ها هي حكومة السيد علي زيدان، المؤقتة، وصلت إلى ختام مدتها، وهي المدة التي كانت محددة لها منذ أول تشكيلها، حتى وإن جاءت النهاية بأسلوب فيه شيء من العسف، ويحمل نوعا من عوار الأداء السياسي في ليبيا، ويمثل حالة من حالات التأزم التي تتعامل بها النخبة السياسية الليبية مع بعضها البعض.

وها هو المؤتمر الوطني العام، أيضا يلفظ أنفاسه وإن أبدى نوعا من المقاومة، فقد انتهت صلاحيته ووصل إلى آخر أيام التفويض الذي منحه له الشعب، وإن تعذر بأن لديه مهمات لم يكملها، فهو عذر أقبح من ذنب، لأن الذنب في عدم إكمالها هو ذنبه.

وحسب قول السيد زيدان في لقائه مع الإعلام بعد انتهاء مهمته، أقحم هذا المؤتمر نفسه في انشغالات أخرى، ونسي المهمة التي انتخب من أجلها، وهي إنجاز الدستور، وانتخاب البرلمان وتسليم السلطة له، وهو ما لم يفعله حتى انتهت مدته، ولم يكن غريبا أن يخرج الشعب الليبي في كل حواضره وأريافه يطالب المؤتمر بأن يتنحى عن السلطة، كما لم يكن غريبا أن يجد المؤتمر نفسه غير قادر على تلبية نداء الشعب، لأنه لابد من تسليم السلطة إلى جسم منتخب جديد، هو الآن وعبر لجنة فبراير، يصل إلى صيغة انتخاب برلمان جديد من 200 عضو، يكون برلمانا دائما ويتولى بعد انتخابه، تطبيق الدستور فيما يخص الانتخابات الرئاسية، إذا استقر الأمر على النظام الجمهوري، بشكله الرئاسي البرلماني.

وأرى أن هناك إجماعا في ليبيا على أن ما أفسد المرحلة الانتقالية، وأضاع على الشعب الليبي، الانتقال إلى بناء الدولة انتقالا سليما، بشكل أقل ألما مما حدث، وبأسلوب أكثر أمانا وسلاما، لا يحدث فيه الاحتراب الذي حدث، ولا تتواتر فيه الأزمات وحالات الاحتقان والصدام بالشكل الذي حصل، هو للأسف الشديد دخول أجندات الإسلام السياسي على الخط وبأشكاله المختلفة، وألوان طيفه المتعددة والمتنوعة، تطرفا واعتدالا، لأنها جميعا تصب في بعضها البعض، وتخدم بعضها البعض، حتى وإن اكتست بأزياء مختلفة، أو ظهرت بملامح وأشكال مختلفة.

ويتهم السيد علي زيدان ثلاث كتل سياسية ذات توجه إسلامي داخل المؤتمر، بالسعي إلى فرض مشيئتها، وممارسة الابتزاز على بقية الأعضاء، لكي يلتزموا بتعليماتها جبرا وقهرا، وهي التي جلبت إلى المؤتمر رئيسا يخضع لإرادتها، رغم أنه ليس منتظما في سلكها انتظام الالتزام والتجنيد، ولكنه، كما قال، مطيع لها طاعة الإرغام والإكراه، وهذه الكتل هي التي كانت، كما قال، تناكفه وتعاكسه وتضع العصي في دواليب الدولة ودواليب الحكومة، لأنها لا تريد شيئا يمشي في أي اتجاه إلا الاتجاه الأيديولوجي الذي تريد، ووصلت إلى حد أنها كانت أحيانا تعمل من وراء ظهر رئيس الحكومة، لتنفيذ برامج خارجية، مثل ما ذكر عن حاويات السلاح التي أرادت إرسالها إلى المتطرفين الإسلاميين في سوريا، وحاول هو دون جدوى أن يثنيها عن صرف موارد ليبيا في هذا السبيل، الذي- كما قال- يضع ليبيا في موضع حرج مع أصدقائها في العالم، علاوة على إهدار أموال يرى أن ليبيا أولى بها لفك أزماتها والوفاء بالتزامات عاجلة إزاء أهلها. هذه الكتل ذات اللون الإسلامي هي؛ حزب الإخوان المسلمين داخل المؤتمر، وكتلة الوفاء التي تقودها أحد العناصر المقاتلة الأكثر غلوا وتشددا، ثم جبهة الإنقاذ التي يبدو أنها عادت إسلامية إخوانية كما بدأت عام 1980.

ويضيف زيدان بأن لهذه القوى داخل المؤتمر، عصابات مسلحة تتبعها وتأتمر بأمرها، وهي التي صدر إليها الأمر من بعض أعضاء المؤتمر، بالقبض عليه واختطافه.

وسمح هؤلاء الإسلاميون لمختطفي رئيس الوزراء، بالتباهي بما فعلوه فوق منصة المؤتمر، وإقامة مؤتمر صحفي داخل مقر المؤتمر. كما يضيف قوة أخرى لها سلطة دينية، هي دار الإفتاء، ويسمي بالاسم رئيسها الشيخ الغرياني، الذي طالبه بأن يتنحى عن منصبه لأنه صار أداة في يد هذه القوى.

وقال السيد زيدان، إنه يحجم عن قول ما هو أشد خطرا من ذلك وأكثر جلبا للكوارث، لكي لا يستفز قوى دولية يمكن أن تضر بليبيا، وتجعلها تدفع ثمن آثام وكوارث يرتكبها أناس في الحراك السياسي القيادي الليبي. ورغم أنه لم يذكر هذه القوى بالأسماء، إلا أن ما ذكره يكفي لوضع آثامه على هذا التيار الإسلامي.

واتهام علي زيدان يؤكد من جديد ما سمعه الشعب الليبي من رجل من أهل التقوى، هو الشيخ مصطفى عبدالجليل، الذي حمّل قوى إسلامية مقتل قائد الثوار الشهيد عبدالفتاح يونس والتمثيل بجسده، وما سبق أن قاله أناس لهم دور في تحرير ليبيا أمثال محمود جبريل، وسبق أن قاله أيضا عبدالرحمن شلقم، بل وقاله أيضا في خطاب استقالته رئيس المؤتمر السابق الدكتور المقريف، الذي اعترف بأن قوانين المؤتمر كانت تكتب بحبر البنادق، إرغاما وإكراها من قبل الميليشيات ذات التوجه الإسلامي المتطرف.

اعتقد أن الليبيين لا يحتاجون لدليل آخر لتبيّن أن هذا الخلط المعيب للدين بالسياسة والمتاجرة بالإسلام، وراء الكارثة التي تعيشها ليبيا، وباعتبارنا على أعتاب مرحلة جديدة، واستحقاق جديد هو انتخاب البرلمان الليبي، فلابد من قطع الطريق على مثل هذه القوى لأن تدخل هذا البرلمان وتفسد الحياة السياسية، وتقوم باختطاف هذه المؤسسة الدستورية التشريعية القيادية، إلى مجاهل “تورا بورا” وبلاد القاعدة وأرض الأفغان والصومال.

 

 

كاتب ليبي