إن المتأمل في عمق التاريخ لا سطحيته والباحث في خباياه لا "متشابهاته" المبنية على أجندات معينة تخدم وضعا وأطرافا معينين يرى أن العلاقات التونسية الليبية تجاوزت الحدود منذ القدم، حيث كانت إفريقية تمتد من تونس مرورا بطرابلس وصولا إلى قسنطينة في لحمة مغاربية سطرها التاريخ قبل الإعلان عنها في زمن لاحق. فعلى امتداد أعوام كثيرة وبمرور حضارات عديدة كانت تونس وغرب ليبيا امتدادا لبلد واحد اسمه إفريقية.

هذا التمازج التاريخي والمصير المشترك لحقبة زمنية طويلة تجاوزت 900 عام تركا أثره في أهالي البلدين اللذان يشتركان في نقاط كثيرة بل وتجمعهما تحالفات وعلاقات اقتصادية واجتماعية وروابط مستمرّة وراسخة إلى يومنا هذا.

إفريقية - ويكيبيدياتصفح وتحميل كتاب تاريخ إفريقية والمغرب للرقيق القيرواني Pdf - مكتبة عين  الجامعة

إن تاريخ البلدين حافل بالتضامن والأخوة المتبادلين فلطالما كانت تونس أرض الهجرة واللجوء لجيراننا في الجنوب حيث عمل الكثير منهم بتونس وانصهروا في بوتقة العائلات التونسية، كما لا يمكن ننسى أيضًا أنه من بين الليبيين الذين اختاروا تونس، عائلة أول رئيس للجمهورية التونسية  الحبيب بورقيبة،  وهي عائلة من مصراتة هاجرت في بداية القرن التاسع عشر ليصبح أحد أحفادها، بعد قرن من الزمان أهم شخصية في تاريخ تونس.

فالرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، ينتمي إلى إحدى العائلات الثرية في قبيلة الدرادفة من كراغلة بمدينة مصراته الليبية، هاجر جدهم عبر البحر الى تونس وأقام فيها منذ عام 1795م.


ومنذ الاحتلال الفرنسي لتونس سنة 1881 وغزو الإيطاليين لليبيا سنة 1911 ، تشاركا الشعبان الشقيقان في محطات نضالية تضامنية عدة وآوى أحدهما الآخر لتنظيم صفوفه أو هربا من العدو، حيث لجأ ما يقرب من 70 ألف ليبي إلى تونس. ومنذ حصول ليبيا على استقلالها سنة 1951  تحوّلت العاصمة طرابلس، إلى قاعدة لرجال الحركة التونسية هربا من ملاحقة الأجهزة الأمنية الاستعمارية الفرنسية. فلا يمكن أن ننسى المساعدة السرية والفعّالة لمقاتلي المقاومة والقادة الوطنيين التونسيين خلال نضال التحرير (1952-1955)."

وللذكر لا الحصر فإن بعض المناطق من كلا البلدين تخلد النضال المشترك ضد المحتلين الفرنسيين والإيطاليين، لا سيما في جبل نفوسة ومنطقة تطاوين من عام 1915 إلى عام 1918 أثناء ثورة خليفة بن عسكر. 


هذا التاريخ العميق الذي يروي بين سطوره ،التي لم أذكر منها الكثير، محطات حافلة من العلاقات الوطيدة واللحمة التونسية الليبية، لا يمكن ان تمحوه الحدود الجغرافية التي لا يؤمن الكثير من الليبيين والتونسيين بوجودها في معاملاتهم وعلاقاتهم إلى يومنا هذا. 

ولا تقتصر العلاقات التونسية الليبية على التاريخ بل تمتد إلى الألقاب واللهجة التي تتشابه كثيرا خاصة في الجنوب التونسي والعادات الغذائية والإحتفالات والأعراس والعلاقات الأسرية والمصاهرة في امتدادا تاريخي لهذه العلاقات بجذور ليبية لعائلات تونسية كثيرة.

أما العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية فلا حصر لها بين البلدين، فمن المعروف والمنتشر جدا في تونس من شمالها إلى جنوبها  وفي كل مدنها "سوق ليبيا" الذي بات ضمن عادات التونسيين ومناطق تسوقهم الأكثر رواجا وإقبالا نظرا لتوفر الكثير من السلع بأسعار منخفضة تراعي القدرة الشرائية للمواطن التونسي.


اهتمام تونسي بتلبية حاجات السوق الليبية من المواد الاستهلاكية | الشرق الأوسط
بنقردان hashtag on Twitter

 في المقابل توجد في ليبيا أسواقا تونسية في العديد من المناطق التونسية الليبية تسمى "بسوق تونس المفتوح" تختص ببيع المنتوجات التونسية التي تلاقي بدورها ازدهارا وإقبالا ليبيا مكثفا. هذه العينة التجارية الشعبية الصغيرة، من مبادلات تجارية كبيرة تربط البلدين باعتبار ليبيا ثاني وجهة تصدير هامة لتونس، يمكن أن تبرز عمق الروابط التي تتجاوز المعاملات المادية إلى العادات الليبية التونسية.

كما لا يمكن أن ننسى الدور الذي لعبته تونس في احتضان الفرقاء الليبيين وإسهامها في عودة المسار السياسي الليبي إلى طريقه التي حاد عنها لعقد كامل من الزمن منذ أحداث فبراير 2011، كانت فيه تونس خير ملاذ للأشقاء الليبيين للحوار الليبي الذي وجد طريقه أخيرا نحو"ليبيا جديدة".

ورغم التدخلات الخارجية ومحاولة التشويش على العلاقات بين البلدين كان آخره"أزمة فتح الحدود" إلا أن العلاقات التونسية الليبية "تتجاوز الإدعاءات الكاذبة" وتستمر في رحلة التعاضد والتضامن لتجاوز الآزمات وتوطيد علاقات الأخوة التاريخية التي تجمعهما منذ عقود طويلة.