لقد انطلقت المواجهة عملياً في المجال النفطي بتأميم الشركات النفطية الاحتكارية مثل شركات شل والواحة ونلسون بنكرهانت وموبيل اويل وغيرها من شركات أمريكية وبريطانية، وكان المفاوض الليبي حينها قد رفض قبول زيادة في الأسعار، بل أصر على الحل الجذري وهو التأميم، ثم النجاح في إدارة تلك الشركات بسواعد وكفاءات وطنية..
وإذا تساءلنا ما هي الأسباب التي دعت الغرب إلى التدخل في ليبيا؟ هل هي حرب من أجل النفط، أم من أجل ضرب المصرف المركزي الليبي, أم من اجل الاستحواذ على المؤسسة الوطنية للنفط التي تدير عمليات بيع النفط وتسويقه وهي مملوكة بالكامل للدولة الليبية,أم أن هناك أسباب أخرى؟. كل ذلك ممكن لكن الأهم هنا هو أن الخطط الليبية لتطوير البنية التحتية للبلاد تهدف إلى تحرير ليبيا من قبضة المقرضين الأجانب وهذا هو التهديد الحقيقي الذي تمثله ليبيا. وهذا هو النموذج الذي تقدمه للعالم وتوضح له ما الذي يمكن أن يفعله. وهذا هو مكمن الخطر الذي يهدد المصالح الغربية. فحجم الخسائر العام 2011 م فاق 300 مليار دولار وإعادة الأعمار تسيل لعاب الكثير.
ترى هل الإطاحة بالقذافي ستؤدى إلى دخول المصرف المركزي الليبي تحت عباءة مصرف التسويات الدولية؟، وهل ستباع صناعة النفط القومية للمستثمرين الأجانب؟، وهل ستظل الخدمات الصحية والتعليمية مجانية؟ فإذا تغير كل ذلك، سنفهم لماذا ضربت ليبيا. واستنادا إلى صندوق النقد الدوليIMF فإن ليبيا لا تمتلك النفط فقط بل تملك مخزونا هائلا من الذهب يقدر بحوالي 144 طن وبهذه القاعدة من الأصول من يحتاج إلى مصرف التسويات أو غيره؟.
يقول العديد من المحللين ان ليبيا كانت مستهدفة منذ زمن بعيد (صنفت ضمن محور الشر) بسبب المواقف المتشددة التي كان ينتهجها العقيد القذافي تجاه الغرب رغم التعاون ألاستخباراتي الملحوظ بشأن الارهاب في المنطقة. وكانت في نظر الغرب الدولة الاكثر امانا واستقرارا لعمل مشاريع استثمارية خاصة في الاونة الاخيرة حيث سنت قوانين تشجع الاستثمار الاجنبي في البلاد.
كانت امريكا مترددة في البداية ( او هكذا كان يبدو للعامة) لكن فرنسا وبريطانيا شجعتاها على الدخول, دخلت بريطانيا وفي نفسها الثأر لمقتل الشرطيةW C  فليتشر, وإسقاط طائرة الـ )بان آم PAN AM( فوق قرية لوكربي الاسكتلندية وأحداث مانشستر وطرد قواعدها وقواتها من الاراضي الليبية بعيد اعتلاء القذافي كرسي الرئاسة,إنها اذن فرصة العمر ولن تتكرر فمن الحماقة تفويتها,أما فرنسا وبالأخص رئيسها ساركوزي فأموال حملته الانتخابية تشتم منها رائحة القذافي, حيث صرّح بعض المسئولين اللبيبين إبان الازمة أن ليبيا هي من اوصلته الى كرسي الرئاسة (قصر الاليزيه). ناهيك عن إسقاط الطائرة الفرنسية UTA بأجواء النيجر وان كانت التعويضات مجزية إلا أن الدم الأمريكي ليس بأعز من الدم الفرنسي.
سعى القذافي منذ البداية الى تقويض دور فرنسا والدول الاستعمارية في افريقيا ومحاولة الاستغناء عنها ومطالبته لها بالاعتذار لإفريقيا والتعويض عما لحق بها من ظلم وجور لشعبها, وسلب ونهب لخيراتها, إنها فرصة اذن للثأر من هذا الثائر الاسود القادم من الجنوب الساعي الى وحدة افريقيا واستغلال خيراتها لصالح شعوبها وتكوين تكتل اقتصادي وسياسي يماثل الاتحاد الاوروبي وطالب بأن يكون لهذه القارة مقعد دائم بمجلس الامن. اطراف آخرى ساعدت على تأجيج الصراع الداخلي في ليبيا ,إما لأسباب شخصية للدور الذي حاولت القيادة الليبية لعبه في المنطقة وخاصة إفريقيا, وإما للتعبير لأسيادهم بأنهم قادرون على لعب اي دور في المنطقة والوثوق بهم. واستعدادهم لبذل ما يملكونه من اموال في سبيل تحقيق "الشرق الاوسط الجديد" ونسوا او تناسوا ان الدور سيكون عليهم فالغرب ليس له اصدقاء , إما أعداء وإما  أزلام (خدم).
لعل الحدث الأبرز قبيل سقوط النظام هو ما أقدم عليه ألقذافي من تمزيق لميثاق الأمم المتحدة إبان حضوره جلساتها العام 2009 ويعتبر أول حضور له منذ توليه السلطة, افرغ ألقذافي ما في جعبته متهما الغرب بأنهم يكيلون بأكثر من مكيال في الشؤون الدولية وخاصة ما يتعلق بالعرب والمسلمين, ومن أن إفريقيا يجب أن تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي حيث أنها تضم أكثر من خمسين دولة, لم يرق للعالم الغربي ذلك يعتبرونه حاكما مشاكسا,تعاملوا معه بقدر مصالحهم معه,لكن يبدو آن الكيل قد طفح وبلغ السيل الزبى,فكانوا يتحينون الفرص للانقضاض عليه,وهكذا كان ضمن مسلسل غربي نفذوه بإحكام متقن,ولا تزال ليبيا تعاني ضمن الدول العربية المستهدفة من ويلات الغرب,فمن تسلقوا جدران القصر الرئاسي اثبتوا أنهم مجرمون فعاثوا في البلاد فسادا وقتلا وتشريدا ولم يعترفوا بنتائج صناديق الانتخابات, ولا يزالون يصرون على حكم البلد وان أدى ذلك إلى إبادة شعب بأكمله والعالم كله يتفرج وخاصة أمريكا والغرب, أليسوا هم سبب بلاء الأمة.
وأخيرا وبعد أربع سنوات من القتل والتدمير والتهجير اعتقد أن الجميع أدرك بأن ما يجري هو تنفيذا لأجندات خارجية هدفه تدمير بلدان الشرق الأوسط والاستحواذ على مقدراته الطبيعية أما المتعلمون من العرب فإما ترحيلهم إلى بلاد الغرب للاستفادة منهم أو التصفية الجسدية.