في الماضي القريب كانت مصر واليابان عام 1949 متساويين في متوسط دخل الفرد والذي كان يصل في كليتهما إلي مائة دولار وكان غذاء المصري المتوسط يفوق غذاء اليابان فماذا حدث بعد 35 سنة ولماذا وصل نصيب الفرد قي الياباني إلي حوالي 9 ألاف دولار بينما وصل نصيب الفرد في مصر إلي حوالي 500 دولار فقط إن الإجابة علي هذا السؤال تتركز في طرق التنمية ووسائلها فيلاحظ إن اليابان نجحت في عام 1949 سنة الأساس في محو الأمية بالكامل إن عملية النمو تسير في مصر ولا يعوزها الحماس الفردي والاجتماعي وتستوعب العقول في مصر سيل المعلومات المتدفق ويمتد تراكم الثقافة فيها لآلاف السنين كل هذا معناه الوحيد إمكانية إن يظهر في مصر مفكرون وفادة علي مستوي تحديات العصر مراجعة البنية الاقتصادية المصرية نحن نحتاج حقا الي قطاع اعمال يتسم بالحيوية والفعالية والقدرة علي التنافس مع القطاع الخاص‏,‏ في اطار من الشفافية والحكم الصالح‏,‏ بالاضافة الي الجهود الخلاقة للقطاع الخاص التي ظهرت آثارها الايجابية في بعض المجالات الحيوية‏,‏ ولكن تحت اشراف دقيق من قبل الدولة‏...‏ ويقتضي ذلك البحث عن صيغة مناسبة فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان غياب المعايير المقننة في هذا المجال له آثار سلبية‏.‏والاقتصاد المختلط لابد من ان يقوم علي اساس تخطيطي سليم‏.‏ وليس معني ذلك بالضرورة العودة الي التخطيط الذي كانت تحتكره الدولة بالكامل من قبل‏,‏ولكن هناك التخطيط التأشيري الذي تتبعه بعض الدول الرأسمالية‏,‏ والذي يتمثل في تحديد آليات ائتمانية اساسا للتشجيع في مجال الاستثمار في مجالات حيوية‏.‏غير انه في تقديرنا بالرغم من كل المقترحات الايجابية التي اثيرت بصدد تأسيس اقتصاد مختلط يقوم علي اساس قطاع اعمال كفء من جانب‏,‏ وقطاع خاص نشط وفعال‏,‏ فإن اهداف التنمية المستدامة‏,‏ لا يمكن تحقيقها بغير صياغة رؤية استراتيجية للمجتمع المصري فإن الأخلاق المطلقة مصدرها الأساسي هو الدين، وهي تتميز بالثبات والأصالة فهي موجودة في كل الأحوال والظروف، ولقد جسدها المسلمون الأوائل فكانت أخلاقهم إسلامية مطلقة داخل حدود وطنهم وخارجه، وكانت هذه الأخلاق هي مفتاح قلوب البشر في كل مكان خاصة وأن البلاد التي فتحها المسلمون كانت تعانى من الظلم والخداع وسوء الأخلاق من حكامها فإذا دخل عليهم المسلمون فاتحين وجدوا فيهم العدل والإنصاف وحسن الخلق طبقا لمسح الدخل والإنفاق والاستهلاك الذي قام به الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهو المسح الذي تم خلال عام 2010/2011 (أي أنه لم يأخذ في الاعتبار كامل الآثار الاقتصادية السلبية فيما بعد الثورة)، تمثلت أهم معالم الفقر في مصر في الآتي:

 •نحو 25.2% من السكان يعيشون تحت خط الفقر القومي، وتبلغ نسبة من يعيشون في فقر مدقع نحو 4.8% من السكان وذلك في عام 2010/2011، ويحدد خط الفقر القومي على أنه من يقل مستوى إنفاقه عن 256 جنيه للفرد في الشهر أي أقل بقليل من دولار ونصف الدولار في اليوم بأسعار صرف عام 2010/2011 وهو في الحقيقة هنا أقرب لخط الفقر المدقع الذي يتبناه البنك الدولي، والذي يحدد الفقير المدقع باعتباره الشخص الذي يقل مستوى إنفاقه عن 1.25 دولار للفرد في اليوم، بينما نجد أن خط الفقر المدقع في مصر محدد بمن يقل إنفاقه عن 172 جنيه في الشهر أي ما يقل عن الدولار في اليوم بأسعار عام 2010/2011، وهو هنا أقل من الخط المحدد عالميا. •تحدد قيمة خط الفقر الأعلى عن مستوى إنفاق للفرد يبلغ 334 في الشهر وهو ما يبلغ 1.8 دولار في اليوم بينما يحدد هذا الخط على المستوى العالمي عند من يقل مستوى إنفاقه عن 2.5 دولار يوميا. ويقدر أنه إذا ما أخذ المستوى الأخير كمعيار لخط الفقر الأعلى بحيث يضم الفقراء فقرا مدقعا والفقراء عند خط الفقر القومي وكذلك القريبين من الفقر الذي يقعون ما بين خط الفقر القومي وخط الفقر الأعلى ستصل نسبتهم في تعداد السكان إلى نحو 42%.•أن الفقر يتركز جغرافيا حيث تكون معدلات الفقر أوسع بين سكان محافظات الوجه القبلي. حيث تصل نسبة الفقر (محددا عند خط الفقر القومي) إلى أعلى مستوياتها في محافظة أسيوط حيث بلغت 69%. تليها محافظة سوهاج حيث تبلغ نسبة الفقراء بها نحو 59%، ثم أسوان 54%، فمحافظة قنا 51%، والفيوم 41% ثم الأقصر 39%وبني سويف 38% وأخيرا المنيا 32%.ومن الواضح أن هذه المعالم الرئيسية للفقر، بما في ذلك تركزه الجغرافي، تعود بشكل رئيسي إلى عدم كفاية جهود التنمية وضآلة فرص العمل المتاحة خاصة في محافظات الوجه القبلي، وكما سبق الذكر فنحن بحاجة إلى استثمارات سنوية تقدر بنحو 25% في المتوسط على الأقل من قيمة الناتج المحلي الإجمالي حتى يمكن فقط استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل وعدم إضافة المزيد من العاطلين إلى رصيد البطالة أو زيادة أعداد الفقراء. لم يشهد تاريخ البشرية تطورا لشكل مؤسسي بالسرعة التي نمت بها مؤسسة الإدارة في العالم الحديث، ففي أقل من مائة وخمسين عاما غيرت، الإدارة، من النسيج الاجتماعي والاقتصادي للعالم بما لم تغيره أية مؤسسة من قبل. فهي قد خلقت نمطا عالميا للاقتصاد ووضعت قواعد جديدة للدول التي تريد المشاركة فيه، هذه هي حقيقة التسعينات فنحن نعيش في عصر "رأسمالية الإدارة " وعلينا الآن في مصر، أن نتحرك من خلال مؤسسات جديدة ومواقف ومفاهيم جديدة تهيئ لنا مقدرة التفاوض بندبة مع نظرائنا من قيادات الأعمال في العالم ، فعصر الدعم والحماية الجمركية بدأ يتلاشى تدريجيا ، وتنتقل الحكومة من موقف التحكم آلي موقف المساندة ، مما يدفع قطاع الأعمال آلي الاعتماد علي الذات بدلا من التبعية، ومن ثم فإن الإدارة المصرية تواجه تحديا هائلا في إعادة تشكيل عقليتها وإعادة توجيهه عمليتها لتواكب فكر وديناميكية السوق العالمي. أن الإدارة هي ممارسة لنشاط فكرى عالي المستوي، والمواجهة بين قيادات الأعمال في العالم هي في المقام الأول "مواجهة بين قدرات ثقافية" ، فالذين يديرون المنشآت يتسمون بالمهارة والحذق في إدراك القضايا المعقدة وتحليل المشاكل ومناولة الأفكار وتقييم الحلول ، وبالتالي فإن إدارة الأعمال في مصر يجب أن تسند آلي النخبة المتميزة في المجتمع ومن المصريين العاملين بالخارج ، وعلي نظامنا التعليمي والاجتماعي أن يؤمن ضخ أحسن العقول المصرية في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي علي السواء وهو ترهل البيروقراطية. ولذلك لا بد من مراعاة حساسية مواقف المستثمرين واعتماد سياسات واضحة بشأن حقوق المستثمرين في الملكية وتوظيف العاملين وتسهيل إجراءات توظيف الاستثمار وإنجاز المشاريع ذات الميزات النسبية والمتمتعة بالحدود الدنيا من الجدوى الاقتصادية. ويمكن الزعم، هنا، بأن توفير فرص العمل للمتدفقين إلى سوق العمل أو إعادة المتعطلين إلى مصانعهم أو الفنادق يستوجب المزيد من التعامل المرن مع مطالبات المستثمرين ورجال الأعمال. كما أن توفير الأمن والأمان والاستقرار السياسي سيؤدي إلى تحسن في بيئة الأعمال في البلاد. لكن بعد كل ما سبق ذكره يجب التذكير بأن الأوضاع الاقتصادية العالمية لن تكون يسيرة ولن تتوفر سبل التمويل الميسر لمصر وغيرها من بلدان نامية من دون تحمل الإدارات السياسية في هذه البلدان لعبء الإصلاح الاقتصادي وتبني سياسات مالية رشيدة وتعزيز الاستقرار النقدي وتقوية الأجهزة الرقابية لديها، خصوصاً سلطات البنك المركزي.. إن على المصريين الذين يزعمون توافر موارد مهمة لديهم أن يعززوا فهمهم لمتطلبات الاقتصاد العالمي والتفاعل إيجابياً معها.

رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية