يتعاطى  عديد الفاعلين السياسيين في تونس مع تطورات الوضع في ليبيا بتبسيط وتسطيح واضحين ،رغم خطورة الأزمة و تداعياتها على تونس أمنيا و اقتصاديا و اجتماعيا.ويظهر هذا التبسيط و التسطيح في مضمون البيانات و التصريحات الاعلامية التي تحصر الأزمة في الصراع بين " الشرعية " و" الانقلاب " أو في الموقف من " الشرعية القليلة " و" بقايا الدولة " ، وتحدد مخارج الأزمة في " الحوار بين الفرقاء" و " الجلوس حول طاولة واحدة" ، وهي عناوين صالحة " لكل الأزمات" ، ولا تشير الى أي خصوصية في الأزمة الليبية .

وتعتبر المواقف المتضاربة لحركة النهضة من ابرز مظاهر التبسيط ، فبعد بيان أول بتاريخ 19 ماي اعتبر ان عملية اللواء المتقاعد خليفة حفتر هي محاولة انقلابية " استهدفت الثورة ومؤسسات الدولة ورموزه "وأنها " تدين بشدة المحاولة الانقلابية وتستنكر كل استعمال للسلاح للتعبير عن الرأي أو الموقف السياسي" دون أن يتعرض البيان و لو بالإشارة الى خطر الارهاب و المجموعات المسلحة ، سحب البيان الثاني بتاريخ 24 ماي توصيف ما يحدث في ليبيا بـ" المحاولة ألانقلابية واعتبر أن ما يحدث هي " مواجهات " وتعرض لخطر الارهاب و المجموعات الارهابية.

ليس مرد هذا التبسيط و التسطيح عدم الالمام بالوضع الأمني في ليبيا و الخطر الذي تمثله المجموعات المسلحة وغياب الدولة ، انما مرد ذلك التعاطي مع الملف بخلفية حزبية .

*****

ما يشكل تهديدا لتونس من الجانب الليبي ليس حالة التجاذب السياسي و الصراع بين الفرقاء و الخلافات بين المؤتمر الوطني العام و الحكومة ، هذه الصراعات عادية في مراحل الانتقال وغير مراحل الانتقال ، وقد عاشت تونس مثلها في صائفة 2013 بعد اغتيال زعيم التيار الشعبي محمد ابراهمي ، لكن دون أن تتحول تونس الى خطر يُهدد جيرانها ، وعرفت الجزائر خلال الانتخابات الرئاسية الفارطة حالة من التجاذب بين الفاعلين السياسيين دون أن تتحول الجزائر أيضا الى خطر يهدد جيرانها ، لأن الصراع بقي في اطاره السياسي .

الخطر القادم من ليبيا سببه السلاح بين أيدي المجموعات المتشددة و معسكرات التدريب التي تأوي الجهاديين من تونس وكل جنسيات العالم .

هنا مربط الفرس في الملف الليبي و كيفية التعاطي معه ، وهو ما يحاول بعض الفاعلين السياسيين القفز عليه لحساب " التجاذبات السياسية " و " التركيبة القبلية" للمجتمع الليبي .

في نص صادر عن المعهد التونسي للدراسات الاسترتيجية ، (وهو مؤسسة تابعة لرئاسة الجمهورية  ويشرف عليها عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية طارق الكحلاوي ) يحمل عنوان " الصراعات و المسار الانتقالي في ليبيا " ، تم التعرض الى الاحزاب السياسية و الصراع داخل المؤتمر الوطني العام  والتركيبة القبلية ..فقط لم يتعرض الى المجموعات المسلحة التي تسيطر على مدن بكاملها و تبسط نفوذها على مرافق اقتصادية و ادارية وتسيطر على معسكرات تدريب .  وربما هذا ما يفسر موقف رئاسة الجمهورية في تونس من الوضع في ليبيا بعد عملية اللواء خليفة حفتر ، وهو الموقف الذي تباينت معه وزارة الخارجية  .

*****

الموقف من السلاح ومن المجموعات الارهابية فوق التراب الليبي ، من وجهة نظرنا هو حجر الزاوية في التعاطي مع الملف الليبي ، لأن هذا ما يهدد أمن تونس ، وما كشفته وزارة الداخلية الأحد الفارط حول المجموعة التي تسربت من ليبيا للقيام بأعمال ارهابية ضد مصالح اقتصادية و أمنية في تونس ، يقدم الدليل الأبرز.

وعليه ،هل يمكن الدعوة لحوار وطني بين الفرقاء السياسيين و السلاح مسلط على رؤوس الجميع ، هل يمكن ان تكون نتائج اي حوار وطني ذات فعالية في ظل وجود مجموعات مسلحة تفرض قوانينها ..التجربة العراقية جربت الحوار و المحاصصة دون البحث عن حلول حقيقية لمعظلة السلاح وهذه التجربة تعيش الى الآن خطر السلاح والاغتيالات ..كذلك الشأن في ليبيا

 نعتقد أن نقطة الفرز بين المواقف يجب ان تكون على قاعدة الموقف من السلاح أن  الاولوية هي لخريطة طريق لنزع السلاح ، دون ذلك هو فعلا مضيعة للوقت و اطالة لأمد الأزمة

 

اعلامي تونسي