عند الحديث عن درجات الانتشار لوباء كورونا قياسا بالأرقام العالميّة والحالة العامة للبلاد، ربما تكون ليبيا اليوم أمام اختبار مقلق، لكنها تبقى أفضل حالا من دول وضعها الأمني والسياسي والاقتصادي أفضل بكثير، لكن الإشكال في ليبيا خاصة مع بداية انتشار الفيروس أنه كان هناك تبسيط للأمور واعتبارها عادية الأمر الذي رفع درجة الخطر، لأن الأرقام اليومية المسجلة والتحذيرات المستمرة داخليا وخارجيا من انفلات الأمور قد تقود إلى الكارثة وتهدد بانتشار الفيروس على مناطق أوسع، وسط إمكانيات صحية ومالية صعبة تزيد الأمور تعقيدا.

قبل دخول شهر يوليو كان المركز الوطني لمكافحة الأمراض يسجل أرقاما منطقية في محيط ينتشر فيه الفيروس، وكانت بعض المناطق في وسط البلاد وجنوبها هي الأكثر تسجيلا للإصابات. ومع ذلك كانت تطلق التحذيرات من الاستهانة بالوضعية ودعوات للاحتياط والحذر واتخاذ كل شروط السلامة لكن لم يتم الالتزام بتلك الشروط بشكل حازم لأن الأرقام اللاحقة تثبت أن كورونا بدأ في التفشي بشكل أوسع بشكل جعل المؤسسات الصحية المحلية والدولية تطلق نداء استغاثة بضرورة الالتزام وأخذ أقصى درجات الحيطة.

لكن دخول شهر يوليو كان صفحة جديدة في سجلات المصابين في البلاد. فبعد أن كانت الأرقام منطقية في ظل وضع غير ثابت، تغيرت الأمور نحو مرحلة حرجة تنذر بخطر شديد، حيث تم تسجيل أكثر من مئتي إصابة خلال يومي 20 و21 يوليو الجاري، بشكل يجعل الجميع أمام مسؤولية كبيرة. فإنفاذ قانون الحجر يبدو أنه لا يتم بالشكل المطلوب، والالتزام العام أيضا به قصور كبير، قد يتسبب في تفشٍّ أكبر وهذا خطر كبير لغياب كل شروط المواجهة الصحيّة.

ولا يعتبر عدد الوفيات أيضا قليلا، حيث يقترب من 50 حالة مع توقعات بارتفاعه مع ارتفاع عدد الإصابات. وعدد الوفيات في الكثير من الحالات يتسبب فيه مقربون من الضحايا من الذين لم يقدّروا خطر الاقتراب من كبار السن أو الذين يعانون من أمراض مزمنة، وهنا تدخل المسؤولية الخاصة والوعي بخطورة تجاوز القانون وعدم الالتزام بإجراءات الحجر المفروض اتباعها.

ورغم أن الأيام الأخيرة تمثل انتشارا وبائيا تحذيريا نحو مآلات صعبة لكن هناك جانب آخر تفاؤلي وهو عدد حالات الشفاء الذي يعتبر مقبولا، مقارنة بالإمكانيات الطبية للبلاد، حيث يناهز 500 حالة شفاء من بين العدد الجملي للإصابات الذي يتجاوز الـ2000 إصابة ما يمثل 25 بالمئة مع توقعات بارتفاعها نحو نسب أكثر إيجابية.

والإشكال في ليبيا أن الوباء في أغلب الحالات ينتشر أفقيا، بمعنى أن العدوى تنتقل دون معرفة مصدرها الأول وهذا ما يعقّد عملية ضبطها ويوسع من دائرة انتشارها، خاصة في ظل ضعف عدد التحاليل المجراة وضعف الإمكانيات واهتراء البنية التحتية الصحية أساسا في مناطق الجنوب التي ينتشر فيها الفيروس بطريقة سريعة وتغيب فيها الأطر الطبية وتضعف فيها الإمدادات. وحتى محاولات فرض الإغلاق المتبعة مازالت لم تعط نتائج واضحة وسط حالة أشبه بعدم المبالاة في أكثر من مكان.

المركز الوطني لمكافحة الأمراض الذي يقدّم إفادات يومية حول انتشار الفيروس دعا الليبيين إلى "ضرورة اتباع الإرشادات الوقائية والاحترازية اللازمة لمنع انتشار الفيروس والتي تشمل حظر التجول، ومنع التجمعات، والحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي، والاستمرار في عمليات التعقيم والتطهير والنظافة الشخصية". وهذه الإجراءات في الواقع تمت الدعوة إليها من الأيام الأولى للإصابات وقامت السلطات بإغلاق الحدود وفرض حظر داخل المدن لكن يبدو أن النتائج لم تكن في مستوى الدعوات على الأقل وهذا يفسّر بشيئين؛ الأول أن المواطنين لم يلتزموا بالقرارات وهذا يعتبر خرقا وتهديدا لسلامتهم، وثانيا أن القانون لم ينفّذ ولم يتم الالتزام به وهذا أيضا تقصير تفسّره الظروف العامة للبلاد.

المركز وفي إطار عملية التوعية لم يكتف بإرشادات الحجر والحضر والالتزام فحسب، بل بدأ في وقت سابق بدعوة المصابين الذين شفيوا من الفيروس بضرورة التبرع "ببلازما دمهم للمساعدة في شفاء المصابين، مشيرا إلى أن التجربة الأولى أجريت مؤخرا على حالتين وسجلت نجاحاً". مشيرا إلى أن هناك ثقة لدى الغالبية بأن هذا النداء سيلقى تجاوبا، بل إن البعض منهم قد بدأ بالفعل التوجه نحو مراكز التحليل.

التأثيرات التي سببها فيروس كورونا في ليبيا لم تكن صحيّة فحسب، فالاقتصاد بدورها كان جزءا من المشكل. وهنا ليبيا ليست استثناء في العالم باعتبار أن كل دول العالم تعيش على وقع ركود تاريخي وتأثيرات غير مسبوقة، لكن بالنسبة إلى الليبيين الأمر مختلف لأن الأزمة تتزامن مع توقف شبه كلي لتصدير النفط الذي تبلغ خسائره أكثر من 7 مليار دولار.

تأثيرات كورونا على الاقتصاد الليبي، كانت أساسا في علاقة بالمبادلات التجارية جراء غلق الحدود، كما أن نسبة التشغيلية انخفضت بشكل كبير بعد توقف الكثير من النشاطات حيث أشارت توقعات لوزارة العمل بحكومة الوفاق في مايو الماضي أن 120 ألف شخص مهددون بفقد مواطن شغلهم، كما توقعت أن ترتفع نسبة البطالة إلى حوالي 20 بالمئة وهي رقم مرتفع بالمقارنة مع الإمكانيات المالية للبلاد.

البنك الإفريقي للتنمية بدوره كان متشائما في نظرته لمستقبل الاقتصاد الليبي. فقد أكد عمق الأزمة في ظل فيروس "كورونا"، مشيرا في تقرير له إلى أن "الميزانية الليبية تراجعت بنسبة 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في عام 2020، ومنوها إلى تراجع رصيد الميزانية بنسبة 22.5% في العام 2020، و16.3% في العام 2021".

هذه التأثيرات بالقدر الذي تعمق الأزمة الاقتصادية بالقدر ما تحمل السلطات في البلاد مسؤولية كبيرة في توفير حلول لتغطية الخلل الذي حصل، وقد اتخذت بالفعل بعض الإجراء سواء من الحكومة المؤقتة أو من حكومة الوفاق لدعم القطاع الخاص خاصة في علاقة بالتزامات الرواتب.