إذن، عليكم، يامن كنتم نائمين في العسل، معتقدين أنكم أبناء وبنات شعب واحد، سليل حضارات عريقة، هو الشعب التونسي، ان تراجعوا أصولكم السحيقة، وتتبينوا منبتكم الحقيقي، ماهو ؟

إعترفوا أن رئيس الدولة المؤقت قد باغتكم بإعلانه عن وجود شعب آخر، بدلا عنكم! إنه "شعب المواطنين"، فإما ان تنضموا إليه وإلى "حراكه"، أو أن تبحثوا لكم عن شعب يأويكم، ولكم الله!

ما عسى حركة النهضة تفعل الآن وقد سطا محمد منصف المرزوقي على قواعدها التي أعارتها إياه ليمدد البقاء في قصر قرطاج، في مهمة تحدد له تفاصيلها في حينه؟ هل تعجبها اللفة التي أتاها وتظل تراقب تأثيرها على حركة نداء تونس في عملية تشكيل الحكومة الجديدة؟ أم هي ستدلق دلو ماء بارد على وكيلها إلى الإنتخابات الرئاسية، وتأمر قواعدها بالعودة، لأن وقت الإعارة قد نفد؟

على كل، فقيادات النهضة العليا والوسطى، يبدو أنها عقدت او هي في اجتماع ماراطوني للنظر في الخيارين؟ وبأتي هذا الإجتماع، إن صح، بعيد إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، إشادة واشنطن بفوز الباجي قايد السبسي في الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية، وبنجاح التجربة الديمقراطية السلمية في تونس، وبعزم الولايات المتحدة العمل على تطوير العلاقات التونسية الأمريكية، على المستويين، الرئاسي/ الحكومي والبرلماني!

وبقراءة متأنية لهذه الرسالة الديبلوماسية، بماانها صادرة عن وزارة الخارجية، يمكن أن نستنتج بيسر أن أمريكا قد طوت صفحة دعمها لتنظيم"الأخوان المسلمين" ممثلا في فرعه بتونس ، حركة النهضة. غير إن الجانب الثاني من مضمون الرسلة، هو التأييد لتركيبة مجلس نواب الشعب الذي تتموقع فيه حركة النهضة بثلث مقاعده! أي إن الإدارة الأمريكية الحالية المنهكة بتبعات توسع تنظيم "داعش" بين سوريا والعراق، وما يلاحقها من جرائه من اتهامات طالت الرئيس أوباما، لاتريد ان تجازف بدعم أو حتى بالسكوت على مؤامرة إشعال فتنة في تونس بدعوى الخوف من عودة الإستبداد، والإنتصار لمرشح "الديمقراطية الحقة،ورافع لواء الحرية واستمرار الثورة". ثم إن المخابرات الأمريكية هي أول من يعلم أن محمد منصف المرزوقي الذي لم يحصل حزبه سوى على أربعة مقاعد في الإنتخابات التشريعية التي انتظمت في نهابة نوفمبر الماضي، كان فقط ينوب حركة النهضة أساسا في الإنتخابات الرئاسية وليس هو القائد الفعلي للمليون و300 ناخب وناخبة الذين أهدوه أصواتهم في الدور الثاني من تلك الإنتخابات، وقبله بعدد أقل في الدور الأول منها! كما أنه لم يكن خافيا على أمريكا ان تلك كانت خطة حركة النهضة كي تغرس نائبا مطيعا عنها في قصر قرطاج ذا مهمة محددة، هي إفشال كل مسعى للنظام الجديد لإصلاح مفاسد الفترة الماضية، والتعجيل بحل مجلس نواب الشعب، علها تنجح عند أول فرصة قادمة في العودة إلى اعتلاء سدة الحكم! لكن إلى هذا الحد، تعتبر هذه المناورة جزء من اللعبة السياسية، تعاب عليها حركة النهضة أخلاقيا، لأنها ادعت الحياد ولم تفعل، ولكن لاتعاب عليها سياسيا،لأنه من حقها أن تناور، وهذه عادتها، لبلوغ أهدافها! أما مالاتوافقها عليه أمريكيا وكان واضحا من رسالة وزارة خارجيتها، هو أن تتحول المناورة السياسية، بعد أن باءت بالفشل، إلى تخطيط فعلي لأعمال عنف قد تصل لاقدر الله إلى احتراب التونسيين فيما بينهم! فالولايات المتحدة بحاجة إلى مثال واحد على الأقل، وهو مابقي، بأن الربيع العربي أمكن له أن ينجح سلميا وديمقراطيا عندما توفرت له عوامل النجاح، وأن تجد لها دليلا واحدا على الأقل، بأنه ليس صحيحا أن خطة أمريكا كانت زرع الفوضى في الخارطة العربية لتنبت فرقة وانقسامات واقتتالا عبثيا!

وحتى الأوربيون، بما تضمنته تغطيات أجهزة إعلامهم وتعاليقها من إشادة بالإنتخابات التونسية، لدرجة وصف تونس بسويسرا المنطقة العربية، لن يرضيها أن ينقلب العرس إلى مأتم!

من بقي؟ دولة قطر؟ هاهي غارقة في خضم حظيرة إعادة بناء علاقاتها مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي، ومع مصر التي تأذت مثل تونس وأكثر من سياساتها. ولعل ماتردد من أخبار،إذا كانت صحيحة، عن قرار أمير قطر بتسليم الشيخ القرضاوي إلى الدولة المصرية، إنعكاس لمحصلة تلك المفاوضات أو الضغوط!

فمارأي ساكن قرطاج قبل رحيله؟ هل صدق فعلا أن من صوتوا له هم أنصاره الفعليون؟ وهل ذهب به الزهو إلى حد الظن بأنه الأولى برئاسة البلاد، حتى لو بالبحث عن شعب جديد إبتدع إسمه من خياله، أو من رواسب ماض لاهو ملكه ولاملك من أجَّر له غالبية ناخبيه، "شعب المواطنين" ! فحتى وهو يردد هذه التسمية النشاز، كان جانب من الجمهور الواقف أمامه يردد له، عله يفهم ويتدارك خطأه أو جرمه في حقهم، " الشعب يريد.. النهضة من جديد"!!

الكرنفال انتهى..وبعد انتهاء الكرنفالات ينزع المشاركون فيها أزياءهم التنكرية ليعودوا إلى سالف أنشطتهم العادية في الحياة!

أما من سيظل يظن بأن الكرنفال هو الواقع..فأمره عندها يرجع إما للطب النفسي أو للعدالة، بحسب ماقد يرتكبه من خروقات قانونية في حق غيره، وحتى في حق نفسه!

إعلامي ومحلل سياسي تونسي مقيم في دبي