بداية دعونا نتأمل مواقف و تصرفات الجريدة المشبوه شارلى ابيدو التى تتعمد نشر رسوم و صور مسيئة للاديان، و نتسائل هل هى كان تستهدف الدين الاسلامى وحده أمام تلك التصرفات الحمقاء و تتعمد تشويه الدين الاسلامى فقط دون باقى المعتقدات ؟ و أذا كان هناك تعرض لباقى الاديان فكيف تصرف الباقون ؟ و هل تلك الجريدة الفرنسية هى الوحيدة التى تعتمد ذلك النوع من الكاريكاتير المسيئ للاديان، ام هناك جرائد غيرها ؟

أولا تلك الصحيفة تفننت فى الاساءة الى كل المعتقدات و الاديان سواء السماوية اليهودية و المسيحية و الاسلام، أو حتى المعتقدات الغير سماوية و بحكم و عادات و تراث الفكر الغربى الاوربى الحديث الذى أعتاد ان لا يوجد أى حد أو سقف للحرية و الابداع فأنه لا يذكر أنه حدث أى أعتداء بدنى أو نفسى على أصحاب تلك الرسوم، كما أن تلك النوعية من الصحف لم تكن تحقق أى نجاح يذكر لدى القارئ سواء فى أوربا عامة او فرنسا خاصة، و لا حتى يسمع عن هولاء أحد، فهم مجهولون فى الشارع الفرنسى كما كان حال الصحيفة الدنماركية التى نشر صور مسيئة للرسول صلى الله عليه و سلم، و لم يكن أحد فى كوبنهاجن نفسها يعرف تلك الصحيفة قبل أن يدخل العرب و المسلمون فى فخا ساذج، حتى بات وقتها راسم الكاريكاتير الدنماركى شخصية ذلك العام، و أصبحنا نحن فى موقف رد الفعل قبل أن نكون فى موقف التسلل .

ثانيا هناك العديد من الصحف الاوربية التى تعتمد تلك النوعية من الكاريكاتير سواء بعمد الاساءة أو غير عمد، و هو الاسلوب التى كانو يتبوعها رسامى الكاركاتير للسخرية من السياسيين و الرؤوساء و الحكام منذ عقدين قبل أن يوجهو فرشة رسمهم الى الانبياء و الرسل و المعتقدات الدينية .

و الان ماذا بعد أن وقعت الحادثة الارهابية الاخيرة و ما قامو به أرهابيون بالسلاح ضد مختلون عقليا بفرشة الرسم، ماذا بعد أن تورط الاخوين كواشي الجزائريين بتلك الحادثة فى الوقت الذى تتجه أنظار أغلب أجهزة الامن و الاستخبارات باوربا و الولايات المتحدة الى منطقة الساحل  صحراء المغرب العربى لكى يتم نقل مسرح العمليات من العراق و الشام الى منطقة المغرب العربى .

بداية الاعلام الفرنسى جسد لنا نموذجا رائعا فى كيف ان يكون الاعلام ذراع قوى للدولة لمواجهة أى خطر داخلى و على رأسها خطر الارهاب، كما أن الاعلام مثل الذراع الخارجى الفعال للتأثير على الرأى العالم العالمى حتى بات العالم كله على مدار يومي 8 و 9 يناير يتابع احداث فرنسا بشغف يفوق متابعة الجماهير لمباريات كأس العالم، حتى باتت جميع الصحف بمختلف ارجاء الارض لا حديث لها سوى عن الارهاب الذى يهدد فرنسان و كيف لفرنسا ان تحمى نفسها بكل الوسائل، و بتأكيد البكاء على الضحايا الفرنسيين، قبل أن تتوعد العديد من الصحف المغمورة قبل المشهورة باعادة نشر الصور المسيئة لكى يترسخ مفهوم عام لدى الرأى العالم العالمى بان الارهاب مرتبط أرتباطا و ثيق بالعرب و المسلمون، و هو الامر الذى تم صنعه فى مسرحية هزلية ضخمة كان عنوانها أيلول الاسود و سقوط برجي التجارة العالمى بالولايات المتحدة الامريكية .

و بعد دعوة الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند بنزول الشعب الفرنسى بمختلف أطيافه، و التأكيد على وحدة الشعب الفرنسى، طالبهم هولاند بالاحتشاد و التظاهر يوم الاحد الموافق الحادى عشر من شهر يناير الجاري، لتفويضه لمواجهة الارهاب . و هنا تذكر البعض المشهد المصرى و مطالبة الفريق عبد الفتاح السيسي منذ عام و نصف بتفويض من الشعب المصرى لمحاربة الارهاب و لكن الموقف يختلف فى الزمان و المكان بين القاهرة و باريس فمنذ عام و نصف كان عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع و ليس رئيس الدولة المصرية، كما أنه كان لا يوجد برلمان، و لكن فرنسوا هولاند هو رئيس الدولة فعليا و جميع أجهزة و مؤسسات الدولة تدعمه و تقف بجانبه و على رأسها البرلمان الفرنسى، كما أن جميع خصوم هولاند بالامس هم اول من يدعون للاحتشاد و التظاهر لمسانده هولاند ضد الارهاب، فما أذا الغرض الحقيقي من مطالبة هولاند بالتفويض و دعوة جميع ابناء الشعب الفرنسى للتظاهر، و هو المشهد التى ستغطيها كل وسائل الاعلام بالارض ؟!

كما يجب على كل من ينظر للاحداث بعمق و هو يتأمل المشهد الفرنسى على مدار الساعات السابقة ان يتسائل لماذا أيدى داعش طالت باريس وحدها برغم من أن يقود التحالف الدولى لمحاربة داعش هى الولايات المتحدة الامريكية نفسها ؟ لماذا أيدى داعش تطول باريس وحدها التى تظل الدولة الوحيدة بغرب أوربا متمسكة بالعلاقات مع روسيا ؟ لماذا أيدى داعش تطول باريس التى أختلفت بشدة مع لندن و واشنطن بسبب دعمهم للارهاب فى ليبيا و جماعة الاخوان بالمنطقة ؟ لماذا أيدى داعش تطول باريس و هى العاصمة الاوربية التى أعادت كافت علاقاتها مع القاهرة و أبرمت معها أتفاقيات عسكرية ضخمة ؟

هنا سنعلم جميعا من هو الارهابى الحقيقى الذى يهدد أمن باريس و هل هو فعلا محسوب على العرب و المسلمون أم على فريق أخر هو من صنع داعش ذات نفسها .

 

كاتب و محلل سياسي مصري 

[email protected]