استعادة الجيش الليبي (هل ثمة جيش أصلاً؟) لقاعدة «تمنهنت» الجوية في سبها (إن صحّت) لا تغير كثيراً في صورة الانهيار شبه الكلي للدولة الليبية الهشة وغير القائمة على أرض الواقع، والتي تبدو مرشحة لمزيد من التصدع والتفتت والتحوّل إلى صومال أخرى سواء بدرجة «سبعة نجوم» أم بدائية، على ما هي الحال في تلك البلاد البائسة المُسمّاة الصومال والتي تم «إدخالها» إلى الجامعة العربية فلم تفدها «عروبتها» المُدّعاة بشيء، كذلك كانت حقل تجارب وساحة تدريب بالذخيرة الحيّة يجري اصطياد الأبرياء الصوماليين ومطاردتهم، بحثاً عن حديقة خلفية أو مجال حيوي سواء من قِبَل حكام اثيوبيا المُلقى على عاتقهم تنفيذ المخطط الأميركي للقرن الإفريقي تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، ومحاربة قراصنة البحر الصوماليين، ولم يكن قرار البيت الأبيض بإرسال طواقم «مستشارين» عسكريين ومدنيين إلى مقديشو مؤخراً، إلا جزءاً من هذا المخطط، أم كينيا التي لا تخفي حكومتها (وهي غير بعيدة عن التبعية المُطلقة لواشنطن والتحالف الأمني والعسكري مع تل أبيب) ودخول قواتها المتكرر إلى الأراضي الصومالية، يفضح هذه السياسات الامبريالية التي تلتقي كلها عند إبقاء الصومال في حال من التشظيّ والتفكك والاحتراب، رغم مرور أكثر من عقدين على انهيارها..
ماذا عن ليبيا؟
الغرب المتنوّر الداعم للديمقراطية وحريات الشعوب والرافض للاستبداد والديكتاتورية «أنقذ» الشعب الليبي من ظلم العقيد القذافي وفساده، وكما هي عادة الغرب الاستعماري عند «إعادة» بناء الدول، قام بتقديم «القيادة» الديمقراطية لليبيا الجديدة، والتي في معظمها كانت مهاجرة ومغتربة وبعضها يمكن وصفه بالمستشرق، بكل ما يحمله هذا المصطلح من معانٍ ثقافية وسياسية وسسيولوجية لكنها «إرادة» المُستعمِر الذي قاد «الثورة» واسهم، في هزيمة الديكتاتور وبات صاحب قرار، حتى لو جلس خلف الستارة او حمل صفة المستشار والخبير و»الصديق» على النحو الذي «كانه» الفيلسوف المتصهين بيرنار هنري ليفي..
ان تبقى ليبيا بعد ثلاث سنوات على «انتصار» ثورتها، في حال سيولة وفوضى وخضوعاً لهيمنة الميليشيات والقبائل والعشائر، وخضوعاً لمزاج امراء الحرب وقادة الاحياء والمدن والقصبات، يعني ان قرارا «غربياً» بهذا الشأن، قد إتُخذ منذ فترة وهو ما يزال ساري المفعول، والا لماذا كل هذا «الإعراض» الاوروبي وخصوصاً الاميركي، عن تلك البلاد التي تعج بالفوضى وتنذر بالتحول الى افغانستان اخرى؟ ليس بالضرورة ان تكون نسخة ثانية، من طالبان (افغانية أم باكستانية) لكنها بالتأكيد لن تجد ضيرا او حرجا في انتسابها الى القاعدة ومبايعتها للأمير الاكبر سماحة المجاهد ايمن الظواهري، تمددا وامتداداً لجماعة انصار الشريعة في تونس (لا تنسوا الجزائر أيضاً) وقريباً جداً من الجماعات المسلحة الاخوانية والتكفيرية التي «برزت» في فضاء مصر وصحرائها (سيناء) مباشرة بعد اطاحة محمد مرسي..
هل قلنا مصر؟
نعم.. ثمة ما يمكن الحديث عنه في شأن الترابط الوثيق، بين ما يحدث في مصر وما بدأت تأخذه الاحداث في الهضبة الافريقية (ما تُوصف به ليبيا جغرافيّا) وهي البلاد المرشحة (دققوا جيدا) لتكون مقرا للقيادة العسكرية الاميركية الافريقية (افريكوم) والتي لم تجد لها «حتى الآن» مقرا دائماً في اي من دول الشمال الافريقي، بعد ان رفضت الجزائر طلبا اميركيا في هذا الشأن، وبخاصة ان الماركة التجارية لهذا الحضور الاميركي الثقيل هي «الحرب على الارهاب».
ما بالك أن دول شمال افريقيا العربية على وجه الخصوص، باتت ساحات مفتوحة للحركات الارهابية تمويلاً وتسليحا وتدريبا واحتضانا ودعما من لدن احزاب ودول وجماعات تسعى لاقامة دولة الخلافة وإعلاء راية الإسلام (..).
مصر، اذاً في عين العاصفة باعتبارها الجائزة الكبرى التي تريد واشنطن استعادتها، بعد ان فقدتها (وان على نحو غير نهائي حتى الآن) ويمكن للمرء ان يلحظ بوضوح حجم «المرارة» الاميركية من سقوط سلطة الاخوان المسلمين في مصر، من خلال التعليق «الطازج» والمراوغ الذي ادلى به وزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي قال: إن الديمقراطية في مصر لا يحددها استفتاء الدستور-مستطرداً-لكن العبرة بالخطوات التي تتبعه(!!).
إنها ثقافة الغطرسة والاستعلاء التي تميّز سلوك الكاوبوي الأميركي الذي لا يقيم وزناً لإرادة الشعوب وحقوقها المشروعة وخصوصياتها الثقافية.
قصارى القول إن حكاية احتلال «أنصار القذافي» لقاعدة جوية ورفع العلم الأخضر «ما غيره» عليها، ليست سوى تجليات لحال الفوضى السائدة وإشارة إلى المجهول الذاهبة إليه ليبيا الجديدة بقرار غربي وتواطؤ عربي.
 

صحيفة الرأي الاردنية