رحل الاستعمار لكن التشظي ظل قائما ومسورا بالضغائن والأحقاد , وشوفينية رخيصة عمياء تفترض تمايزا بين الأشقاء وفروقا حاول بعض الذين في قلوبهم مرض تعميقها خدمة لأهداف ورؤى ترتبط بخيوط صار لابد من الأعتراف أنها لا تطمئن لغيابها عن تفاصيل المشهد العربي برمته . المعادلة أبسط من عملية جمع رقمين في خانة الآحاد, المعادلة لا تحتاج في واقع الأمر لآلة حاسبة أو مؤتمرات ولقاءات وورش عمل.

المعادلة التى تعربد فى أنهار الدماء العربية أكثر بساطة مما يعتقد أهل الحل والعقد . شفرة هذه الأحجية تكمن (( وبمدرسية فادحة )) في القراءة الواعية لتاريخ الأمة لا أكثر .. وقراءة التاريخ فى هذه المرحلة بالذات تحتاج الى ما يمكن وصفه بوعي الضرورة , وهو الحرية فى التعاطي مع مفاصل ذلك التاريخ بعيدا عن مأزق الاضافات ( العنعنات التأريخية )التى تهاطلت من أولئك الذين في قلوبهم مرض , والذين تناسلوا منذ بواكير الفتوحات الاسلامية التى قادها العرب ونشروا من خلالها منظومة القيم التى ارتكزت عليها بعد ذالك مداميك الحضارة العربية الاسلامية .

لابد لنا __ في تقديري __ ونحن نتصدى لقراءة هذا السفر العظيم من فرز ما أتفق على وصفه بالأنجازات التراكمية التى حققتها الأمة وهي تؤسس لملحمة حضارية  فتية ونابضة بالثقة .. ملحمة أعترف بها الجميع فى ذلك الوقت . لابد لنا ونحن نقف أمام مهابة ذلك التاريخ وجلاله, أن نطمئن للاحساس بالعزة وهي تغمرنا ونحن نرحل فى تفاصيل النسيج الذي أبدعه صناع النهضة الحضارية العربية الأسلامية وهم يستوعبون حضارات الآخرين ( الفرس والروم والهند واليونان ) ويحاولون هضمها واعادة انتاجها , وفقا لمرجعية تتضافر فيها أسس الدين الحنيف مع الأجتهاد المعرفي  والأنتماء .

لا نحتاج ونحن نلج بوابات تاريخ الأمة لأكثر من الوعي الذي يفترض الانفتاح المناوئ للأنفلات, لابد أن تكون كل النوافذ مشرعة للهواء يتجدد وللضؤ ينير ,ولابد مما ليس منه بد وهو الأتفاق على الأنتماء العروبي مثلما ينتمى الألمان والطلاينة والبرازيليون والتايلنديون وسكان الأسكيمو وأهل التبت لأوطانهم وأممهم .. أنتماء يخلو تماما ونهائيا من أي عنصرية أو شوفينية أو محاولة فرض أي مسألة تضر بالمكونات الأخرى التى تؤمن بأنتماء عرقي آخر .. ففي الوطن العربي مثلا للأمازيغ والطوارق والتبو والأكراد والذين يؤمنون برسالة موسى عليه السلام والأشوريين كافة الحقوق المترتبة على مبدأ الوحدة والتنوع.

ان أهمية ذلك تكمن في ضرورة توافر أشتراطات الموضوعية , والنظر للمسألة من داخلها , برؤية تتوخى التوصل الى حلول ومفاتيح لما يعصف بالأمة حاليا من محن وهوان ومهانة.

كان الشاعر العظيم المتنبي وهو يخاطب منازل الأحبة يدرك بوعيه العالي مأزق القوم وهم يتخبطون في فهم بساطة المعادلة منذ ذلك الوقت .. ويلوذون بدلا من ذلك بالأستكانة لمرض يداهم بعضهم في استعادة لمشهد العجل في سيناء وهو يخور أمام القوم المرتبكين .. الخائفين .. المشككين .. التائهين .

كان التشرذم قد تحول الى فلسفة , والهزائم التى جرها تحولت هي الأخري الى اثقال تهوي بالأمة الى جب عميق... كان التشرذم قد تحول الى فيروس يفتك بمنظومة القيم التى تاسس عليها البناء العظيم , ولم يعد الجسد الذي كان عفيا قادرا على المقاومة , صار أصغر من أحتمال المواجهة أقل شأنا من الذي يواجهه, وعندما وصل التشرذم الى مرحلة طرد العرب من الأندلس غربا, وأنتقال دار الخلافة من بغداد الى الأستانة شرقا , صارت المؤامرات الطورانية في قصور الحكام هنا وهناك وجبات يومية من رؤوس لافاع وعلق لا يرتوي من الدماء .

المعادلة عادلة , ولا تحتاج الى مزيد من الشرح , فكلما كانت الوحدة أقوى كانت الأمة قادرة على حماية وصيانة ما تمتلكه.. كلما كانت الوحده أقوى كانت الأمة أجدر بموقعها في مقام العنفوان , كلما كانت الوحده أقوى كانت الأمة رقما لا يمكن تجاوزه في أستعراض خيارات العالم .

المعادلة شديدة الوضوح .. ولا تحتاج الى عرافين ومنجمين ( وبطبيعة الحال لناشطين ومحللين ومراقبين ومنابعين ومن فى حكمهم ) ولا  الى معرفة حل الطلاسم والأحاجي لمعرفة حلها .. هي أبسط كثيرا من أفتتاحيات الصحف اليومية وخطب الحكام وتوزيع فرق الأندية على جداول الدوري..

سحق العرب الغزاة عندما كانت الوحدة واقعا, وسحق الغزاة العرب عندما صارت الوحدة فى متاحف الذاكرة .. كان التتار قوة همجية هائلة السطوة على التدمير , سحقت أمما وحضارات قبل أن يكسر العرب تدافعها ويدفعونها عنوة الى التراجع والنكوص .. كان الصليبيون ( هذه تسمية هم من أطلقها ) تحالفا يتوكأ على عقائد مفخخة باسطورة الجغرافيا  وما تيسر من مشاكل داخلية كان لابد من تصديرها تحت راية الدين !! هاجم الصليبيون بعنف قلب الأمة التى تمكنت من أستعادة مفاتيح المعادلة وقهرت الغزاة وركلتهم الى أوطانهم ..كانت الأمة تمتلك وهي تصنع الحدث سر المعادلة .

ان ما يحدث الآن فى فلسطين , ليبيا , سوريا , العراق , اليمن , السودان , يؤكد ليس قوة الآخر بقدر ما يؤكد ضعف العرب الذين عادوا أعرابا في مفازة القيظ , يتناوبون تلاوة تراتيل التقوقع الذي لا يقود في أفضل حالاته الا الى التحجر والجمود ... والموت .

 

كاتب وصحفي ليبي 

[email protected]