اعتقد من الضروري التقديم . لما سأتناوله في هذا الشأن . بالقول . بان الاختلاف في ما بين المجتمع الغربى وما يقابله في المجتمع الشرقى . ينطلق في احد جوانبه . من نقطة الارتكاز . التى يتخذها كل منهما على حده , كمرجعية له , اثناء تعاطيه مع الحياة وتفاعله مع اوجهها العديدة . ففى الشرقى منهما . اعنى شرق المتوسط وجنوبه . تتشكل نقطة الارتكاز هذه . من منظومة قيميّة . تنتهى وعبر عملية معقدة . الى صياغة شخصية شرقية . تستند في سلوكها عبر مسيرة حياتها . على مرّجعية ذاتية . انضجتها الى حالتها هذه  . عدد من الادوات والوسائل . الاسرة . الجامع . المدرسة . وما في حكمها .    

      كل هذا يثم وينّصهر ويتشكل . داخل بيئة اجتماعية وطبيعية , متنوعة الظروف ومتعددة المذاهب والمشارب . وتنتهى في اخر محطاتها عبر مسيرتها  الطويلة المعقّدة . وفى الغالب . الى صياغة ما اصطلح عليه (بالضمير) او الرادع الذاتي او الوازع الداخلى  . وستتعدد وتتنوع درجة الانصياع لهذا الوازع الذاتى  . وتتدرج في مستواها , بتعدد وتنوع الأفراد والبيئات الاجتماعية  الحاضنة له  . 

     وقد لا تتمكن هذا العملية عبر مسيرتها . من الوصول الى صياغة وتشّكيل هذا (الضمير) او الرادع الذاتي . كما قالت عنه احد القراءة السيكولوجية . لاحد الشخصيات الرئيسية. التى شاركت في ادارة  العقود الاربعة الفائتة . فقد تبين من خلال هذه الدراسة . خلو هذه الشخصية من الاسس والقواعد . الذى ينهض عليها الوازع الذاتى  . الذى يُفّترض بانقيادها لإيحاءات توّجهه لها . اثناء تلك العقود الفائتة .

    وفي المقابل  . اتكئ المجتمع الغربي على توّليفه . راعت حضور واهمية الشأن العام  . بل وجعلت منه قطب الحياة . من خلال اعتمادها لعقد اجتماعي . استولدت منه   شرعية ملّزمة . تدعم  مهام واعمال ما عرفناه بالرادع الخارجى اى القانون . واعتمدت في تفعيل كل هذا . على الحضور الطاغي  للرادع الخارجي (القانون)  . في توجيه الحياة وادارتها .  

     كنت احاول ان اصل بالقول . من خلال كل التقديم السابق . بان هذا الوازع الذاتي عند الشرقى . سيكون حاضرا وبدرجات متفاوتة . اثناء تعاطيه  وتفاعله  مع محيطه الاجتماعى ,  كشخصية اجتماعية .

      ولكن عند انتقاله . للتعاطي والتفاعل مع الشأن العام . الذى يخضعه النظام في ادارة شؤنه . الى رادع وضابط خارجى  . نجد ونلاحظ تراجع وغياب واضح لحضور الوازع الذاتي  . وبهذا الغياب ينّفسح المجال . نحو تسّفيه وتهميش للرادع الخارجى  . وان   جاء القانون , سياتى على نحو باهت وشكلي وخجول لا غير .  

     بل نجد بعض الحواضن الشعبية في الداخل الليبيى  . تحرض وان على نحو غير مباشر . على التحرر من احترام هذا الرادع الخارجى . بعدم الخضوع لمشآته.  والابتعاد عن مجاراته . وقد اتى هذا بدايتا . من خلال ما صاغته واجّترحته من اقول وكلمات . تذهب وتتوجه بها نحو تأكيد ذلك  . فمثلا . عند تناولها في مشاكستها للمال العام . فتُعرّفه وتقول عنه :- بانه ( رزق حكومة ربى إيدُومَه ) . كما شاع هذا القول . وتسلل الى ثقافة الجنوب الليبيى . على لسان موّجات الوافدين عليه من دول جنوب الصحراء . وهذا القول بالكلمات . لا يقف عند القول وفقط . بل يذهب الى ما يجعل له (ماصدق) . على وجه الحياة . 

     كنت احاول القول . بان شخصية جنوب المتوسط وشرقه - في تقديرى- . ترتكز في تفاعلها مع الحياة . على ايحاء الوازع الذاتي . ولا تضع اعتبار كبير في ثقافتها . للرادع الخارجى  . ويرجع ذلك لأسباب عديدة . 

    والذهاب بالشأن العام نحو الاتجاه الصحيح . الى ما فيه خير للناس . لا يثم الا بحضور رادع خارجي . وفى غياب هذا وتراجعه . ما من السبيل الى هذا الصحيح . الا بحضور الرادع الذاتي . لتمرير الشأن العام في شئونه على نحو مسؤول . 

     ومن هنا . يجب - في تقديرى - عند ظهور علامات  تُبين ويُسّتنتج من خلالها . غياب وتراجع ظاهر في حضور الوازع الذاتى . عند المسؤول بإدارة الشأن العام . يكون من الواجب على الجهة المعّنية . ايقافه ومن ثم مساءلته . وهذا في تقديرى . يجب سحبه على كل المشاركين  فى ملتقى (75) الوطنى المنعقد بتونس .  واتاحت الفرصة للمشاركة في بديل . يضع اعتبار هام . لهذا الضرف الصعب . الذى يمر به الوطن . نحو الانحدار والتفكك والتلاشي  , ان لم يثم ومن خلال المؤتمر الوطنى المنعقد بتونس. وضع آلية تعمل على تلافيه . وتجتهد على ايقافه .    

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة