يتواصل الغموض في الملف الليبي، مع جمود عسكري مستمر منذ أسابيع، وحراك ديبلوماسي متعثّر. هذا الغموض يعمّقه تحشيد كبير من طرفي النزاع خاصة في محور سرت الجفرة، حيث تواصل قوات الجيش الليبي إرسال التعزيزات إلى المحاور، في مقابل تصريحات متتابعة من قبل قوات حكومة الوفاق المدعومة تركيا، عن اصرارها على الهجوم للسيطرة على هذا الخط العسكري الهام الذي يعتبر خط الدفاع الأوّل على الهلال النفطيّة حيث يوجد الجزء الأهم والأكبر من المنئشآت والموانئ النفطيّة في البلاد.

وبالتوازي مع هذا التصعيد التركي عبر وكيلها المحلي (الحكومة الوفاق) والتحشيد الكبير للهجوم على سرت وجفرة، الذي اعتبره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب سابق من قاعدة سيدي البراني على الحدود مع ليبي،ا بأنّه "خط أحمر"، بالتوازي مع ذلك  تواصل مصر مساعيها الدبلوماسيّة والشعبية والعسكريّة لحل الأزمة الليبية، وفق خطوط مبادرة القاهرة التي كان قد أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أسابيع، والتي تقضي بوقف شامل لإطلاق النار وإخراج المرتزقة من البلاد، والعودة لحوار سياسي ينهي حالة الحرب في ليبيا. 

وفي هذا السياق، اجتمع الرئيس المصري الاسبوع الماضي، مع وفد من مشايخ وأعيان قبائل ليبيا في مؤتمر بالعاصمة المصرية القاهرة، حيث أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي إن "الجيش المصري لن يتدخل في ليبيا إلا بطلب من القبائل الليبية، وإذا تدخل في غرب ليبيا سيغير المشهد بشكل سريع وحاسم".

وأضاف السيسي قائلا :"نحن تحملنا طول السنوات الماضية التوترات في ليبيا، ونحن لا ننشد منها إلا استقرارها لأن مصيرنا مشترك، وبالتالي لن نقبل باقتراب الميليشيات من الحدود المصرية، حتى لو استدعى ذلك دخولنا إلى ليبيا لمنع ذلك، وعندما نقرر الدخول إلى ليبيا نفكر كيف نخرج منها، ولو فكرنا في ذلك سندخل بطلب منكم (القبائل الليبية)، ونخرج بطلب منكم".

جاء ذلك يومين قبل موافقة البرلمان المصري على أن يقوم الجيش بـ"مهام قتالية" في الخارج، وجاء في بيان صدر عن البرلمان "وافق المجلس بإجماع آراء النواب الحاضرين على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الاستراتيجي العربي ضد أعمال الميليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية".

هذا الإصرار المصري على رسم الخطوط الواضحة في الملف الليبي، عسكريا وسياسيا، يقابله إصرار تركي مضاد على انتهاج الخيار العسكري لفرض سياساتها التوسعية في المنطقة وإشباع أطماعها الاقتصادية خاصة رغبتها الكبيرة في السيطرة على العصب النفطي للبلاد.

 وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "زمان" عن مصادر مطلعة في الحكومة التركية، أنّ أنقرة انتهت من إعداد خطة عسكرية ودبلوماسية للتعامل مع احتمال إرسال مصر جنوداً إلى ليبيا.

ونقلت الصحيفة التركية عن هذه المصادر تأكيدها أن أنقرة "تراقب تبعات قرار البرلمان المصري (بالسماح بإرسال قوات مصرية إلى ليبيا) عن كثب". وأضافت المصادر أن تركيا "مستعدة للرد على أي هجوم تتعرض له قواتها المتواجدة في ليبيا أياً كان الطرف الذي يشن الهجوم". وكشفت المصادر أنه بحال إرسال مصر قوات عسكرية إلى ليبيا "فإن تركيا لديها خطة لزيادة قواتها ومعداتها العسكرية الموجودة في ليبيا للوقوف في وجه القوات المصرية"، حسب ما نقلته الصحيفة.

في المقابل أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لنظيره الروسي، سيرغي لافروف، ضرورة التصدي بحزم لعمليات نقل المقاتلين الأجانب والإرهابيين من سوريا إلى ليبيا. وشدد شكري، بحسب ما نقلت عنه بيان للخارجية المصرية، على رفض القاهرة وتصديها لأي تدخلات أجنبية في ليبيا لما تمثله من تهديد خطير على أمن وسلامة المنطقة.

وأكد وزير الخارجية المصرية خلال محادثته الهاتفية مع لافروف ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا إفساحاً في المجال للمفاوضات السياسية.

محليا، قال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، إن القوات الليبية امتثلت للقرارات الأممية السابقة كما امتثلت إلى الدعوات الهادفة لحل الأزمة الليبية سياسياً ومنها مؤتمر برلين.

وتابع المسماري، في مؤتمر صحفي من بنغازي، أن الجيش الليبي رحب بالمبادرات الهادفة لحل الأزمة ووقف إطلاق النار وأخرها "إعلان القاهرة"، مضيفاً أن الجيش أوقف إطلاق النار وقتها مع تمسكه بحق الرد على أي هجوم تشنه ميليشيات الوفاق والمرتزقة الموالين لتركيا.

وشدد على أن الجيش الليبي يؤمن بالحل السياسي للأزمة من أجل مصلحة الليبيين، في نفس الوقت عليه الاستعداد لأي مواجهة عسكرية محتملة في ليبيا.

ووجه رسالة إلى الليبيين، بأن الجيش الليبي يعد العدة لتحرير الوطن من الإرهابيين والتدخلات الأجنبية في البلاد، من خلال تحسين منظومات الدفاع والقوات الجوية ودعم كافة الأسلحة الليبية بالجيش، وقال: "نبشر الليبيين أن الجيش يستعد لنحرير البلاد من الإرهابيين والمرتزقة".

وأضاف المسماري، أن "المعركة تعد خياراً أساسياً ضد الميليشيات والأتراك ومنتهكي القانون، وأن الجيش الوطني ظل طيلة الفترة الماضية يعد العدة لتحرير الوطن"، وتابع "عملنا على إعادة هيكلة غرفة العمليات وخطوط النار وتم تدعيم جبهة سرت بأسلحة ودروع ورادارات ودفاعات جوية".