يواصل القضاة التونسيين تعليق العمل بكافة المحاكم التونسية مهدّدين بالتصعيد احتجاجا على القرار  الرئاسي الذي قضى بعزل 57 قاضيا بسبب"الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين في قضايا إرهاب"، أزمة جديدة تنظاف للأزمات المتراكمة للبلاد التونسية وسط مخاوف كثيرة من تأزم الوضع خاصة مع التطورات الأخيرة المتسارعة المرافقة للحوار الوطني التونسي والإستفتاء والمواعيد الانتخابية.

في ليلة واحدة، الأربعاء غرة جوان/ يونيو 2022، قام رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد بتعديل المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، ثم وفي وقت متأخر من الليلة ذاتها أصدر مرسوما رئاسيا بإعفاء 57 قاضيا وقاضية بتهم مختلفة متعلقة بالفساد والتواطؤ والإرهاب. وتضم قائمة القضاة المعزولين عديد الأسماء المعروفة، من بينها رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي قام سعيّد بحله يوسف بوزاخر ورئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي والبشير العكرمي  الذي يصفه الكثيرون بـ"رجل النهضة وأداتها منذ سنوات لتطويع الجهاز القضائي خدمة لمصالحها"، وأسماء كثيرة أخرى.

ومنح المرسوم الرئاسي الصادر  سابقا في 13 فيفري 2022 بالجريدة الرسمية عدد16  وفق الفصل 20 الحق لرئيس الجمهورية التونسية طلب إعفاء أي قاض "يخل بواجباته" بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل، ويصدر المجلس "فورا" قرارا بإيقاف القاضي المعني عن العمل إلى حين البت في ملفه.

وتعليقا على القرار الرئاسي الأخير، أكّدت جمعية القضاة التونسيين في بيان لها، أنّ المرسوم عدد 35 لسنة 2022 المؤرخ في 1 جوان/يونيو 2022 المتعلق بإتمام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري/فبراير 2022 المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء "هو مرسوم معدوم لما مثّله من تعدّ واضح على الاختصاص الحصري للمجلس الأعلى للقضاء وتدخل واضح وفادح لرئيس الجمهورية في ما هو موكول للسلطة القضائية وما يمثله من انتهاك لكل المبادئ المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية من حق الدفاع ومبدأ المواجهة وقرينة البراءة".

وأكدت جمعية القضاة، أن "إطلاق يد رئيس الجمهورية في إعفاء القضاة وبناءً على سلطته التقديرية وما توفر له من تقارير سرية مجهولة المصدر وغير معلومة بالنسبة للمعنيين بها، هيَّأ مناخا من الترهيب والترويع لعموم القضاة من دون استثناء، وألغى كل تمظهرات استقلال السلطة القضائية وضمانات استقلال القاضي، ويحذرون الرأي العام والشعب التونسي والمنظمات الوطنية، من خطورة ذلك على واقع الحقوق والحريات".

ليعلن مكتبها  التنفيذي في بلاغ لاحق عن تعليق العمل بمختلف المحاكم العدلية والإدارية والمالية بكامل الجمهورية والقاضي لأسبوع كامل مع إمكانية التصعيد . ووفق ما أعلنت عنه في متابعة للإضراب خلال الأيام الماضية فإن نسبة القضاة المضربين بلغت 99 بالمائة.

وتعليقا على الإضراب أكّد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد لدى لقائه وزيرة العدل ليلى جفال على أن المرفق العمومي للدولة لا يمكن أن يتوقّف. ودعا إلى ضرورة اقتطاع أيام العمل للقضاة المضربين واتخاذ جملة الإجراءات الأخرى المنصوص عليها بالقانون حتى لا يتكرّر المساس بمصالح المتقاضين.

صاحب الإعفاءات ضجة كبيرة تجاوزت القضاة إلى المعارضة والمنظمة الشغيلة وشخصيات سياسية وجمعيات مدنية ومنظمات عالمية خاصة في غياب الوثائق والإثباتات القطعية لأسباب العزل.

فمن جانبها ندّدت الخارجية الأمريكية بإقالة 57 قاضياً وتحوير القواعد التي تحكم المجلس الأعلى للقضاء وحذّرت  من أن مراسيم الرئيس التونسي قيس سعيد تقوض المؤسسات الديمقراطية في البلاد، وأوضح نيد برايس المتحدث باسم الخارجية أن واشنطن أبلغت المسؤولين التونسيين بصورة مستمرة بأهمية الضوابط والتوازنات في النظام الديمقراطي. وقال برايس في ذات السياق "نواصل حثّ الحكومة التونسية على انتهاج عملية إصلاح شفافة تشرك الجميع تستفيد من إسهامات المجتمع المدني والطيف السياسي المتنوع لتعزيز شرعية مساعي الإصلاح".

أما الاتحاد الدولي للنقابات فقد أصدر بيانا على خلفية عزل رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد لـ57 قاضيا، ندّد فيه بما وصفة "تهديدا جديدا للحرية وسيادة القانون في تونس" معتبرا أن عمليات العزل "تتجاهل الأطر التي تنظم عمل القضاء وهيئاته التمثيلية، وتحرم القضاة من حق الاعتراض على عزلهم واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".

وجاء في بيان الاتحاد الدولي الذي ينتسب الاتحاد العام التونسي للشغل إليه، أن حالات العزل "أتت في أعقاب سلسلة من الأوامر والمراسيم المقيدة للحقوق والحريات الأساسية في تونس، مثل المنشور رقم 20 الذي يحظر أي مفاوضات مع النقابات دون إذن من رئيس الوزراء" ملاحظا أن هذا "يتعارض مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 التي تضمن الحق في المفاوضات الجماعية".

وفي جدل صاحب قرار العزل أثارت التهم الموجهة لقاضيتين جدلا واسعا خاصة بعد تداول وثائق شخصية لهما. وقد أدانت منظمات تونسية عديدة عمليات السحل الإلكتروني، الذي تتعرض إليه قاضيتين تم إعفاؤهما من مهامهما ضمن الأمر الرئاسي عدد 35 معبرة عن رفضها إقحام الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية للنساء في المعارك المتعلقة بالقضاء.

كما عبرت هذه المنظمات عن تضامنها المطلق مع القاضيتين المذكورتين، لافتة إلى أن "تداول وثائق رسمية على صفحات منصة "الفايسبوك" مؤشر سلبي يعبر على ضعف أجهزة الدولة واختراقها وانتهاك حقوق المتقاضين وسرية المعطيات الشخصية التي يكفلها القانون".

واعتبرت أن "قضايا الزنا لا تهم الرأي العام والمجتمع في شيء حتى من الناحية القانونية"، علاوة عن كونها من الجرائم التي "تجاوزها الزمن لمخالفتها لروح القانون والمنطق السليم وتعلقها بالحياة الخاصة للأفراد وحرياتهم وبالشأن العام." من جهته، دعا الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، في بيان له، النيابة العمومية إلى القيام بدورها في حماية الحقوق والحريات بما في ذلك الحرمة المعنوية للنساء وكرامتهن البشرية. 

تطورات كثيرة ومتسارعة أثارها قرار العزل الجماعي لـ 57 قاضيا وقاضية، و أزمة جديدة تشدّد الخناق على الوضع العام بالبلاد التونسية خاصة مع ما صاحب الحوار الوطني من توتر وانسحابات أبرزها رفض المنظمة الشغيلة التونسية العريقة  من المشاركة فيه، قبيل الإستفتاء المزمع تنفيذه الشهر المقبل وأمام التحركات الحثيثة للمعارضة خاصة مع اتسام ملامح برنامج رئيس الجمهورية التونسية بالغموض ما يجعلنا نتساءل عن مآلات هذه الصدامات العنيفة التي خلقتها القرارات الرئاسية الأخيرة.