توفّي المفكر التونسي هشام جعيط، يوم الثلاثاء الماضي، عن عمر ناهز 86 سنة، ونعى رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد المفكر الراحل قائلا إنه كان "شخصية وطنية فذّة وقامة علمية مرموقة ستظلّ ذكراها خالدة في تاريخ الساحة الثقافية في تونس والعالم العربي والإسلامي". كما نعته مؤسسات علمية وسياسية مغاربية وعربية.

وفي ملف خصصته جريدة الأسبوع المغاربي ، كتب المفكر الجزائري اسماعيل مهنانة: "جعيّط عاد بعد أكثر من عشر سنوات بمشروع جديد يتمثّل في إعادة كتابة السيرة النبوية، بأدوات علمية محضة، يقول فيها أنه استعمل مباشرة المنهج الفينومينولوجي بالعودة إلى القرآن مباشرة كمصدر تاريخي في كتابة السيرة. فهل يصح ذلك منهجيا؟". 

المفكر الجزائري اسماعيل مهنانة


وكتب الإعلامي التونسي حسن مرزوقي: "جعيط مكتف بذاته نشأةً، فقد نشأ في عائلة أرستقراطية علمية اكتفى بها في طفولته وشبابه وبعلمها ولما اكتفى نقدها شديد النقد عندما اعتبر أن نهاية جامعة الزيتونة هي نهاية نوع من النخب الفاعلة قبل الاستقلال -ومنها عائلته- وتغير نمط الصعود الاجتماعي فكان نقده لعائلته شجاعا حد الاكتفاء"، وكتب المفكر الجزائري عمر بوساحة: "اهتم جعيط في بحوثه بشكل لافت بتاريخ الاديان وفلسفتها والأديان المقارنة، ودرس ظاهرة النبوة من مناحي متعددة من بينها النفسية والاجتماعية وقد انفرد بآراء تلقاها المحافظون في المجال الديني بكثير من الحساسية والرفض واتهمه الاصوليون بتهم معاداة الدين كما هو ديدنهم في اتهام كل مخالف لهم في الرأي والمذهب".

أما الأكاديمي والباحث التونسيعبد الستار رجب كتب: "هشام جعيط من القلّة القليلة الذين رغم بقائهم في الظلّ إلا أنّ صيتهم ذاع، وذكرهم انتشر وملأ اسمه الأمصار. وما دعوات الرّحمة التي تصل إليه من عموم العرب إلا دليل أنّ أثره وصل إلى خبايا دفينة في الوعي. فأراه يتسلّل بنفاذ وضياء عبر رسائل تلاميذه وطلبته ومجايليه. وهذا لعمري دليلُ وصولٍ إلى ما كان يريد". وهو في رأي المفكر الجزائري حميد زناز "ناهض المؤرخ و المفكر التونسي الراحل الخطابات السياسية الرسمية التي فرضت بعد الاستقلال  المتمحورة حول البعد العربي الاسلامي".

وفي تصريح للأسبوع المغاربي، قال المفكر المغربي عز العرب لحكيم: "لا أبالغ اذا ما قلت أن المفكر التونسي هشام جعيط من بين قلائل الدارسين البحاثة أو المتبحرين (érudit). ربما ساعدته طبيعة التخصص في التاريخ الإسلامي على الاستناد إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية والجمع بين تخصصات متباينة في ذهن رجل واحد. ربما لن نجد في المستقبل باحثات وباحثين قادرين على التنقل بكل يسر بين حقول معرفية مختلفة.  مع تزايد الانشغال بالتخصص الدقيق بدأت تضيع حسنات الموضوعية. وقد كان ديلتاي(Dilthey)  في القرن التاسع عشر في ألمانيا آخر كبار الموسوعيين.  نتمنى ألا تكون وفاة هشام جعيط ايذانا بنهاية جيل كامل. انا لله وانا اليه راجعون". 

أما الجزائري سعيد جاب الخير المتخصص في التصوف اعتبره من المؤرخين والمفكرين والباحثين الإسلامولوجيين اللامعين، وقال: "شخصيا استفدت كثيرا من أبحاثه التجديدية في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وبصفة خاصة ثلاثية "الوحي والقرآن والنبوة" و"تاريخية الدعوة المحمدية في مكة" و"مسيرة محمد في المدينة". وأضاف سعيد جاب الخير: "حتى وإن كنت أرى أنه لم يذهب بعيدا جدا في نقده للنص الديني بحكم كونه مؤرخا بالدرجة الأولى، إلا أنه فتح الكثير من أبواب الشك المنهجي وإعادة النظر والمراجعة في ما يخص التاريخ الإسلامي وما يرتبط منه بالمرحلة النبوية والمرحلة الراشدية".