على القناة الوطنيّة للتّلفزة التّونسيّة، تحدّث المترشّح للانتخابات الرّئاسيّة المنصف المرزوقي مُطوَّلا عن التّنمية في تونس بعد انتخابه رئيسا وكأنّ التّنمية من صلاحيّاته، في حين أنّها من صلاحيّات الحكومة حسب ما ينصّ عليه الدّستور. فالمرزوقي لم يفهم بعد دستور تونس، وما يُسنده الفصل 77 من صلاحيّات لرئيس الجمهوريّة، تنحصر تحديدا في رسم السّياسة الخارجيّة للبلاد والمسائل الأمنيّة والعسكريّة لا غير.

المرزوقي، تحدّث عن التّنمية في مختلف المجالات، مُقدّما نفسه كمنظّر استراتيجيّ للمسائل العلميّة والتّعليميّة وغيرها. وكشف، من خلال عديد النّقاط والبرامج الّتي عرضها على التّونسيّين، أنّه لا يقدر على تجاوز تكرار مشاريع المخلوع تصوّرا فحسب لأنّ الإنجاز سبقه فعلا، وأنّه كعادته لا يمكن إلا أن يكون انتهازيّا مصابا بتضخّم الأنا.

أوّلا: كان من بين ما ركّز عليه خطابه الانتخابيّ، برامج التّعاون المستقبليّة مع الجامعة اليابانيّة لفتح آفاق التّعليم لشبابنا الطّالبي وباحثينا. هذا البرنامج، الّذي قدّمه مفتاحا لمستقبل تونس التّعليميّ والتّكنولوجيّ، هو في حقيقته برنامج وقع إقراره من طرف نظام الرّئيس المخلوع "زين العابدين بن علي" منذ سنة 2003، في نطاق الشّراكة بين جامعة "سوكوبا" اليابانيّة والقطب التّكنولوجيّ ببرج السّدريّة. فقد منحت اليابان قرضا بـ 100 مليون دولار لتونس لإنجاز هذا المشروع المشترك، وتمّ سنة 2003 إمضاء اتّفاقيّة عن طريق JICA الممثّل الرّسميّ لليابان في تونس. وفي إطار هذه الاتّفاقيّة قام عديد الباحثين من قطب برج السّدريّة بمهمات رسميّة إلى اليابان لتأهيلهم في الغرض. فأين الجديد في هذا المشروع الّذي انطلق منذ ما يزيد عن العشر سنوات؟ على من يكذب المرزوقي، والحال أنّه بإمكان أيّ مواطن تونسيّ أن يعود للصّحف التّونسيّة الصّادرة في تلك الفترة ليطّلع على كلّ الجزئيّات؟

ثانيا: تباهى بالحديث عن الجامعة الألمانيّة التّقنية في تونس، كمشروع سيرى النّور معه. للتّذكير فقط، هذا المشروع وقع الاتّفاق عليه سنة 2004-2005 بين جامعة الوسط/جامعة سوسة الآن وبين جامعة "كالسرو" الألمانيّة. ومن بين ما ورد في الاتّفاقيّة، شراكة بخصوص إحداث مركز بحث في "النانوتكنولوجيا" و"الميكرو إلكترونيك" بالقطب التّكنولوجيّ بسوسة، وكذلك مركّب جامعيّ تقنيّ للغرض في نفس الاختصاص. فأين إذن الإحداثات الجديدة الّتي تكلّم عنها المرزوقي، خاصّة وأنّ مركز البحث انتهت أشغال بنائه منذ سنة 2009، وهو الآن بصدد التّجهيز الّذي دام كامل سنوات حكم المرزوقي ولم ينته بعد؟

ثالثا: تحدّث عن التّنمية، خارج سياقات مهامه كرئيس للجمهوريّة وفق ما ينصّ عليه الدّستور، ولم يتحدّث في لقائه التّلفزيّ عن علاقات تونس الخارجيّة وما فعل بها وبتونس من "تشليك" ولعب "هواة السّياسة". المجال لا يتّسع لذكر أفعاله. فقط، نُذكّر بأنّه قطع العلاقات الدّبلوماسيّة مع سوريّة الصّامدة في وجه العدوان الإسرائيليّ والصّهيونيّ الأمريكيّ، وترك 4000 مواطن تونسيّ يُعانون الأمرّين. ووقف يخطب في الأمم المتّحدة متدخّلا في شؤون مصر، فكان أن اتّخذت هذه الأخيرة موقفا حازما، تلت ردّة فعل قويّة من أغلب بلدان الخليج العربيّ، في مقدّمتها الإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين الّتي استدعت سفيريها بتونس. كما طالب برحيل الرئيس السّوريّ بشّار الأسد، وقال أنّه يمكن أن يُنهي بقيّة حياته في روسيا، فكان أن ردّ عليه "بوتين" بما يتناسب وتدخّله في شؤون روسيا الدّاخليّة، ونبّه عليه باحترام نفسه. أمّا عمّا فعله بعلاقاتنا مع ليبيا والجزائر فحدّث ولا حرج. يكفي أن نستحضر تعامل الحكومة الجزائريّة مع رئيس الحكومة التّونسيّة مباشرة، دون إيلاء أيّ اعتبار للمرزوقي.

رابعا: "يَرْحَم بُوك" يا سي المنصف المرزوقي، وأنت الّذي تدّعي كونك رمزا وطنيّا وعالميّا لحقوق الإنسان وتلميذ "غاندي" و"نيلسون مانديلا"، إسحب شهادة التّبريز وشهادة الأستاذيّة في الطّبّ، باعتبار التّبريز في الطّبّ الجماعيّ تحصّلت عليه بطريقة غير قانونيّة. لقد كان المنصف المرزوقي أستاذا مساعدا استشفائيّا جامعيّا في طبّ الأعصاب، وفي نطاق تشجيع الأساتذة العاملين بكلّيّة الطّبّ بالمنستير، اتّخذ الزّعيم الحبيب بورقيبة سنة 1982 قرارا استثنائيّا لتمكين المرزوقي من إجراء مناظرة التّبريز في اختصاص غير اختصاصه الّذي هو الطّبّ الجماعيّ. وهذا، يعكس انتهازيّة المرزوقي بخروجه من اختصاصه طبّ الأعصاب، وبإفراده بمناظرة أولى وأخيرة في مدينة المنستير عكس كلّ المناظرات الّتي تُجرى جميعها قديما وحديثا في تونس العاصمة لكلّ الأطبّاء سواسية. ولأنّه غير متمكّن من هذا الاختصاص الّذي أصبح فيه بقدرة قادر أستاذا مبرّزا، تداركت الدّولة هذا الأمر، وأرسلت المرزوقي إلى "مونريال" بكندا ليتكوّن على نفقتها لمدّة 4 سنوات في اختصاص تحصّل على التّبريز فيه قبل أن يتمكّن منه أصلا. ولأنّه يحظى بدعم خاصّ دائم من مؤسّسات الدّولة، تدخّل "بن علي" بنفسه لفائدة المرزوقي سنة 1989 ليصبح أستاذا استشفائيّا جامعيّا في الطّبّ. وكيف لا يتدخّل لفائدته "بن علي"، وقد سبقه المرزوقي بمقالات المديح و"التّطبيل" المنشورة بالجرائد التّونسيّة، وأشهرها دعوة الشّعب التّونسيّ لانتخاب "بن علي" رئيسا لتونس بنسبة 99 بالمائة كاملة، تعكس عقليّة من يدّعي الدّيمقراطيّة والنّضال الحقوقيّ.

هذه، أربع نقاط على الحساب للدّكتور المنصف المرزوقي، الطّفل المدلّل لبورقيبة ثمّ لبن علي، وصاحب التّرقيات الاستثنائيّة في الطّبّ، والجوائز المُهداة له خصّيصا، قبل أنْ ينقلب على أصدقائه الرّؤساء لأنّهم لم يُلبّوا أمنيّاته المتوالدة...، وقبل أن يعود لملاقاة "بن علي" في قصره بالحمّامات في أوت 2010، أين اتّفقا على دخول المرزوقي لحكومة قادمة...