فجأة تحوّل صديقهم العزيز ومنظّر ربيعم العربي هنري برنارد ليفي جربا يتلافون عدواه ،وكائنا مثيرا للإشمئزاز يتبرّؤون من دعوته الى بلادهم أو اللقاء به ، فما يحدث في تونس مند مساء اليوم الأخير لشهر أكتوبر ، من إحتجاجات وبيانات تنديد وتصريحات غاضبة وإتهامات وإتهامات مضادة بدعوة ليفي لزيارة البلاد ، أكد أن قصة الربيع العربي الذي كان ليفي عرّابه الأول قد إنتهت ، وأن لا أحد يريد أن يعود الى الوراء أو يستذكر مراحل المأساة التي حلت بدول وشعوب ومجتمعات أبرزها ليبيا المنكوبة 

كان أغلبهم يصفٍق للناتو وهو يقتل الليبيين ، ويرفع شعارات الحرب ضد ما كانوا يسمّونها بكتائب القذافي ، وكان ليفي يحل بتونس ويمرّ من معبر ذهيبة لدخول مناطق الجبل الغربي والإجتماع بعرب الزنتان وأمازيغ الجبل ، ليس وحده ، فقد كانت كل الجماعات المتهافتة على ليبيا بما فيها المتطرفون والمرتزقة ، يعبرون من تونس في إتجاه التراب الليبي ، وكانت الأسلحة القادمة من الشرق والغرب تجد طريقها من الأراضي التونسية الى الأراضي الليبية ، وكانت النخب السياسية والإعلامية والثقافية في أغلبها ترقص فرحا لخبر مقتل القذافي في العشرين من أكتوبر 2011 

لم يكن ليفي وحده من دعم التمرّد وسانده وإبتهج لقتل الليبيين بصواريخ وقنابل الناتو وقصف الأباتشي ،وإنما كان محفوفا بدعوات وأمنيات وشعارات أغلب من يتبرؤون منه اليوم ، ومنهم المرزوقي وحزبه والنهضة وقيادتها ، وحتى قائد السبسي لم ينف سعادته بسقوط القذافي ولا مساعدته على نقل السلاح لدعم المتمردين في  ليبيا ، والذي تبين الجميع اليوم أنهم كانوا مر مقاتلي القاعدة وأتباعها وحلفائها ،ومن مسلحي الإخوان الحالمين بالسيطرة على المنطقة كلها 

 في كتابه "الحرب بدون أن نحبها »  يؤكد ليفي  أن فرنسا قدمت بشكل مباشر او غير مباشر كميات كبيرة من الاسلحة إلى الثوار الليبيين الذين كانوا يقاتلون للاطاحة بالعقيد القذافي، تقرر حجمها في اجتماعات كان بعضها سريا ، و ويروي  بالتفصيل كيف اقنع نيكولا ساركوزي بالمشاركة دبلوماسيا ثم عسكريا في النزاع الليبي.

وبعد ساعات من تشكل المجلس الانتقالي التقى في الخامس من مارس  2011 في بنغازي (شرق ليبيا) إجتمع ليفي بمصطفى عبد الجليل الذي تولى رئاسة المجلس،  واعترف هنري ليفي بانه "شخصية مجهولة" لكنه اقترح عليه مع ذلك نقل رسائل إلى نيكولا ساركوزي وقيادة وفد من الثوار إلى باريس،  وبعد دقائق اتصل هاتفيا بالرئيس الفرنسي وقال له "فكرتي هي جلب وفد من الوفد الذي تشكل إلى باريس. هل توافق على استقبال هذا الوفد شخصيا؟". واجاب نيكولا ساركوزي « بالتأكيد » ،  وبعد هذا الرد الايجابي على معارضة ليبية لم يكن احد يعرفها حينذاك، يكتب هنري ليفي "ما كنت اؤمن بالمعجزات وما يحدث هنا هو معجزة »، واستقبل الوفد في العاشر من مارس في الاليزيه. وكانت فرنسا اول دولة اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي.

وبعد ذلك جرت المشاورات في مجلس الامن الدولي وبدأت في 19 مارس التي توافق ذكرى بداية غزو العراق في العام 2003، العملية العسكرية الجوية التي كانت فرنسية بريطانية اميركية قبل أن يتولى حلف شمال الاطلسي قيادتها.

 برنارد هنري ليفي  كان أعلن في كلمة في الملتقى الوطني الأول للمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا الذي انعقد تحت شعار "غدا يهود فرنسا" قائلا "لقد شاركت في الثورة في ليبيا من موقع يهوديتي » و اضاف في تصريحاته التي نقلتها صحيفة "لوفيغارو" أمام قرابة 900 شخص ضمهم هذا المؤتمر في باريس مؤخرا "لم أكن لأفعل ذلك لو لم أكن يهوديا.. لقد انطلقت من الوفاء لاسمي وللصهيونية ولإسرائيل".

والواقع أن ليفي كان ينسّق مع تل أبيب وزارها أكثر من مرّة أثناء الحرب على ليبيا ، وإجتمع بناتنياهو ، وإعتبر الإطاحة بالقذافي أفضل هدية لإسرائيل ، وفي حين كان الناتو يقصف ليبيا كان الثورجيون بكل أصنافهم وأشكالهم القومية واليسارية والإسلامية والليبيرالية يساندون موقف ليفي ولو عن بعد ، فهم جميعا مع « الربيع العربي » الذي دمّر الأمة وخرّب الأوطان ، ولم نسمع صوتا يندّد بالمؤامرة أو يفضح الجريمة ، وجميعه كانوا يعزفون أنشودة « الثوار » ، ويقتبسون مواقفهم مما تبثّه وسائل الإعلام المشاركة في سفك دماء الليبيين 

اليوم ، يتبرأ الجميع من ليفي وكأنهم يتبرؤون من الربيع العربي ذاته ، فليفي مهما كان موقفهم اليوم ، كان شريكهم ومنظّرهم وصديقهم قبل ثلاثة أعوام