حميد زناز 

لأول وهلة، تبدو غريبة، بل مستحيلة العلاقة بين حركة إسلاموية تدعي الصلاح والإصلاح وحركة نازية عنصرية مدمرة. لكن ستختفي الغرابة إذا ما عدنا إلى التاريخ الحقيقي للإخوان المسلمين، إذ سنعثر على قواسم ايديولوجية مشتركة بين الحركتين وعلاقة ودية وأهداف واحدة في النهاية.         

إن الهيمنة شبه الكاملة لجماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها على الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية العربية وقفت حاجزا أمام الكشف عن تاريخ الإخوان الحقيقي بين عامة الناس (انظر، على سبيل المثال، كيف تقدم الجزيرة حسن البنا على أنه بطل قومي على موقعها على الإنترنت).  

استوحى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان من النموذج الألماني الذي ساد في الثلاثينيات من القرن الماضي في تصور العديد من الأفكار والإجراءات. كما يتضح من كتاباته نفسها حيث نجد في رسائله إعجابًا واضحًا بالفاشي موسوليني والنازي هتلر.  لقد كتب زعيم جماعة الإخوان المسلمين دون لف ولا دوران: "ثم ظهرت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، وأخذ موسوليني وهتلر بيد شعبيهما من أجل الوحدة والنظام، والتقدم، والقوة، والمجد. وباختصار، وضع هذا النظام هاتين الدولتين في مركز الصدارة: على طريق العدالة في الداخل والقوة والهيبة في الخارج. وهذا رفع في النفوس آمالاً أبدية وأحيا الحماس والإرادات الراكدة، وجمع أقوال المنشقين المشتتين على نظام واحد ودليل واحد، الفوهرر أو (الدوتشي). إذا تكلم أي منهما أو أفتى، ارتعدت الكواكب وأصغت الأبدية".  

في رسالته إلى الشبان المسلمين، طلب منهم حسن البنا أن يحذوا حذو النازية: "لئن فرضت الإمبراطورية الألمانية نفسها كحامية لكل من يسري الدم الألماني في عروقه، فإن العقيدة الإسلامية تطالب أيضًا جميع المسلمين الأقوياء بأن يعتبروا أنفسهم حماة لكل من هو متشرب بتعاليم القرآن". ولم يقتصر الانبهار على الجانب الأيديولوجي، بل امتد إلى التنظيم على الأرض إذ منذ تأسيس الجماعة، بدأ الإخوان الأوائل في تشكيل ميليشيات على النموذج الفاشي والنازي.   

هل كان يريد حسن البنا من الشباب المسلم أن يقتل الملايين لحماية العقيدة تمامًا مثل ما فعل النازيون الذين قتلوا الملايين متظاهرين بالدفاع عن الدم الألماني النقي المزعوم؟  فكشافة حسن البنا التي أطلق عليها اسم "الجوالة" هي نسخة طبق الأصل من تنظيم الشبيبة الهتليرية والموسولينية من ناحية التنظيم والهيكلة وحتى لباس عناصرها الرسمي. وإذا ما صدقنا رئيس الاستعلامات السرية السابق للإخوان، على العشماوي، فقد كان حسن البنا معجبا بـ "الغستابو"، تلك الشرطة السرية التي أرعبت العالم كله.                                              

أراد حسن البنا أن يجعل من "الجوالة" قوة شرطة شبيهة بالمخابرات الألمانية، ولم يكن المسؤول الوحيد الذي تربطه علاقات وثيقة بالمخابرات الألمانية، بل كان هناك الكثير من الإخوان المسلمين، فعداؤهم المفاجئ لأصدقائهم البريطانيين في تلك المرحلة جعلهم حلفاء طبيعيين لألمانيا. تقاطعت أجندة جماعة الإخوان مع أهداف ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية فتعاونت أجهزة الإخوان السرية مع "إس إس" النازية ضد البريطانيين بعد أن وعدهم هتلر بحكم مصر في حال انتصار ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. وليس ذلك فحسب، ففي الكتاب الذي نشره الصحفي الاستقصائي الشهير مايكل برزان تحت عنوان "الإخوان المسلمون - تحقيق في الأيديولوجية الشمولية الأخيرة" نقرأ أن الجهاز السري للإخوان تم تمويله بشكل مباشر من قبل الحزب النازي.    

يُظهر لنا التاريخ بالصوت والصورة والفيديو علاقة أمين الحسيني مفتي القدس وهتلر وكيف كلفه هذا الأخير بالتنسيق بين النازية والإسلاميين وكيف بذل جهودا كبيرة لإرسال جنود مسلمين بوسنيين للقتال إلى جانب القوات الألمانية. لقد شارك مفتي القدس حتى في الدعاية للرايخ من برلين عبر الإذاعة النازية. والغريب في الأمر أن طارق رمضان، حفيد حسن البنا، فخور بعلاقة جده وتعاونه مع أمين الحسيني إذ لم يطرح أدنى سؤال عن علاقته بالنازية في الفيديو الذي خصص للحديث لحياة جده من أربع حلقات. 

يتظاهر طارق رمضان بأنه لا يعرف أنه خلال الحرب العالمية الثانية كان المصريون من أنصار هتلر معظمهم من الإخوان المسلمين وكانوا يرددون ذلك الشعار المشين:" بالسما الله، عالأرض هتلر". 

مرت عقود وأصبحت البشرية جمعاء واعية بالشر المطلق الذي ارتكبه هتلر ضدها لكن يبدو أن موقف الإخوان الإيجابي تجاه النازية لم يتغير، وما زال الإعجاب بهتلر في قلب وعقل أشهرهم اليوم: يوسف القرضاوي الذي مجّد هتلر على قناة الجزيرة في يناير 2009 و اعتبره كمبعوث إلهي، قائلاً بلا أدنى خجل : " على مر التاريخ، أرسل الله أفراداً لمعاقبة فساد اليهود ، وكان هتلر آخر شخص  اختاره الله  لتنفيذ العقاب". وهكذا أصبح هتلر مع يوسف القرضاوي مرسلا من المرسلين.  

الإسلامو- فاشية "، هذا الوصف الذي يطلق على جماعة الاخوان في الغرب ليس مصادفةً فهي تشبه النازية والفاشية من نواحٍ عديدة، أهمها: تشكيل ميليشيات بهدف فرض أفكارها على الناس بالقوة. إذا كانت النازية ديناً سياسياً، فإن الجماعة تستخدم الدين لأغراض سياسية بغية السيطرة على المؤمنين.  

من مميزات الحركات الفاشية منح القائد أو المرشد قدسية تجعله سيدًا على كل الهياكل ومحصنا من كل نقد. نشر الرعب والخوف بكل الطرق. توزيع المناصب على أعضاء الجماعة وعدم الثقة بالآخرين، المؤامرات والدسائس، تنظيم مظاهرات شبه عسكرية، العداء لليهود، التهديد المستمر للخصوم السياسيين، كما يتضح من شعار الإخوان الذي نراه في كتبهم ومجلاتهم وعلى واجهات مقراتهم. شعار صممه حسن البنا نفسه: سيفان متقاطعان، صورة مصحف، كتبت تحته بداية آية قرآنية: "وأعدوا"، هي دعوة واضحة للاستعداد للجهاد.  علاوة على العديد من الشعارات القتالية الأخرى. أما شعار الاخوان فهو: "الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

إذا كانت القاعدة وداعش وغيرهما من الحركات الإرهابية تشبه النازيين في عنفهم الشديد، فإن الإخوان هم الذين جهزوا أيديولوجياً هذه الحركات العنيفة. الفاشية الاسلاموية ليست من صنع الخيال، بل هي موجودة بالفعل، تجسدها وتنشرها بخبث جماعة الإخوان المسلمين.  إذا كان النازيون يؤمنون بتفوق الجنس الآري، فإن الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين ما زالوا يؤمنون بالتفوق الأخلاقي للمسلمين على كل البشر غير المسلمين ومع الأسف يشاركهم في الأمر ملايين المسلمين.