من المستفيد من محاولات قتل رشيد بوجدرة فكريا وإنسانياً؟ وأين تقف المؤسسات الثقافية في الجزائر أمام اغتيال المبدع والمثقف والفنان وتقديمه قربانا للعنف والإرهاب والتطرف ؟ومتى يدرك القائمون على شؤون البلد أن  التعرض للكتاب والى المبدعين والمثقفين هو من صميم العداء لقيم الهوية والتاريخ والوطن ؟؟ومن يحمي رشيد بوجدرة .ويضمن له إنسانيته وحياته وإبداعه ؟

المتأمل في النقاش الدائر  حول تصريحات الروائي رشيد بوجدرة في مختلف وسائل الإعلام  الجزائرية والوسائط الإعلامية الأخرى .يدركُ أن المسألة لم تعد متعلقة بتصريح بوجدرة في لقائه الأخير بقناة الشروق الجزائرية  في برنامج المحكمة الأسبوعي حول إلحاده  وهو السؤال الذي ظلت منشطة البرنامج تلح عليه باستمرار فتحول اللقاء التلفزيوني إلى مساءلة حول الإلحاد ومعتقداته ،فراح بوجدرة يسرد حكايات إلحاده متجاوزاً شعور المتلقي، ونفسيته وتكوينه ، وهو الفخ الذي لم يسلم منه، فمن المسؤول عن صياغة مبررات ممارسة  التطرف على الحرية والاعتقاد وإدانتهما أخلاقيا واجتماعيا .تذكرنا بمشاهد اغتيال النخب الجزائرية إبان المرحلة التاريخية الصعبة التي واجهتها الجزائر في مكافحة الإرهاب والتي راح ضحيتها الآلاف من المواطنين والمئات من النخب الثقافية والمعرفية والعلمية التي تمثل رمز الهوية الجزائرية ..

هل بات العقل الجزائري مستهدفاً مرة أخرى من السلفيات الجديدة /القديمة ؟وهو الدية ظل مناضلاً شاهدا وشهيدا على تحرير الدين من فتأوي التطرف ؟أليس المستفيد الأكبر هدا الداعشي الزاحف على قتل الحياة والإنسان والحضارة والتاريخ؟ ولمادا تنخرط النخب وسائل الإعلام في هده اللعبة القدرة..وتخصص نقاشها  لمحاكمة العقل والحرية والإبداع ؟

وعوض أن يرتقي النقاش مع الروائي رشيد بوجدرة إلى مستويات معرفية وفي قضايا تتعلق بموقفه مثلاً من المجاهدين المزيفيين .خاصة وانه مجاهد وشارك مع جيش التحرير الوطني في تحرير الجزائر..وموقفه من النخب الثقافية والفكرية والإيديولوجية والسياسية؟وموقفه من اللغة والهوية ؟وموقفه من العلاقات الهشة بين الجزائر و فرنسا؟ وموقفه من الحراك العربي والإقليمي والمغاربي؟ومواقفه اتجاه السلفيات المذهبية والجهادية؟ وما مدى حضور هده الملفات والقضايا في رواياته وكتاباته خاصة روايته الأخيرة : ربيع، الصادرة 2014 عن منشورات ”غراسيه” بباريس والتي  تحكي قصة سيدة تدعى ”ثلج” تبلغ من العمر ثلاثين عاما، تشتغل كأستاذة جامعية وتدرس الأدب العربي الشبقي، وهي في نفس الوقت بطلة سابقة في سباق الأربعمائة متر تعاني من هواجس وذكريات أليمة من والدها الذي ينقل لها تاريخ الأحداث التي عرفتها الجزائر خصوصا إبان العشرية السوداء والتي سبق وأن عالجها في رواية ”فوضى الأشياء”، وتحولت إلى موضوع محوري في أعماله الروائية الأخيرة منها رواية ”الصبار” و”نزل سان جورج” التي تمحورت أساسا حول فكرة الفجائية في التاريخ إضافة إلى الحرب التحريرية في الجزائر وما خلفته بعدها من خسائر مادية وبشرية.

إن مواقف بوجدرة ظلت ثابتة ولم تتغير مند عام 1962حين أعلن انضمامه للتيار الشيوعي الماركسي ولم تغيرها حركة التاريخ يوم أسقطت الشيوعية كدول وحكومات .بقي متشبثاً بالمشاركة في النقاش المادي الذي لم يثنيه عن التعلق بقامات التصوف المغاربي مثل الأمير عبد القادر الجزائري وإبن عربي وإبن رشيد ..وهي من العلامات البارزة في الحضارة الفلسفية الكونية ..فلم يترك البرنامج أي فرصة لرشيد ليعرف الجمهور والمتلقي فلسفته اتجاه مواضيع ذات صلة بعلاقاتنا والمحيط السياسي والثقافي.أما أن يتحول النقاش  في معتقدات شخصية يكفل الدستور الجزائري حريتها في المادة 8

 

أنا لا أدافع عن الرجل، ولست منخرطا في فهمه للحياة وللوجود..ولكن ما يهمني هي القيم الإنسانية التي ينبغي على النخب احترامها.وتأسيس قواعد حوار تشاركية تضعُ المشاهد/المتلقي يتفاعل إيجابياً مع الحوار .لأن صناعة التلقي من المسؤوليات الأخلاقية والفنية للنخب السياسية والثقافية والإعلامية  .

لقد ظل بوجدرة طيلة الحوار هادئا..ويجيب ببساطة .رغم ثقل السؤال على مستوى التلقي والجمهور..ولم تصدر عنه عبارات مشينة للمسلمين كأن يقول:إن المؤمنين متخلفون أو أن الاعتقاد والإيمان بالله تخلف؟؟لم يصدر عنه غير ما قاله عن نفسه ..وكان واضحا وفي مرات مرتبكا ومتناقضا وهدا شأن فلسفته ونظرته في الحياة..أما أن نقيم للرجل منابر ومحاكمات ونعتبر إلحاده مطية لعتق رقبته فهدا أمر فيه تطرف وعنف.وما يقابله من عنف متمثل في الجنائزيات المناصرة له والتي تخلط بين قامته الأدبية وبين التشهير لمعتقداته الشخصية المتصادمة مع الشعور الجمعي ؟

لقد صدق المرحوم محمد الغزالي لما تحدث عن التدين المغشوش:يكون أنكى من الإلحاد الصارخ..فما أتعسنا وما أحوجنا إلى مؤسسة فقهية يلتقي فيها العلماء:علماء الدين وعلماء الاجتماع والفلاسفة وعلماء اللغة وعلماء الاقتصاد لقراءة الفتوى في سياقاتها التاريخية واستشراف المستقبل وإنتاجها في إطار العقل والنقل .كما تشملُ وظيفتها حماية الدوق العام والخاص  والشعور الجمعي الضامن للوحدة والهوية ينأى بالأمة عن شرور التطرف والإرهاب كما حصل  في الجزائر ويحصلُ الآن بالعراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن ومناطق مختلفة.التي تقتل الإنسان وتدمر الأوطان وتنسف الحريات .

كاتب و اعلامي جزائري