حميد زناز

 نعاني من ظاهرة خطيرة هي المزج بين السلوك التعبدي المفروض دينيا  و هو عبارة عن  علاقة بين   الله و الانسان و السلوك الاخلاقي النابع من ضمير الفرد و عقله و الذي هو أساسا علاقة بين الانسان  و ذاته من جهة و بين الانسان و الانسان من جهة اخرى. في المجتمعات الاسلامية أو ذات الأغلبية الاسلامية هناك تسبيق للدين على العلم  و التفكير و على كل شيء و هذا هو السبب الذي يجعل المسلمون يتصرفون ليس حفاظا على قيم أثبتت نجاعتها بل يتصرفون كيلا تصطدم سلوكاتهم الحاضرة مع الكيفية التي فهموا بها تعاليم دينهم و حتى و إن اثبت الواقع عدم فاعليتها و أحسن مثال على ذلك دعوة الكثير من رجال الدين إلى ردع فيروس كورونا بالدعاء ، و اعتبار الكثير من المسلمين أن هذا الوباء عقاب من الله في بداية الأمر ثم تحول فجأة في خطاباتهم إلى ابتلاء من الله حينما وصل إلى البلدان الاسلامية! في جمهورية الملالي خرجت فتاوى كثيرة أغربها ما جاء به رجل الدين عباس موسوي حينا اعتبر كورونا "فيروس علماني" هدفه القضاء على الاسلام و نشر الالحاد بين الايرانيين. 

يبدو واضحا أن مرد الازمة الاخلاقية هو انعدام ثقافة العلم و التفكير المنطقي و النقدي. كيف يمكن أن يجد الأصولي السيد ابوالنعيم في المغرب آذانا تصغي اليه و هو يقول أن المغرب أصبح دار حرب اذا قرر منع الصلوات في المساجد بسبب كورونا! و قد وجد الكثير من الشيوخ و الائمة الذين استهجنوا ايقاف صلاة  الجماعة مناصرين  في كل البلدان العربية الاسلامية! و الأدهى و الأمر أن بعض المصلين تمردوا في الجزائر على قرار وزارة الداخلية و فتوى وزارة الشؤون الدينية و بدؤوا ينظمون صلوات جماعية أمام ابواب المساجد الموصدة و أدوا حتى صلاة الجمعة في مستودعات بعيدا عن أنظار السلطات.

 و بمنظور فلسفي عام ، ليس هناك منظومة أخلاقية إسلامية بالمعنى الحقيقي لكلمة اخلاق كما تحدثنا عنها في مطلع المقال. هناك مجموعة تعليمات و توجيهات مستلة رأسا من  آيات و أحاديث و قصص يعود المسلمون إليها كلما   تطلب الامر ذلك، كلما وجدوا انفسهم أمام معضلة من المعضلات الجديدة.. و لكن لا أثر لتلك القصص القديمة و لا أثر على الواقع . ماذا عسانا أن نجد  من حلول لأزمة صحية كالتي نعيش في هذه الايام مثلا أو أزمة 2008 المالية و غيرهما؟ 

 في مجتمعاتنا الاسلامية أو ذات الاغلبية الاسلامية نجد خطابا مثاليا في المساجد و المدارس و وسائل الاعلام يؤمثلنا كأناس ننتمي إلى خير أمة أخرجت للناس و لكن لا أثر لذلك في الواقع حيث يسود الاحتيال و الغش و حب الذات المرضي . يتلذذ الناس في سماع   عبارة"النظافة من الايمان و الوسخ من الشيطان" في المساجد و لا يكترثون بواقع شوارعهم المزري حينما يغادرون المسجد وسط القمامة المتراكمة في بعض البلدان .. و هذا يدل على أن ذلك التدين الشعبوي أثبت عجزه في أخلقة الحياة و بات الشرخ واضحا بين القول و الفعل ..  لسبب بسيط هو أن المدرسة و العائلة و مختلف وسائل التنشئة لا تعمل على تكوين ذات أخلاقية مستقلة تصهر ضمير النشء عن طريق المعرفة و التجربة الشخصية و اللغة و إنما عن طريق التخويف و الترغيب و الاوامر  و الضرب كوسيلة إقناع.. من المحزن أن نجد في القرن الواحد و العشرين من لا يزال يخطب و يدرس في المساجد بجواز ضرب الطفل لإرغامه على الصلاة إن بلغ من العمر 10سنوات! فهل يمكن تكوين مواطنين أسوياء يتمتعون بعمق أخلاقي عن طريق  العنف ؟ 

ما يميز المجتمعات الاسلامية عموما هو  أنها لا تزال تستمد أخلاقها من الماضي  و يشعر مواطنوها في  أغلبيتهم  أن كل العالم يتآمر عليهم و يحارب دينهم . و هذا ما جعل المنظومة الاخلاقية العربية- الاسلامية تتحول مع الايام و ضغط الاصوليين إلى شبه قفص فقهي دفاعي أساسا و ليس تفكيرا اخلاقيا مبدعا . و حينما يكون  الانسان مقيما في هذا الحجر التاريخي، لا يمكنه التأقلم الايجابي  لا مع الحياة الطبيعية و لا مع  الازمات، مالية كانت أو صحية ..