مصطفى حفيظ

منذ الإعلان عنها مؤخرا، ما تزال "مبادرة لمّ الشمل" أو "اليد الممدودة" التي أطلقها الرئيس الجزائري تبون تثير العديد من التساؤلات وسط الطبقة السياسة حول مضمونها، من سيستفيد منها، وما إذا كانت ستشمل المعارضين السياسيين في الخارج، وإن كان يُقصد بها مشروع مصالحة حقيقية بين السلطة وخصومها السياسيين، أم هي دعوة لحوار سياسي جاد كثيرا ما انتظرته الساحة السياسية، سواء من الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة، أو حتى النشطاء السياسيين والنقابيين والحقوقيين، أو كل من ارتبط اسمه بما عُرف بـ "الحراك الشعبي" بين 2019 و2021. 

قبل إطلاق السلطة لهذه المبادرة، كانت الساحة السياسية في الجزائر شبه ميّة، فمنذ آخر استحقاق انتخابي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ساد ركود سياسي غير مسبوق، كما لو أن الأحزاب السياسية انسحبت من المشهد السياسي وانزوت في مقراتها الحزبية تاركة الساحة لمعارضة غير تقليدية تمثلت في غالب الأحيان في أصوات نشطاء ما يُسمى "الحراك"، والذين هم في الغالب معارضين سياسيين مستقلين أو من أحزاب مُعارضة بالكاد أصبحت موجودة في الميدان، إذن، باستثناء الناشط السياسي المعروف وهو كريم طابو، القيادي السابق في جبهة القوى الاشتراكية ومؤسس حزب الاتحاد الديموقراطي الاجتماعي، الذي كثيرا ما اعتقلته السلطات الأمنية نتيجة تصريحاته المعارضة، اختفت الأصوات الأخرى التي كان يُسمعُ لها صوت من هنا وهناك كالأحزاب الإسلامية مثلا التي حاولت أن تمثل المعارضة القوية للسلطة لكنها فشلت في احتواء الساحة، أو مثلا أحزاب اليسار كحزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية (افافاس) و التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية (الأرسيدي) والحركة الديموقراطية والاجتماعية (أمدياس)، إذن تركت هذه الأحزاب الساحة لمعارضة " الخارج "، ويُقصد بها أولئك السياسيون والنشطاء المعارضون للسلطة، والذين كانوا فعالين طيلة أيام "الحراك الشعبي"، منهم المعارض السياسي "العربي زيطوط" مؤسس حركة رشاد التي صنفتها السلطات الجزائرية "حركة إرهابية"، وآخرون أمثال الإعلامي وضابط المخابرات سابقا هشام عبود، أو أمير بوخرس الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون من الذين صدرت في حقهم مذكرات اعتقال في حقهم.

ولحد الآن، كل ما هو متوفر بشأن هذه المبادرة هو أنّ السلطة تريد "تكوين جبهة سياسية داخلية متماسكة" على حد قول الرئيس تبون، ولم يقدم مزيدا من التفاصيل باستثناء أن السلطة ستعقد لقاء شاملا مع الأحزاب في الأسابيع المقبلة، بعد سلسلة لقاءات جمعته بقادة هذه الأحزاب مؤخرا، وكثر الحديث في الساحة السياسية والإعلامية بعد إطلاق هذه المبادرة التي فُهم منها بأنها مشروع مصالحة وطنية جديدة، وانفتاح السلطة على كل الشركاء السياسيين موالاة ومعارضة، تماما مثلما نجحت فيما سبق في عهدة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في 2004، وطبعا كانت المصالحة وقتها تعني التصويت لصالح مشروع يقضي بنزول الذين تورطوا في الإرهاب واعلانهم توبتهم وترك السلاح، وشهدنا تلك الأعداد الهائلة التي نزلت من الجبال وقتها واستفادت من إجراءات العفو، مع ذلك بقيت فلول الإرهاب تنشط هنا وهناك إلى بداية 2011 عندما تحولت الجماعات الإرهابية إلى النشاط خارج حدود الجزائر، بالضبط في الساحل وشمال مالي، لكن اليوم مع تغير المعطيات قليلا، لا نعرف إن كانت تريد السلطة بهذه المبادرة لم شمل الجزائريين بمختلف الأطياف السياسية أم أن المشروع يستهدف المعارضة في الخارج، والتي تورطت بشكل ما في مجابهة السلطة خاصة في فترة ما عُرف بـ "الحراك الشعبي"، وهل سيقتصر الأمر على أسماء معينة فقط دون تلك التي تورطت بشكل ما في تأجيج الحراك وتحويله عن مساره.

تبدو الجبهة السياسية الداخلية مستعدة لهذه المبادرة لكنها متوجسة من مضمونها، وما إذا كانت ستشمل جميع المعتقلين السياسيين مثلا، وهل سيكون هناك مزيد من الانفتاح من جانب السلطة على الشركاء السياسيين مثلما تطالب بعض التيارات السياسية كالتيار الإسلامي بقيادة حركة حمس التي طرحت رؤيتها وشروطها للمشاركة في الحكم عندما عرضت عليها مناصب في الحكومة بعد انتخابات البرلمان، بينما آثرت المعارضة بعدما لم تجد قبولا لأي من شروطها، وكان هدفها هو مدى جدية السلطة لإجراء حوار وطني استراتيجي لخدمة البلد، وليست حمس فقط، بل العديد من التشكيلات السياسية كانت ترغب في اطلاق حوار سياسي شامل يجمل السلطة بجميع الأطياف السياسية من المعارضة والموالاة، مثلما حدث في تلك المبادرة التي أطلقتها السلطة في عهدة بوتفليقة واستقبلت فيها قيادات سياسية كانت قبل ذلك محسوبة على المتورطين في العشرية السوداء، والمقصود من كل هذا هو هل ستتكرر التجربة التي نجح النظام السابق في كسب المعارضة والموالاة معا وقتها، أم للسلطة حسابات أخرى.

يُنتظر أن تم الإعلان عن فحوى هذه المبادرة ومن المقصودين بلم الشمل، لأن مضمون عبارة "اليد الممدودة" فيها دلالة واضحة على أن السلطة تريد مصالحة خصومها من المعارضة، أو بعبارة أدق، العفو عن المعارضة في الخارج من تلك التي تورطت بشكل ما في تأجيج غضب الشارع في الجزائر منذ اندلاع الحراك، أمثال هشاد عبود، وفضيل بومالة وأمير بوخرس (أمير ديزاد) أو العربي زيتوت، أو الإعلامي المعارض سليم صاحي أو الضابط المنشق كريم مولاي، علما أن السلطة كانت قد أصدرت مذكرات اعتقال في حق بعض هؤلاء، ووصفت حركة "رشاد" وحركة "الماك –حركة استقلال القبائل" بالارهابية، إذن، ما يثير الكثير من التساؤلات بخصوص هذه المبادرة هو هذا الشقّ المتعلق بالمعارضة في الخارج، لأن المؤكد هو أن إمكانية العفو عن بعض من هؤلاء سيكون أمرا صعبا إن لم يكون مستحيلا، فهل ستعفو السلطة هم هؤلاء؟ أي هل سيكون هؤلاء المعارضون معنيون بلم الشمل؟ أم لتبون رؤية أخرى عندما قال بأن المبادرة تعني "تقوية جبهة سياسية داخلية متماسكة"؟ أم هل الوضع الدولي والإقليمي الراهن المشحون بالتجاذبات السياسية الدولية مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وارهاصات الحرب الباردة بين روسيا والغرب ومستقبل الجزائر في ظل هذه الأوضاع هو ما يجعل السلطة تسعى لتقوية جبهة داخلية استعدادا لأي احتمالات تهدد أمن وسلامة البلاد؟