في فبراير 2012 ، كان من أول ما بادر به الإخوان في ليبيا هدم تمثال جمال عبد الناصر في بنغازي من باب الثأر التاريخي من الزعيم الخالد ، وعندما عبّر ليبيون ومصريون وعرب عن غضبهم ،قيل بأن شبابا ثوريا مندفعا هو الذي هدم التمثال بعد تلقيه معلومات عن  وجود كنوز من الذهب  كان القذافي قد أخفاها تحته عمدا ، و طبعا ضحك من سمع الرواية وبكى من إستشفّ ما وراءها ، 

ومنذ أيام ، أفاق سكان طرابلس على خبر إقتلاع تمثال « الحورية والغزالة » الشهير بالعاصمة الليبية والذي  يعتبر من أهم معالمها الثقافية ، يعود تاريخه الى العام 1936 عندما صمّمه الفنّان الإيطالي أنجلو فانيتي زمن احتلال بلاده لليبيا ، وجعل منه لوحة فنية تجسّد إمرأة تمسك جرّة وتعانق غزالة ، ومنذ ذلك الوقت والتمثال باق في مكانه ، يرتوي من مياه النافورة الملحقة به ، مرّ بزمن الملك إدريس السنوسي وبعهد القذافي  دون أن تمتدّ إليه يد بسوء ، ولكن ومع نسائم الربيع العربي التي ذهبت بقوم وجاءت بآخرين ، عانت الحورية والغزالة من التهديدات بإزالتهما منذ العام 2012 ، وفي إكتوبر الماضي أصابت شطية أربي جي التمثال ، قبل صدور القرار الحاسم بإقتلاعه تماما من قاعدته في ليلة ظلماء  

أحد الأصدقاء أكد لي أنه وجّه رسالة الى أحد أصدقائه في « فجر ليبيا » يسأله فيها عن سبب إقتلاع « الحورية والغزالة » فجاءه الرد في رسالة واضحة :« إلم تر أنه تمثال فاضح يتناقض مع الحشمة والحياء ويتنافى مع قيم الدين ؟ » ،وبعد يومين ، تمت سرقة تمثال يجسّد شخصية شيخ الشهداء عمر المختار وهو يمتطي صهوة جواده ، من أمام المجلس البلدي لمدينة الماية غربي طرابلس ، 

قبل ذلك ، تعرّضت الأضرحة والقبور الى النبش والهدم وأحيانا الى الحرق في ظل هتافات « التكبير » ، وشهدت أقدم الرسوم والكتابات الهيروغليفية على جبال الأكاكوس والتي يعود تاريخها الى عشرة آلاف عام ،الى الطمس في جنوب ليبيا ممّا عرّض جزءا مهما من ذاكرة البشرية الى التلف من قبل جماعات متشدّدة ، وتعرّضت مكتبات بكاملها الى إضرام النار فيها ، وتحوّلت الآثار التاريخية الى تجارة رائجة نحو الغرب والشرق ، 

قد يبدو الأمر غريبا ، ولكن سقوط بغداد في العام 2003 إقترن بنسف تمثال المتنبي ، ودخول متشددين الى مدينة إدلب السورية في 2013  إقترن بقطع رأس تمثال أبي العلاء المعرّي بدعوى إعتقادهم أنه من أجداد بشّار الأسد الأوائل ، ثم تتالت عمليات القصف المركّز لكل ما هو أثري وتاريخي وفنّي وراق 

سألت نفسي : في أي مخزن أو بيت أو حقل يوجد حاليا تمثالا « الحورية والغزالة » و« عمر المختار » المقتلعان من جذور الذاكرة ؟ وماذا يقول كلّ منهما للثاني ؟ ثم إستعدت رشدي وفهمت أن الجماعة لن تقبل بوضع إنثى مع ذكر حتى ولو كانا من  حجر