سوف اصوت للباحي هذا الأحد ، و السبب الاول في ذلك هو الحرص على الانسجام في القيادة داخل السلطة التنفيذية ، و تصحيح خطأ ورد في دستورنا الجديد ، هذا الذي قسّم السلطة التنفيذية بصورة غريبة و فريدة ، و أعطى لرئيس الحكومة صلاحيات غير مكتملة و لرئيس الجمهورية صلاحيات معطِّلة ، بحيث عند التطبيق تضطرب فعلا دواليب الدولة و تتبعثر القيادة السياسية كلّما آلت الرئاسة الى شق معاكس للحكومة . ففي تنظيمنا الدستوري الجديد ، محكوم علينا ان نختار الرئيس من شق رئيس الحكومة اذا أردنا السير السليم لدواليب الدولة ، و تكون المصيبة الكبرى لتونس لو يصعد للرئاسة شخص من إتجاه مغاير لرئيس الحكومة .

سوف اصوت للباحي هذا الأحد ، و السبب الثاني في ذلك هو البحث عن رئيس قوي بشعبية فعلية قوية و مباشرة ، و تجنب تصعيد رئيس باغلبية مؤقتة و مفتعلة قائمة على تحالفات انتخابية هشة على غرار ما حصل في 2011 ، يدفعه هذا التحالف الى الوظيفة ، ثم يتفكك التحالف و يندثر السند الذى اتّكأ عليه ،

سوف اصوت للباحي ، و السبب الثالث في ذلك هو الحاجة اليوم الى رئيس جديد ذو كاريزما فعلية قادر على إعادة الابهة التي تليق بمؤسسة الرئاسة ، و البروز كرمز قوي للدولة يفرض احترامها و يستعيد هيبتها ، الشئ الذي انتهى تماماً مع الرئيس المؤقت الحالي الذي - عن حق او عن باطل - كان محل تطاول و استهزاء ، و لن يقدر هذا الشخص ابدا على لملمة الأمور من جديد ، اذ الكاريزما لا تصنع ، و الاحترام ان فقد لن يعود ،

لهذه الأسباب جميعا ، سوف اصوت للباحي هذا الأحد .

لو كنت في النهضة ، قياديا او مناضلا ، لما كررت خطا الماضي ، و لعرفت اليوم كيف أتجنب تجديد التحالف مع أطراف كلفتني الكثير في السابق رغم قصر المدة ، و حُسبت أخطاؤها علي ، مما أضعف حجمي الانتخابي لدى التونسيين . كما انه في غياب مرشحي المباشر للرئاسة ، ذلك الذي يحمل بطاقتي و يتقيد بمبادئه و سلوكي ، الأفضل لي ان أجاري الرأي العام في تقييمهم لحلفائي ، و ان اعتمد مؤشر الشعبية الانتخابية ، و هذا يدفعني للابتعاد عن المرشحين الذين لا وزن لهم بدون أصوات قواعدي ، كما يدفعني إلى الإبقاء على الصِّلة مع القوى الجديدة التي أفرزتها الانتخابات ، و خاصة مع الأغلبية التي سوف اجلس معها في كل المناسبات و ادرس معها كل الملفات ، فلا ادعو للتصويت و لا اصوت لأشخاص لن يقدموا لي الاضافة الشعبية الفعلية ، بل بالعكس ، قد يؤثرون سلبا في حظوظي القادمة مثلما اثروا في شعبيتي في المدة الاخيرة ،

و لو كنت من النهضة ، لن أنس َ ابدا ان لي المركز الثاني في الأصوات و في المقاعد ، و أني سوف اتزعم المعارضة ، و ان هذه المكانة ثمينة في كل الديمقراطيات - "زعيم المعارضة " ، و لن أفرط فيها لآخرين ، و لن أعطي لرئيس جديد جزءا كبيرا من نفوذ المعارضة هذا الذي كسبته ، فهو لن يقدر على توظيفها لفائدتي كما يجب ، و ربما قد يفتك هذه الزعامة مني ، بحكم المنصب الهام الذي سوف يجلس فيه مستقبلا ، على مدى سنوات خمس كاملة . و علي ان انتبه ، فهو الان لم يعد مؤقتا ، و صلاحياته أصبحت أوضح و اكبر ، و يمنحها له الدستور - لا تحاور فيها و لا توافق ، و لن يحتاج الى العودة إلي كما كان الامر في الماضي بالنسبة للقرارات الهامة . الرئيس اصبح رئيسا مستقل الصلاحيات بمقتضى الدستور ، و شرعيته اصبحت هذه المرة شخصية ، يستمدها من الانتخابات و لو بدعم من قواعدي .

اما الدستوريين جميعا ، و انا منهم ، فأقول لهم ان حركتنا قائمة لم و لن تندثر، و سوف تعود مثلما كانت في الماضي ، و التونسيون و التونسيات لن ينسوا نضال الحركة الدستورية و التصاق تاريخها بتاريخ هذا الوطن ، و موقعنا السياسي سوف يعود كبيرا ، و نحتاج الى لم الشمل ، و الى تقييم جماعي لا إقصاء فيه لأي جيل ، و نحتاج الى تنظيم اخر تزول فيها الشخصنة و تتوارى فيه الزعاماتية و الحساسيات ، و اليوم نكبر الجهود لأصدقاء كانت لهم الشجاعة في المبادرة بتاسيس حركات ، و تقديم ترشحات ، و نقدر فيهم المغالبة و الصبر في هذا الظرف الصعب الذي كانت فيه حركتنا الضحية الاولى ، كما نعتز بكل من انضم الى حركاتهم و دعم حراكهم ، غير ان اليوم و قد بدأت حظوظ الدورة الثانية للرئاسة تتقلّص ، و يخشى ان تكون نسب التصويت خافتة لا تليق بقيادات سابقة فينا ، بقيت ساعات للمرشحين لأخذ القرار ، و هو قرارهم الشخصي لا ينازعهم فيه احد ، و هام لمستقبلهم السياسي ، و يصعب علينا نحن الدستوريون ان نصطدم معهم بالإخفاق ، و هم أصدقاء اعزاء يحظون في حركتنا العريقة بكل الاحترام و المحبة ، و انا شخصيا أحيي و اكبر مبادرات التخلي عن السباق للرئاسة التي قام بها البعض ، بروح عالية من المسؤولية و بقدر كبير من الذكاء السياسي .

اما البقية الصامتة ، من التونسيين و التونسيات ، فورقتهم الانتخابية هامة في هذا الظرف ، و عليهم المشاركة ، و حفز الآخرين على عدم التغيب ، و ما هي إلا سويعة واحدة من يوم هذا الأحد ، قد تغيّر حياتك و حياة ابنائك ، و حياة وطنك للسنوات القادمة ، و اذا قلت أيها التونسي و التونسية ان صوتك قد لا يغير شيئا ، فهذا غلط ، لان الاخر قد يفعل مثلك .

كلمتي الاخيرة للمرأة ، ان المرأة فخر تونس و عزتها . انها رمز كل تاريخ الإصلاح ، وهي التي ابقت ذكر بورقيبة طيبا و عاليا ، هذا الزعيم الذي علمها و حررها ، و قدم لها الكثير، و جعلها محور البناء الاجتماعي الحديث ، فكانت في مستوى الرهان ، رائعة أمينة ، و أصبحت اليوم الرائدة الحقيقية للإصلاح و الذود عن النمط المجتمعي الذي نريده .

 

وزير تونسي أسبق