المشهد الليبي اليوم يمكن أختصاره في ثلاثة أطراف : إخوان وتكفيريون مرتبطون بقطر وتركيا ، موالون لنظام الزعيم الراحل معمر القذافي ،وبينهما الجيش الوطني والخارجون من 17 فبراير بجملة من الشعارات والإنكسارت 

أما الطرف الأول فيمثله المتحكمون بزمام السلطة المترهلة في طرابلس وبمركز القوة العسكرية والمالية في مصراتة ، وبغرفة ثوار ليبيا التي شكلها المؤتمر الوطني العام في يوليو 2013 والتي تمثّل عمادا للتحالف الإخواني القطري التركي ولدولة الميلشيات وإمتدادا للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة ، وبقيادة الأركان في وزارة الدفاع الواقعة تحت سيطرة عبد الوهاب القايد الذي كان  من رجال القاعدة ولا يزال مرتبطا بالفكر المتشدد شكلا وسلوكا ،والمتحكم في الدروع التي تسعى قوى الإسلام السياسي الى جعلها بديلا للجيش الوطني ، والدروع ليست أكثر من عملية تجميع لميلشيات موزعة على عدد من المناطق ،إهمها درع الوسطى في مصراتة ،وفي هذا الصف توجد الجماعات المتطرفة  في الشرق بما فيها « أنصار الشريعة » التي باتت في خندق واحد مع بقية الميلشيات المسلحة الرافضة لمبدإ قيام الدولة وبناء الجيش والأمن ،ويوجد  أمراء الحرب ممن يسيطرون على الأحياء والمناطق بشعارات ثورة فبراير في مدن الساحل الليبي الغربي من مصراتة الى زوارة مرورا بالخمس وزليتن ومسلاتة والزاوية وصبراتة  وعدد من أحياء طرابلس مثل سوق الجمعة وجنزور ،ولهم إمتدادات في مناطق الجبل الغربي ،وفي مناطق الجنوب وخاصة من خلال قبيلة أولاد سليمان  ،وغطاؤهم الدائم هو الدعوة الى القضاء على الأزلام 

يتميز الطرف الأول  بعقلية إقصائية إجتثاثية نتيجة قناعته بفقدانه الشرعية الشعبية ، يعمل على تنفيذ ما قامت به الميلشيات الشيعية في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين ،ويرى أن السيطرة على السلطة والثروة لا يكون إلا بالسيطرة على السلاح ،وبإستبعاد الأغلبية الساحقة من الليبيين من ساحة التنافس السياسي لذلك فرضت قرار العزل التي يطيح بأغلبية الليبيين ،كما فرضت سياسة التهجير ومارست القتل على الهوية ولا تزال خلاياها تمارس الإغتيالات في بنغازي ومدن وقرى الشرق لكل من كانت له علاقة بالنظام السابق أو من يدعو الى المصالحة أو من يعادي التدخل القطري التركي في الشأن الداخلي 

يؤمن الطرف الأول بمعادلة « من ليس معي فهو ضدي » ويقدم أوضح صورة في منظومة ما يسمى بالربيع العربي حول التحالف السياسي والميداني والعقائدي بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة ،وترى فيه دولة قطر الطرف المؤتمن على مشروعها المطاح به في مصر والمهتزّ في تونس والمنكسر في سوريا والمفضوح في أغلب الدول العربية ، لذلك تدعمه بكل قواها داخيا وخارجيا ،وتستعمل تأثيرها المالي والإقتصادي والإعلامي لتغليب قوى الإسلام السياسي في ليبيا ،وتقدم الخطط والأجندات والأوامر والأرشادات لأتباعها ،وتنسق معهم في تحركاتهم،وهي صاحبة فكرة منع الليبيين من تشكيل جيش وطني ، وصاحبة فكرة الدروع وغرفة الثوار ،وهي التي تقف اليوم وراء إستبعاد الزنتان من العاصمة إنطلاقا من أن للزنتان إرتباطات لا تشمل الدوحة ومواقف لا تستسيغ التدخل القطري التركي وتوجهات لا تتوافق مع المشروع الإخواني ورؤية تنحو نحو المصالحة وربط جسور التواصل مع القبائل العربية البدوية الرافضة للعملية السياسية  

الطرف الثاني يتمثل في الموالين لنظام الزعيم الراحل معمر القذافي وأغلبهم من القبائل العربية البدوية في مناطق الغرب والوسط والجنوب ،وهؤلاء في أغلبهم لا يعترفون بالعملية السياسية الدائرة ، يعادون قطر وتركيا والإخوان والقاعدة ولا يعترفون بالعلم ولا بالنشيد الرسمي الحالي ولا بدار الإفتاء ولا بالمؤتمر الوطني العام  ،تعرض العديد من مناطقهم مثل رقدالين والعجيلات وبني وليد وسبها الى هجومات من قبل ثوار فبراير ، ويعاني مئات الالاف من أبنائهم من التهجير القسري في الداخل والخارج ،ويوجد آلاف أخرون داخل سجون الميلشيات ، ولهؤلاء ثأرات مع الفاعلين السياسيين الحاليين ،ومع أمراء الحرب وقادة الميلشيات ، يرون أن لاحلّ في ليبيا دون عودة المهجرين وإطلاق سراح جميع المعتقلين دون إستثناء ، والتعويض للقتلى والمصابين أثناء الحرب على بلادهم ، ويدعون الى تشكيل جيش وطني وقوة أمنية قادرة على بسط الأمن ،والى حل الميلشيات ،كما يدعون الى إستفتاء بعد ذلك حول العلم والنشيد وشكل النظام السياسي 

الطرف الثالث في ليبيا هو الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر والذي يقود معركة الكرامة ، وله في المنطقة الغربية أجنحة تتمثل بالخصوص في لوائي المدني والقعقاع وكتيبة الصواعق ،وهي قوات محسوبة على الزنتان في حين أن منتسبيها ينتمون الى أغلب القبائل ، وهذه القوات تجد رفضا من الطرف الأول الذي يتهمها بأنها من بقايا ما يسمى بكتائب القذافي وخاصة اللواء 32معزز وكتيبة امحمد المقريف ، كما ينتمي الى هذا الطرف ثوار يحلمون بالديمقراطية حقيقية وقوى المجتمع المدني والأحزاب المدنية والتيارات الليبيرالية واليسارية والحالمون بالأمن والإستقرار 

والطرف الثالث ينسجم مع الطرف الأول في تبني شعارات فبراير ويختلف معه في التبعية لقطر وتركيا وفي الولاء للإخوان والعلاقة بالتكفيريين والجماعات المتطرفة ،وينسجم مع الطرف الثاني في رفض التدخل الخارجي وفي معاداة قوى الإسلام السياسي والدعوة الى ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية 

يراهن الطرف الأول على حياد الطرف الثاني وصمته أمام حربه مع الطرف الثالث ، يدعو الطرف الثاني الطرف الأول الى تفاهم ليقف معه في مواجهة الطرف الأول ، يخشى الطرف الثالث التنازل للطرف الثاني حتى لا يقال أنه تراجع عن أهداف وشعارات فبراير ، 

يطلب الطرف الثاني أي الموالون لنظام القذافي من الطرف الثالث وخاصة قبيلة الزنتان مطالب محددة : إطلاق سراح المعتقلين لديها ومنهم سيف الإسلام القذافي ، تسليح القبائل ،العودة الى الحلف القبلي القديم ،وعدم خوض الحرب تحت العلم الحالي ، وتؤكد القبائل العربية الموالية للقذافي أنها لا يمكن أن تترك الزنتان وحيدة في المعركة بعد أن إتخذ الصراع أبعادا جهوية ومناطقية وأيديولوجية 

ثم يبدو واضحا أن القبائل بات لها ثأر مع ميلشيات الإخوان وأمراء الحرب والجماعات التكفيرية وهي مستعدة للمواجهة ،ولكن شبابها المقاتل لا يزال يذكر معارك 2011 و،قصف طيران الناتو والقتل على الهوية وثلث الشعب المهجر ومأساة تاورغاء وغيرها من المناطق وآلاف المعتقلين السريين وتحقيق المخابرات القطرية مع القيادات الليبية وإنتهاك الحرمات ،وهو يرى أن الصراع الحالي هو صراع بين طرفين كانا شريكين في الإطاحة بالنظام السابق ، وبالتالي فإن أية حرب ستضعف الطرف الأول والثالث معا ،وأن شرط خوض المعركة الى جانب الطرف الثالث هو تراجعه عن شعارات فبراير وإعلان ثورة جديدة ضد الإخوان والإرهاب والتطرف معا 

يبقى السؤال : الى أين يتجه الصراع ؟ 

والجواب بسيط ، لقد قرر الطرف الأول مسح الطرف الثالث من المعادلة السياسية والعسكرية ،ويواصل الطرف الثالث مواجهته للطرف الأول ،في حين سيجد الطرف الثاني نفسه أمام فرصة إستثنائية يمكنه إستغلالها : تحرير مدنه وقراه من الميلشيات المسلحة التابعة للدروع وغرفة الثوار في الوقت تكون فيه قوات الإخوان وإتباعها منهمكة في المعركة ، والإنضمام الى المعركة مع الجيش الوطني والزنتان لأن ضرب قوات القعقاع والمدني والصواعق ستجعل مسلحي الإسلام السياسي يتجهون للقبائل الأخرى التي يتهمونها بأنها من الأزلام ، كما يمكن للجيش الليبي أن يقوم من خلال معركة الكرامة بالسيطرة على منافذ حدودية وفتحها أمام المهجرين وخاصة عشرات الاف المقاتلين الذين كانوا يعملون مع النظام السابق للعودة والإلتحاق بالمعركة ، وسيكون أمام الشعب أن ينتفض بقوة وأن يفرض على الطرفين الثاني والثالث التوحد لإنقاذ البلاد ، ثم بعد ذلك يتم التوافق على كل الأمور العالقة بما فيها العلم والنشيد وشكل وطبيعة النظام السياسي وإعلان المصالحة الشاملة والعفو العام