"أنا متزوجة منذ قرابة 4 سنوات ولي ولد صغير عمره ثلاث سنوات، منذ ليلة الزواج الأولى وأنا أتعرض للعنف اللفظي والمادي بكل أنواعه، لقد ذقت كل ألوان العذاب، في زواج سلبني كل حق في حياة كريمة هادئة، أنا أنتمي إلى عائلة فقيرة ولي خمس أخوات اثنتان منهما متزوجتان، تعانيان نفس معاناتي بـ"دوزة"(جرعة متفاوية، والأخريات في كفالة أبي "الزوالي"(الفقير)، كنت أرضى بالإهانة والتعنيف والضرب لأنه لا مأوى آخر لي ولا حلول و ثم من أجلي إبني الصغير. كان زوجي يستغل ذلك ليواصل تعنيفي وإهانتي. لكن ما حصل معي البارحة كان "القطرة التي أفاضت صبر سنين" لقد ضربني وهشم وجهي وأنفي وركلني بقوة في بطني وظهري وكل أنحاء جسمي ثم جرني كالذبيحة إلى خارج المنزل وأنا أسبح في دمي وأئن من شدة الألم." هكذا حدثتني فتاة ثلاثينية لا تكاد ملامح وجهها تظهر من تحت الكدمات الزرقاء فعيناها منتفختان وأنفها مهشم، والدموع تسيل مع الدم فتلطخ ما بقي من معالم وجهها.

محدثتي الثلاثينية هي نموذج مصغر ووجه واحد لأوجه العنف الذي تعانيه المرأة في تونس، حيث كشفت أرقام وإحصائيات صادمة عن تفشي الظاهرة واستفحالها في المجتمع لتخرج من بوتقة العنف داخل الأسر إلى الشارع التونسي الواسع. ولتتخذ أشكالا عدة تجاوزت التعنيف اللفظي والشتم وحتى التعنيف المادي والضرب إلى القتل وإنهاء الحياة في أبشع صورة للإعتداء عن المرأة داخل مجتمع تونسي "يدعي فيه القانون أنه كافل لحرية المرأة وسلامتها".

أكدت مديرة المرصد الوطني التونسي لمناهضة العنف ضد النساء منية القاري، في تصريح إعلامي،أن المرصد وضع رقمًا أخضرًا لتلقي مكالمات النساء ضحايا العنف والإصغاء إليهن وتوجيههن، وقد تلقَّى المرصد عديد المكالمات من قبل النساء المُعنّفات حيث بلغت عدد المكالمات سنة 2019 ، 880 مكالمة، فيما بلغت 4112 مكالمة سنة 2020، ليستقبل المرصد 666 مكالمة خلال السنة الجارية في الفترة الممتدة من 1 جانفي وإلى غاية 26 ماي 2021.

وتؤكد منية القاري، أن أشكال العنف المسلّط على المرأة اختلفت واختلفت معه النسب، حيث سجّل العنف الزّوجي أكبر نسبة مشيرة في هذا الإطار إلى إرتفاع عدد المكالمات الواردة على الخط الأخضر التابع للمرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة خلال شهر ماي الفارط،من قبل النساء ضحايا العنف وخاصة بعدقضية الهالكة رفقة الشارني التي قام زوجها عون الحرس الوطني بقتلها بسلاحه المهني بتاريخ 09 مايو 2021 والتي هزت الرأي العام التونسي.

"اسمها رفقة"..المرأة التي قتلت بخمس رصاصات من سلاح زوجها الأمني

لم تكن رفقة الشارني صاحبة الـ26 عقدا تتخيل أن تنتهي حياتها بخمس رصاصات أطلقها زوجها الأمني الغاضب عليها في منزل والديها في مدينة الكاف شمال غربي تونس، بعد سلسلة من الإعتداء والتعنيف اللفظي والمادي حسب شهادات أهل القتيلة وجيرانها وشكاوى تقدمت بها الضحية للقضاء قبل مقتلها.

تقدمت رفقة  قبل الواقعة مرات عديدة بشكاوي ضد زوجها لكنها في كل مرة تتراجع عن القضية إما بطلب من عائلتها أو بقناعة منها حفاظا "على عشها الزوجي" خاصة أنها أم لرضيع صغير. و قبل أيام  من مقتلها تقدمت رفقة الشارني بشكوى إلى مركز الشرطة بمنطقتها مستظهرة بشهادة طبية تؤكد تعرضها للعنف الشديد، إلا أن رجال الشرطة لم يتعاملوا مع شكواها بجدية "تضامنا مع زميلهم" حسب ما أفاد به أقارب الضحية. لتنتهي معاناة رفقة التونسية بقتلها على مرأى ومسمع من ابنها الصغير.

اتّقد الشارع التونسي غضبا وهزت القضية مواقع التواصل الاجتماعي وتداولت العديد من الصحف وسائل الإعلام المحلية والعربية القضية لأيام، وانطلقت المظاهرات تملأ شوارع العاصمة التونسية وبعض المحافظات على غرار محافظة الكاف مسقط رأس الضحية، وقد دعت المنظمة النسائية لحزب العمال "مساواة" إلى جعل يوم 9 مايو،تاريخ قتل رفقة الشارني، من كل سنة يوما وطنيا لمناهضة العنف ضدّ  النساء، من أجل تخليد ذكرى النساء ضحايا العنف وإرساء مشروع متكامل لوقف نزيف العنف بكل أنواعه.

وفي تعليق على حادثة ألفة الشارني كتبت الباحثة والكاتبة التونسية ألفة يوسف تدوينة على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي نصا مؤثرا خاطبت فيه طالباتها  ودعتهم إلى عدم التسامح مع العنف ضد المرأة "الله يرحم رفقة الشارني...لذلك أقول لبناتي الطالبات ليس هناك فرصة ثانية لرجل عنيف...العنيف سيظل عنيفا دوما إلا في حال عمل عميق على الذات يدوم سنوات، وشوف وشوف...لا تفكرن، لا تناقشن، لا تبررن، لا تقلن إنه سيتغير...من أول مظهر من مظاهر العنف، ابتعدن ، ارحلن...الذهاب سهل في بداية العلاقات عسير ومعقد فيما بعد...انفذنبجلودكن...حتى حد ما يستاهل انه يتعنف، وحتى حد ما يستاهل أنك تبقى معه بعد التعنيف ولو للحظة...نتفكر عام التبريز درست معي امراة صفعها زوجها، طلبت الطلاق ورحلت، حاول معها أهله واهلها بكل الطرق، رفضت...هي اليوم امرأة سعيدة تشتغل وتعمل وابنها غدا مهندسا ناجحا، أما هو فزوجته الثانية تعالج من اكتئاب نفسي لدى أحد الأطباء...صفر تسامح مع العنف..."

من أوجه العنف الأخرى والتي يمكن اعتبارها من الأكثر إثارة للجدل خاصة كونها حدثت تحت قبة البرلمان التونسي الذي يعد سلطة تشريع عليا في البلاد التونسية، إعتداء النائب عن إئتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف على النائبة ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في مشهد هز هو الآخر وسائل التواصل الاجتماعي والشارع التونسي وحتى العربي والعالمي حيث انتشر فيديو الإعتداء في جل وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية. ويتمثل الفيديو في قيام النّائب عن ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بالاعتداء على النّائب بالمجلس عبير موسي، و قام مخلوف بافتكاك الهاتف الجوّال الخاص برئيسة الحزب الدّستوري الحرّ بالقوّة و منهعا من التصوير.كما توجّه مخلوف بعبارات نابية وألفاظ سيئة “بش نربيك بش معاش تصور” و “المرة الجاية نكسرو تالفونك” "يا سافهة، يا مسخة، يا مجرمة، يا حقيرة..."، في أسوأ صورة قدمها نائب الشعب في البرلمان عن تونس "بلد الديموقراطية والحريات"، و قد قام نواب الحزب الدّستوري بتوثيق هذه الحادثة.

لترسم بذلك صورة "امتداد العنف الذكوري" على المرأة بغض النظر عن المكان والصفة فكما الرجل البسيط يعتدي على زوجته أو أخته أو أمه، إذا أقدم شاب من محافظة منوبة على قتل أمه وآخواته، إلى الأمني الذي يمثل مصدر حماية بقتل زوجته بمسدسه، إلى النائب بالبرلمان الذي يمثل سلطة التشريع والأمان، في مشهد إضافي لهذا العنف المستشري تعرضت الفنانة التونسية العربية أماني السويسي إلى اعتداء بالعنف المادي واللفظي من قبل متعهد حفلات إثر مطالبتها إياه بمدها بمستحقاتها المادية، وفق شهادتها.

العنف ضد المرأة في تونس يستشري بكل أوجهه، متحديا قانون أرسته الدولة لحماية المرأة واعتبرت المحامية والناطقة الرسمية السابقة باسم رئاسة الجمهورية التونسية الدولة غافلة عن تطبيقه" الدولة في غفلة عن العنف المسلط ضد النساء، و السلطة في غفلة عن القانون ضد العنف لسنة 2017 ، و المجتمع ينعم بتجاهله للعنف ضد النساء".

"النص القانوني قاصر عن تغيير العقليات" وحماية المرأة من العنف المسلط عليها

لتوضيح الجانب القانوني لظاهرة العنف ضد المرأة،  المتفشية في المجتمع التونسي والتي كشف عنها النقاب بقوة خلال السنوات الأخيرة، توضح لنا أستاذة القانون العام إكرام الدريري، في تصريح خاص لبوابة إفريقيا الإخبارية مدى تطبيق التشريعات ومدى حمايتها ومساهمتها في الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة في تونس.

تقول الأستاذة إكرام الدريدي أن قانون 2017 توسع  في نطاق التجاوزات التي تعرّض مرتكبيها للعقاب فيما يتعلق بالعنف المسلط على المرأة والأطفال ويكفل حماية قانونية ومادية لضحايا العنف. ومن حيث أشكال العنف التي ينص عليها القانون هناك العنف المادي، العنف المعنوي، العنف الاقتصادي، العنف السياسي والعنف الجنسي.

أما من حيث الحماية، فتوضح أن  القانون يمتع المرأة المعنفة بحق العلاج الصحي و النفسي وحق الايواءالإجتماعي الامن عن طريق قرار قضائي صادر عن قاضي الاسرة او عن طريق غرفة المختصة بالتحقيق في جرائم العنف ضد المرأة والطفل (شرطة وحرس وطني) او المصالح المختصة بالادارة الفرعية لل قاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية بعد اذن وكيل الجمهورية او بمقتضى تدبير عاجل صادر عن مندوب حماية الطفولة عندما يتعلق الامر بالأطفال.

هذا بالاضافة الى الحق في الارشاد القانوني  النفاذ الى المعلومة والتتبع الجزائي لزجر المعتدي.

و تستدرك أستاذة القانون العام إكرام الدريدي بقولها "إلا ان هذا يتطلب بنى تحتية ومراكز إصغاء وملاجئ، لكن الدولة لم تخصص ميزانية لذلك فأصبحت جمعيات المجتمع المدني تقوم بذلك في حدود إمكانياتها. وعلى الرغم من المجهود المبذول لتطبيق القانون وتأطير الأطراف المتداخلة داخل مؤسسات الدولة فإن هاته الأخيرة لا تزال تتراخى أحيانا في تطبيق القانون وتتواطؤ أحيانا أخرى مع المعنفين وذلك خاصة في جرائم العنف الأسري.

و تضيف الأستاذة أن وزارة الداخلية التونسية أنشأت 130 فرقة متخصصة في هذا المجال منذ العام 2018 وكُلّف المئات من عناصر الشرطة المدرّبين خصيصا لهذه المهمات، من بينهم نساء، بما في ذلك التحقيق في حالات العنف الأسري وتنفيذ الأوامر القضائية لإبعاد الخطر عن المعنفات.

لكن القضايا التي كشفها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بينت قصور النص عن تغيير العقليات وضرورة مواصلة الجهد للعمل على التوعية والتربية على مسألة احترام الحرمة الجسدية للمرأة وكيانها وخياراتها وحقوقها في العائلة وكمواطنة داخل المجتمع التونسي.

*هذه قصة قصيرة جدا لمظاهر العنف المسلط على المرأة في تونس حيث ان قصصا كثيرة رويت ولا سامع لها ولا رادع وقصص أخرى لم تروى بعد... الكاتبة