مصطفى حفيظ

بدأ العدّ التنازلي للقمة العربية المقررة في الجزائر شهر نوفمبر المقبل، مسافة شهر ونيف عن الموعد الذي سيكون محطة حاسمة بالنسبة للعرب أمام مسائل ظلّت عالقة لسنوات، وأخرى ما فتئت تبدأ، فهناك الأزمة في ليبيا، في اليمن، في سوريا، العراق، وخلافات بين أكثر من دولة عربية، الخلاف بين الجزائر والمغرب، بين مصر واثيوبيا، بين اليمن والسعودية، وحتى بين تونس والمغرب، والخلاف الفلسطيني-الفلسطيني الذي بات القضية التي لم تنجح الجامعة العربية في حلّها منذ نهاية الحرب العربية الإسرائيلية بتوقيع معاهدة كامب ديفيد، وهناك النزاع الصحراوي الذي عمقّ أزمة تأسيس اتحاد المغرب العربي الذي ظلّ حبرا على ورق في وجه تنمية المنطقة. فأي نجاح للقمة المقبلة أمام هذه المسائل العالقة؟  

طرحت الكثير من الأسئلة منذ اعلان أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيث عن عقد القمة في الجزائر بعد ثلاث سنوات من آخر قمة في 2019 بسبب كورونا، أبرزها السؤال عن مدى نجاح أو فشل هذه القمة، علما أن قمم أخرى انعقدت في السنوات العشرة الأخيرة لم تخرج بأي حل لأكثر من أزمة عربية ما تزال قائمة حتى اليوم، وطبعا ترغب الأمانة العامة للجامعة في أن تكون ناجحة، وتصدر عنها قرارات هامة، لحل هذه الأزمات التي ما فتئت حدّتها تزداد، يدور السؤال حاليا عبر أكثر من منبر اعلامي حول: هل ستوفق الجزائر في إنجاح القمة وجمع الفرقاء العرب على طاولة واحدة، هناك أولا القضية الفلسطينية التي يضعها العرب ضمن أولوياتهم في كل قمة دون الخروج بقرار أكثر من كونه قرار، إما ادانة، أو دعوة للحوار والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، التي سعت الجزائر دوما لاحتضان لقاء مصالحة بينهم في العاصمة الجزائرية، مع أن الجزائر كانت قد دعت إلى مبادرة مثل هذه وسعت إليها بكل الطرق لكن فشلت في جمع الفرقاء لعدة أسباب أهم الفرقاء أنفسهم الذين قد يكونوا دفعوا من جهات أخرى لم ترد للجزائر النجاح، واليوم، مع اقتراب موعد القمة، هل سنشهد قمّة فلسطينية-فلسطينية على هامش دورة الجزائر؟ أم سيتم استنساخ قرارات مشابهة لسابقتها؟ ونفس الشيء بالنسبة للأزمة في ليبيا، حتى أن الأزمة تكاد تعود إلى نقطة الصفر، ووصل الخلاف إلى حدّ قيادة ليبيا بحكومتين، حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا، ومعلوم اليوم بأن هناك اقتتال بين مجموعات مسلحة تابعة لكلا الطرفين، أي أن حل الأزمة الليبية في الوقت الراهن قد يكون شبه مستحيل، لأن أكثر من طرف خارجي يضغط على الجرح ولا يريد للصراع أن ينتهي بحثا عن نفوذ، والوجود التركي في غرب ليبيا دليل على ذلك، وحتى القمة العربية قد لا تستطيع تغيير الأمر الواقع حاليا، لأن من بين الدول العربية من يدعم الوجود التركي في ليبيا وهناك من يرفضه، فهل تستطيع هذه القمة تلافي الأمر وجمع طرفي الصراع على طاولة الحوار؟ أي جهود يمكن للجزائر بذلها في هذا الصدد أكثر من تلك المحاولات العديدة خلال السنوات الأخيرة عندما استضافت مؤتمر الحوار السياسي الليبي؟

إنّ مسألة نجاح القمة من عدمها أمر مطروح بقوة، لكون القمم السابقة كانت قد فشلت على أكثر من صعيد، لكن هل ستتمكن الدبلوماسية الجزائرية بقيادة وزير الخارجية رمطان لعمامرة في حلحلة الأزمات؟ وبأي أزمة ستبدأ إذا استثنينا أزمتها مع الرباط؟ ها هو العاهل المغربي محمد السادس يُعلن مشاركته في القمة المقبلة ويدعو العرب لإنجاحها، ما يعني أنه ما يزال يطرح مبادرة اليد الممدودة التي أعلن عنها في آخر خطاب له بمناسبة ذكرى اعتلاءه العرش في المغرب، أي ربما أراد من خلال اعلان مشاركته أنه سيأتي للجزائر ليس للمشاركة في القمة، بل بحثا عن قمة ثنائية تجمعه بالرئيس تبون، والتي من المرجح أن يهندس لها أحد القادة العرب من دول الخليج، بحكم علاقته بالدولتين الجارتين الشقيقتين، من هو هذا القائد الذي قد ينجح في تنظيم لقاء يجمع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالعاهل المغربي؟ الأكيد أن الأمر أكثر من صعب إن لم نقل مستحيل، بالنظر إلى الموقف الجزائري الرافض لأي مبادرة مغربية لا تستجيب لشروطها، مع ذلك، فإن الوساطات لتقريب وجهات النظر ستكون بارزة قبل وأثناء القمة، ثم، هناك أيضا تونس التي دخلت على خط الأزمة بين الجزائر والرباط، بعبارة أخرى، لم تكن تونس على خلاف مع المغرب إلا مؤخرا بعد استقبال الرئيس التونسي للرئيس الصحراوي إبراهيم غالي في تونس، لتندلع أزمة بين تونس والرباط، هذه الأزمة التي اتهمت الجزائر بافتعالها لتعزيز موقفها من النزاع الصحراوي، بحكم أن تونس تسير في ذات النهج، زادت من أزمة ما يعرف بـ "اتحاد المغرب العربي"، وهو المشروع الذي ولد ميّتا برغم محاولات انعاشه، واليوم يبدو أن أزمة تونس والجزائر مع الجارة المغربية يؤكد أن أي طمع في تأسيس تكتل مغاربي لتحقيق مشروع التنمية المغاربية المرجو قد عصفت به الرياح، ولا أمل في أن تحقق القمة العربية فيه أي نجاح، حتى أنه مستحيل الحديث عن اتحاد مغاربي دون ليبيا، ثم إنّ بقاء النزاع الصحراوي قائما دون أي تقدم في مساعي الأمم المتحدة لحله يزيد من هذا التشرذم المغاربي، فهل تنجح القمة في اذابة الجليد بين الاشقاء المغاربة؟

ربما تريد الجزائر من احتضان القمة العربية أن تحقق مكسبا سياسيا ودبلوماسيا عربيا كانت بحاجة إليه لإثبات عودتها إلى الساحة العربية والافريقية والدولية كبلد يحسب له حساب، لكن نجاحها مرهون بمدى جاهزيتها لتوحيد الصفوف وتقريب وجهات النظر بين أكثر من دولة عربية، حتى أنها هي نفسها مغضوب عليها من طرف بعض الدول الشقيقة، لدورها في بعض القضايا، مثل الأزمة بين مصر واثيوبيا من جهة، وموقفها من الحرب في اليمن، ومن الوجود التركي في ليبيا، وليس هذا فقط، فقد اختلفت مع مصر بشأن الأزمة الليبية. إذن، هل ستنجح القمة العربية المقبلة في الجزائر في ظلّ كل هذه الصراعات الظاهرة والخفية بين الأشقاء المغاربة والعرب؟