ما أشبه ليالى واجادوجو بالبارحة ما أكثر سقوط كراسى الحكم بها، لا ينتهى السطر فى كتابها من تحول جذرى حتى يأتى تحول أخر يضرب عكس أتجاه مسارها تماما، و ربما لا يبقى شيئا في مكانه أو على حالته سواء حكام أو روؤساء أو قصور حكم أمام رياحها، و الان تعود دائرة الانتقام الى الصفر مجددا، و نفتح صفحات الماضى لنؤرخها بتاريخ يومنا الحاضر . نعم فاليوم أشبه بالامس و الغد سيشبه اليوم، بوركينا فاسو التى تبلغ مساحتها 200،274 كم2 و تعتمد فى اقتصادها على الزراعة فى المقام الاول ثم تأتى صناعة تعدين الذهب التى تقدمت فى الفترة الاخيرة فى المقام الثانى، بوركينا فاسو التى سميت مسبقا بفولتا العليا و كانت قسماً من مملكة ملى الإسلامية ثم خضعت لمملكة صنفي الإسلامية وبعد تفتيت المملكتين تكونت مملكة بفولتا و أتخذت من مدينة واجادوجو عاصمة لها، وخضعت للاستعمار الفرنسي أيام تمدد و توغل نفوذ باريس بالقارة السمراء بعد توقيع مملكة الفولتا لمعاهدة سنة 1896م، و ضمت بعدها لمستعمرة السنغال العليا، ثم أصبحت بعد ذلك مستعمرة منفردة في سنة 1916م، وعرفت وقتها بأسم فولتا العليا . وعندما قام المسلمون في فولتا العليا بمحاولات لنيل استقلالهم فتتوا أرضهم فوزعت بين ساحل العاج  أو كوت يفوار حاليا  مالي والنيجير  ، و في سنة 1947م  استعادت فولتا العليا وحدة أراضيها في مستعمرة واحدة، ثم نالت استقلالها في سنة 1960م، وبوركينا فاسو يبلغ عدد سكانها أكثر من ثمانية ملايين نسمة . و فى 4 أغسطس 1984م غير أسمها الرئيس توماس سانكارا الى الاسم الحالى بوركيانا فاسو و هى تعنى بلد الناس الطاهرين، و بعد مرور ثلاثة أعوام على الاسم الجديد بقيت بوركينا فاسو بأسمها لكن لم يبقى حاكمها الملقب بوالد الثورة و الثوار الرئيس توماس سانكارا على كرسيه لكي تتم الاطاحة به فى أنقلاب 15 أكتوبر 1987م على يد صديقه المقرب و رفيق سلاحه بليز كومباوري الذى تولى الحكم بعده .

ما ذكرناه فكرة مبسطة عن طبيعة بوركينا فاسو و مناخها السياسى، و اليوم الوضع لم يختلف كثيرا عن الامس بقدر أختلاف التغيير فى الاسماء فقط لا اكثر و لا أقل، فبعد خروج عشرات  الآلاف إلى شوارع العاصمة واجادوجو و الاحتشاد بميدان بلاس دو لا ريفولسيون للاحتجاج على رغبة بليز كومباوري لتغيير الدستور لتمديد فترة حكمه التى أستمرت لسبعة و عشرون عاما، لكى يترك بعد تلك الاحتجاجات الشرسة بوركينا فاسو ذاهبا الى المغرب بعد أن قدم خطابه الاخير للشعب و الذى حمل عنوان الرحيل . و بعد توجه كومباوري للمغرب و ما نتج عنه من حالة فراغ سياسى بالرئاسة نصب رئيس هيئة أركان الجيش البوركيني هونورى تراورى نفسه رئيسا للبلاد، و بعد ضغوط دولية شديدة على هونورى تراورى أضطر الى تسليم السلطة للرجل الثاني بالحرس الجمهوري الكولونيل إيزاك زيدا كرئيسا انتقاليا لبوركينا فاسو .

و لم يتردد إيزاك زيدا بأن تكون أولى تصريحاته رسالة طمأنة للغرب بعد تاكيده أن الجيش سيسلم السلطة الى رئيس توافقي و لن يكون له دور فى الحياة السياسية، و بعدها بدء رئيس المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو إيزاك زيدا فى أتخاذ اجراءات و قرارات حاسمة سواء ضد الحاكم الهارب أو ضد حاشيته، أو ضد الفساد الاقتصادى الذى كان الشراراة الحقيقية لتفجر مظاهرات الغضب ضد حكم كومباورى، ففى 28 نوفمبر أعلن إيزاك زيدا أن بلاده ستطلب من دولة المغرب تسليمها الرئيس المخلوع بليز كومباوري، و أكد إيزاك زيدا أن ملف الرئيس الراحل سانكارا الذى أغتيل فى أنقلاب 15 أكتوبر 1987م على يد صديقه المقرب و رفيق سلاحه بليز كومباوري الذى تولى الحكم بعده سوف يعاد فتحه بالكامل، و سيتم النظر فيه بعد مضي سبعة و عشرون سنة على الانقلاب الذي أطاح بوالد الثورة البوركينية، كما أعلن رئيس الحكومة الانتقالية بأتمام الشروع فى البحث و ملاحقة المتهمين فى أغتيال الرئيس الراحل، فهو مطلب أساسى للمحتجين الذين أطاحو بالرئيس بليز كومباوري و أسقطه حكمه، ثم صرح بأن الحكومة المؤقتة ستسعى بكل قوة لاجراء عمليات تدقيق فى الشركات المملوكة للدولة كما وعد بمحاسبة المشتبه بتورطهم فى الفساد وهدد زيدا بإعادة تأميم أي شركات جرى خصخصتها على حساب الشعب .

و الكورة الان ليست بين أقدام رئيس هيئة أركان الجيش البوركيني هونورى تراورى فهو مغضوب عليه من الجماهير، ولا بين أقدام رئيس المرحلة الانتقالية إيزاك زيدا التى ستحترق أوراقه قريبا، و بتأكيد هى ليست بين اقدام المتظاهرين فدورهم دائما كان خارج خطوط الملعب يقتصر على أسترجاع الكور الطائشة، و لكن الكورة بين أقدام الحكومة الالمانية التى تضغط بقوة على الاتحاد الافريقي تجاه عملية الانتقال فى وجادوجو، و الولايات المتحدة التى باتت المتحدثة باسم وزارة خارجيتها جينيفر بساكي تصرح بنيابة عن الامم المتحدة أيضا و تعلن أن بلادها لم تتخذ أى قرار أو وقف مساعدات أو فرض عقوبات ضد بوركينا فاسو حاليا فى الوقت الذى فتحت فيه واشنطن مع الجميع قنوات أتصال بعد أرسال كراسة شروط تولى الحكم لابرز الوجوه على الساحة لمعرفة من أكثرهم طاعة للبيت الابيض لاسناد مهمة تولى الحكم له، لكى يأتى بعد تصريح بساكي تهديد مبعوث الأمم المتحدة فى غرب أفريقيا محمد بن شمباس للجيش البوركيني بفرض عقوبات قاسية عليه فى حالة رفضه سرعة تسليم السلطة للمدنيين، و أخيرا الكورة بين أقدام المستعمر العسكرى قديما و الاقتصادى و الثقافى حديثا فرنسا التى تظهر بقناع البعثة المشتركة للايكواس لتأتى معها تصريحات وزير الشؤون الخارجية و التنمية الدولية الفرنسي لوران فابيوس كتأكيد على توجه باريس و أعلاء مصالحها فى القارة السمراء حتى و لو كانت على حساب مصالح دول القارة نفسها و أستقرارها الحقيقى .

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]