدريدي العنف السياسي إلى سيطرة الإخوان المسلمين قائلة  في تصريح خاص لبوابة إفريقيا الإخبارية  أن "الإخوان المسلمون في تونس مرض عضال لم ولن يندمجوا في المجتمع والدولة ولن يتغيروا هم فقط يريدون السيطرة والتمكن و تسخير وسائل الدولة للمصالح الضيقة والخلود على سدة الحكم.".

و أضافت  إكرام الدريدي تعليقا على حادثة العنف التي جدت بالبرلمان التونسي أن ما حصل هو "محاولة لتحويل وجهة الرأي العام عن هذا الموضوع وعن الندوة الصحفية التي اماطت اللثام عن القضاء المتواطىء مع الإرهاب فيلجؤون مرة أخرى إلى وضاعتهم التاريخية! حسب تصريحها

هذا العنف السياسي المستشري في المؤسسات السيادية قبل غيرها ألقى بتداعياته الوخيمة على كل القطاعات في البلاد خاصة مع أزمة إقتصادية غير مسبوقة كرستها السياسات المتعاقبة المتناحرة وصولا إلى السياسة الحالية ، فحتى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المانحين الرئيسيين مع الاتحاد الأوروبي لم يعودوا يثقون في المسؤولين التونسيين، فحسب الخبراء فإنهم غير قادرين على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي وعدوا رسميا بتنفيذه. فمع الركود الحاد وارتفاع المديونية والعجز المتواصل في الميزان التجاري والميزانية العامة والعائدات وكل القطاع الاقتصادي الذي يرضخ تحت وطأة أعباء مالية ضخمة، يقف المسؤولون المتناحرون عاجزين عن إيجاد الحلول، ومزيد اقحام المواطن التونسي في متاهات التدهور الاجتماعي كاقتراح رفع الدعم الأخير الذي أثار الرأي العام التونسي.

فهذا العنف السياسي المتكرّر مع كل تجربة انتقالية تحاول تونس خوضها، يهدّد الديمقراطية بالبلاد فمع كل محاولة استقرار تتعالى الأصوات الداعية لإسقاط الحكومة أو البرلمان وتعود البلاد من جديد إلى نقطة الصفر، ما تسبب في كارثة تواصل واستمرار عصفت بأغلب مؤسسات الدولة وشلّت كل مقوّمات النموّ بالبلاد، إضافة إلى  انتشار أوكار الإرهاب والتطرف الذي وُصمت به البلاد مع تكرّر العمليات الإرهابية بالبلاد وحتى خارجها.

ولذلك فإن تونس خاصة مع الأزمة الوبائية الطاحنة التي هدّدت المواطن في حياته وكشفت بالوقائع والنسب الثقيلة المسجلة والصور والفيديوهات الصادمة لحقيقة الأوضاع، ضعف وهشاشة البنية الصحة وتأثرها بالفساد الذي نهش الدولة نهشا، وأمام انشغال الطبقة السياسية بنزاعاتها" ومحاولاتها المستميتة للسيطرة على المشهد" فإن مؤسسات الدولة المتداعية بسبب العنف والتشرذم السياسي تقف على حافة انهيار مدوّ سيدفع الشعب ثمنه باهظا.