وأخيرا ولدت الحكومة من رحم المصالح السياسية,والخوف من المستقبل والعمل قدر الإمكان على مواجهة التحديات,المتمثلة في انهيار الاقتصاد وتردي الأوضاع الأمنية وما صاحبه من انخفاض مردود السياحة,المصدر الرئيس للعملة الصعبة,وازدياد أعداد العاطلين عن العمل.
أدرك النداء ومنذ البداية انه لن يحكم البلد بمفرده,فالشعب لم يعطه الأغلبية المطلقة وبالتالي وبدهاء عجائزه ضم إلى الحكومة كافة القوى الليبرالية بمختلف أجنحتها اليسارية واليمينية, لقد عمل النداء على عدم الوقوع في فخ الابتزاز,إن اغضب النهضة بإمكانه إرضاء الأحزاب الصغرى ليضمن عدم سقوط الحكومة اقله في المدة القريبة,ومن ثم السعي لجلب الاستثمارات الأجنبية والعودة بالمؤسسات إلى طاقتها الإنتاجية الحقيقية.
إشراك النهضة يعتبر انتهاكا لإرادة ناخبي النداء الذين أرادوا إبعاد الترويكا عن الحكم ما ينبئ بان الأمور لن تكون بأحسن حال من تلك إبان حكم الترويكا,كان بإمكان النداء الحصول على الأغلبية المطلقة دون إشراك تيار الإسلام السياسي ولكن يبدو انه يفضل النهضة التي تتوق إلى المشاركة في الحكومة دونما قيد أو شرط,على أولئك اليساريين الذين لا يرغبون في إشراك عناصر النظام السابق في الحكم,ومن تحوم حولهم الشبهات في تصفية الوطنيين.
قوى المعارضة الممثلة في الجبهة الشعبية وبعض القوى الأخرى لا تمثل ثقلا نيابيا لكنها تملك ثقلا شعبيا وخاصة في المحافظات الفقيرة لتشكل ضغوطات هائلة على الحكومة ومن ثم إحداث صدمات لحكومة اقل ما يقال عنها أنها حكومة محاصصة وترضيات,وبالتالي فإن المعارضة تعوّل كثيرا على السلطة الرابعة "الصحافة" خاصة وان الرئيس الباجي قال بأنه لن يزج بالصحفيين في السجون,بل يترك لهم حرية التعبير والنقد!.
الانتقال من الثورة إلى الدولة ليس بالأمر السهل,وبالتالي فلا مانع لدى كافة الأطراف المشاركة في الحكم على مختلف مشاربها من العمل سوية لتحقيق بعض طموحات وآمال الشعب التونسي الذي ضاق ذرعا بما تشهده البلاد من أعمال عنف وتردي الأوضاع الأمنية,خاصة وان دولتي الجوار "ليبيا والجزائر" يتواجد بهما أعدادا هائلة من الإرهابيين تصعب محاربتهم.  
يثبت النداء بهذه ألتشكيله,بأنه غير قادر لوحده على إدارة شؤون البلد,وان إشراك الآخرين ما هي إلا محاولة للظهور بأنه حريص على مصلحة الوطن ومواجهة الظرف الاستثنائي.يقول البعض بشان الحكومة,بان القوى المؤثرة في تونس اقتنعت بضرورة تعايش القديم والجديد لتوازن القوى من ناحية،ولتجنب النتائج الوخيمة لاستمرار التجاذبات السياسية على أسس إيديولوجية.                       
ترى هل أنقذ النداء حركة النهضة من خطر التشرذم,الذي تمثل في تخلي بعض قادة الحركة عن مسؤولياتهم الحزبية؟,خاصة وأننا نعلم أن هناك بعض قيادات النهضة لا ترغب في مشاركة النداء والبقاء في المعارضة حيث يمكنها توجيه النقد وربما إسقاط حكومة النداء,النداء من ناحيته يضم عديد الرؤى القابلة للتشظي,بعضهم عبر أكثر من مرة عن رغبته في عدم إشراك النهضة,وقال البعض بان المسؤوليات الوزارية التي أسندت لنداء تونس لا تعكس الوزن الانتخابي له ومدى التزامه بتحمل أعباء الحكم في هذا الظرف العصيب.وقد يشهد الحزب انشقاقات في صفوفه وبذلك تكون الكارثة.

 

كاتب ليبي