في وقت كان الشعب التونسي وعلى رأسه "الفرقاء السياسيين" ينتظرون خطابا هاما للرئيس قيس سعيد يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول التاريخ الجديد للثورة التونسية الذي أقره سابقا بمرسوم رئاسي رسمي، فاجأ الرئيس التونسي الجميع بخطاب تلفزيوني مباشر، مساء 13 ديسمبر الجاري، أي قبل الموعد المتوقع بأربعة أيام، معلنا "دون سابق إنذار" عن خارطة طريق للمرحلة القادمة.

تضمنت خارطة الطريق المعلن عنها مواصلة تجميد البرلمان التونسي إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة

وتنظيم استشارة شعبية بداية من 1 جانفي/يناير 2022، كما أعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، أنه تم الإعداد للمنصات الالكترونية وبدأت بلورة الأسئلة الواضحة والمختصرة حتى يتمكن الشعب من التعبير عن إرادته، وتم اتخاذ كل الاحتياطات لتأمين الاستفتاء الإلكتروني أو الاستشارة الشعبية.  التي سيتم إلى جانبها تنظيم استشارات مباشرة في كل معتمدية، على أن تنهي في الداخل والخارج في العشرين من مارس تاريخ الاحتفال بذكرى الاستقلال. 

وتتولى لجنة، سيتم تحديد أعضائها واختصاصاتها، التأليف بين مختلف الاقتراحات وتنهي اعمالها قبل جوان/يونيو القادم. ليتم عرض الاصلاحات الدستورية وغيرها على الاستفتاء يوم 25 جويلية/يوليو 2022، وتنظم انتخابات تشريعية وفق القانون الانتخابي الجديد يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.

خارطة طريق طال انتظارها بعد قرارات 25 جويلية/يوليو وما تلاها، لينقسم الشارع التونسي سريعا إلى مساند لمواصلة مسار 25 يوليو ومعارض لذلك. لتندلع الاحتجاجات من الشقين تزامنا مع احتفالات تونس بذكرى الثورة التونسية في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري عوضا عن 14 جانفي/ يناير المقبل كذلك أعلنت أحزاب وشخصيات وطنية عن مساندتها لخارطة الطريق بينما أعلنت أخرى معارضتها مهدّدة بالتصعيد خاصة التنظيم المسمى بـ"مواطنون ضد الانقلاب".

أعلنت بعض الأحزاب السياسية التي دعمت منذ البدايات قرارات 25جويلية /يوليو، تأييدها لقرارات الرئيس قيس سعيد في الدعوة إلى استفتاء دستوري في يوليو المقبل، تليه انتخابات تشريعية في نهاية عام 2022، معتبرة أنها تعبر عن تطلعات غالبية الشعب وتوضح معالم الطريق لسنة قادمة. حيث ثمن حزب التحالف من أجل تونس في بيان له ما جاء في خطاب الرئيس التونسي معتبرا أنه " معبرا عن تطلعات غالبية أبناء الشعب لتحرير البلاد من الفاسدين والعملاء ممن تسللوا لمؤسسات الحكم والدولة والذين ثبت أنه لا يهمهم الحكم إلا بقدر ما يحقق لهم من امتيازات ومصالح خاصة".

من جانبه رحب حزب التيار الشعبي التونسي، بالإجراءات المعلن عنها معتبرا أن "قرارات قيس سعيد بتقديم من ارتكب جرائم سياسية واقتصادية بحق التونسيين هدفها تفكيك منظومة الفساد والإرهاب وفتح المجال أمام الشعب لإعادة بناء وطنه على أسس سياسية سليمة". مفيدا في بيان له، أن الإجراءات الجديدة تعلقت في الأساس بمواعيد الإصلاحات السياسية، مطالبا بتشكيل لجنة للإصلاح السياسي وضبط تشكيلها وصلاحياتها ومدة عملها وإدارتها للحوار المجتمعي على أن تضم خبراء قانونيين واختصاصات أخرى ذات الصلة.

كما اعتبر الصادق شعبان الوزير التونسي الأسبق، أن خطاب الرئيس قيس سعيد يوضح الطريق ويحدد المسار، داعيا إلى مساعدته من أجل تونس ومن أجل دستور جديد ونظام انتخابي حر.ورأى الوزير الأسبق أن قرارات سعيد، ستصنع حياة سياسية أكثر شفافية وتنافسية تستند إلى أخلاقيات. كما دعا شعبان المستثمرين إلى العودة باعتبار أن كل شيء واضح وعجلة الاقتصاد بدأت تتحرك.

ومن جهته قال رئيس الحوكمة ومكافحة الفساد بالبرلمان التونسي المجمّد والقيادي بحركة الشعب بدرالدين القمودي في تصريح خاص لبوابة إفريقيا الإخبارية أن حركة الشعب تعتبر التسقيف الزمني للمرحلة الاستثنائية إيجابي ومهم والاتجاه إلى إصلاح النظامين السياسي والانتخابي ومحاسبة كل من أجرم في حق التونسيين شرط ضروري لبناء مسار سياسي سليم يتجه إلى ما ينفع الناس. مؤكدا أن المشهد البرلماني قبل 25 يوليو/ جويلية كان يتسم بالرداءة والانحراف عن الدور الحيوي على المستوى التشريعي والرقابي للبرلمان، حيث سعت كتل برلمانية إلى ترذيل العمل البرلماني ووظفت مجلس النواب كقاعة عمليات متقدمة لتمرير أجندات اللوبيات والمافيات واللصوص وإسقاط العديد من مقترحات القوانين لفائدة أبناء شعبنا لذلك كان عنوان اللحظة الثورية التصحيحية "الشعب يريد حل البرلمان".

أما من الجانب الآخر، فقد دعت أحزاب القوى الديمقراطية الاجتماعية الحداثية، الممثلة في كل من التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري والتكتل الديمقراطي أنصارها للنزول إلى الشارع يوم 17 ديسمبر بمناسبة الذكرى الـ11 لاندلاع الثورة احتجاجا، على الإجراءات التي أعلنها الرئيس قيس سعيد. واعتبر الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، في تعليق على خطاب الرئيس، أنه يتنزل في إطار سياسة الهروب إلى الأمام، مشيرا إلى ان اعتقاد الرئيس بإعلان تسقيف زمني على امتداد سنة لتنفيذ خارطة طريق للخروج من الأزمة هو بالأساس تعميق لهذه الأزمة.

من جانبها اكدت حركة النهضة رفضها لهذه الإجراءات مفيدة أن خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس قيس سعيد "خطوة أحادية لا تلزم سواه"، حسب تصريحات إعلامية لها.

كما دعا تنظيم "مواطنون ضد الانقلاب" إلى التصعيد والاحتجاج على قرارات الرئيس التونسي الأخيرة، ورغم التشكيك في هذا التنظيم "المفاجئ "الذي اعتبره الحزب الدستوري الحر "تنظيما خطير ولا وجود له قانونا يسمي نفسه مواطنون ضد الانقلاب". مضيفا أن "مواطنون ضدّ الانقلاب" يدعي أنه يضم أحزابا سياسية ومواطنين مستقلين، مما يجعله خارجا عن إطار المراسيم المنظمة للأحزاب والجمعيات ويمكنه من الإفلات من رقابة أجهزة محكمة المحاسبات على التمويل المستعمل خلال تحركاته. "وعبّر الحزب في بيان، عن إدانته اليوم ما وصفه بـ" تظاهر السلطة بعدم إدراك أن التنظيم المشبوه ليس الا غطاء لتحركات تنظيم الإخوان فرع تونس الذي يرأسه راشد الغنوشي وإطارا غير قانوني للمراوغة والتحيل وتسخير تمويلات ضخمة لا حق لأي جهاز في الدولة في مراقبتها."

هذه الخارطة الجديدة للمرحلة السياسية القادمة بتونس لاقت بدورها ترحيبا من القوى الدولية على غرار الخارجية الأمريكية التي قالت في بيان لها "نرحب بإعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن جدول زمني يحدد مسار الإصلاح السياسي والانتخابات البرلمانية". مضيفة" نتطلعإلى عملية إصلاح شفافة تشمل كل أصوات المجتمع المدني وتراعي التنوع السياسي. وأكدت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة "تدعم تطلعات الشعب التونسي إلى حكومة فعالة وديمقراطية وشفافة تحمي الحقوق والحريات”، وتابعت "نظل ملتزمين بالشراكة الأمريكية التونسية".

كما اعتبر الإتحاد الأوروبي أن إعلان الرئيس التونسي عن "المواعيد السياسية الرئيسية، ولا سيما الانتخابات التشريعية والجدول الزمني لتنفيذها سنة 2022، يعتبر خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار المؤسسي والتوازن". موضحا في بيان له  أن نجاح هذا المسار يبقى مرتبطا بالطرق الملموسة لتطبيقها وخاصة رسوخها في القيم والمبادئ الديمقراطية وايضا لشموليتها وشفافيتها. وأكد الإتحاد الأوروبي دعمه لتونس في مواجهتها لأزمة وبائية واجتماعية واقتصادية شاملة في البلاد، ودعمه لها في إطار مناقشتها مع الشركاء الماليين الدوليين. معربا عن عزمه على دعم تونس "كشريك مقرب" على طريق توطيد الديمقراطية في وقت سيدعى فيه الشعب التونسي إلى اتخاذ قرارات سيادية ذات أهمية كبيرة.

يرى الخبراء والمراقبون المحليون والدوليون أن التجاذبات الداخلية بخصوص خارطة الطريق المزمع العمل بها في المراحل القادمة لا يؤثر سلبا على الديمقراطية في تونس طالما لا يمس من الحريات ولا ينتهكها وطالما يحاول الخروج بالبلاد من أزماتها الخانقة خاصة الأزمة الاقتصادية بمواصلة المحاولات لإيجاد الحلول الداخلية والدولية عن طريق صندوق النقد الدولي وغيره.