أدخل العرب _ حينما دخلوا _ أوروبا من طرفيها الغربي ( الأندلس ) والشرقي ( حدود فيينا ) علوم الرياضيات والجبر والفلك والطب والكيمياء والموسيقا والأدب ..هذا ليس سرا فضلا على أنه ليس فى مقام نوستالجيا الماضي .. لكنه فقط لأستنطاق المسألة بما يليق بها من تبسيط ..

أدخل العرب الى أوروبا حين اقتربوا من ضفافها العلوم كافة . واستقبلوا منها _ ومازالوا يستقبلون _ الحروب الصليبية والأستعمار بأنواعه .. ونهب للمقدرات والثروات وفرض التقسيم والأحتلال والأرتهان والتبعية والتهميش والأزدراء والأهانات .. وما لا يحصى من مفردات في هذا السياق .. مناهج التعليم فى الوطن العربي تتحدث بتوقير ( واجب ) وافر عن كوبرنكس ومدام كوري ونيوتن وأينشتاين وارسطو وبتهوفن .. وترسم وسائل الأعلام العربية ( عبر وسائط مختلفة ) صورة مبهرة للغرب المتقدم في الميادين كافة ( بطبيعة الحال دون التورط في مجرد الاشارة الى الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة) .. فيما تحفر عقلية الخنوع العربية أخاديد في أذهان الأجيال الجديدة تقود مصباتها صوب هذا الغرب سلبا وايجابا .

مناهج التعليم فى الغرب تصور العربي كائنا منفرا وتلصق به في حكايات وأناشيد وقصص مصورة ومقرؤة كل ما يمكن لصقه من دلالات الغدر والخيانة والكذب والحقد الخ الخ (( كأنني أسمع بعضهم من ليبيا والعراق وسوريا واليمن والسودان يقولون ..أن هذا صحيح حقا !!!)) .. تردفها وسائل الأعلام والسينما بتقارير ودراسات وأفلام ومسلسلات واستطلاعات وتقارير أستقصائية وأخبار مفبركة ترسم وفق هندسة اعلامية شديدة التعقيد تجمع على أظهار العربي الا في ما نذر ملوثا بالدونية.

كلنا نعرف الآن كيف نحث ( شولتز ) في القرن التاسع عشر مصطلح  ( السامية ) وكيف تلقفه اليهود المؤسسون للحركة الصهيونية وصهروه في ذاكرة ( الغيتو )لأكثر من قرن ونصف تقريبا قبل أستخدامه عقب الحربين العالميتين في أكبر حملة ابتزاز شهدها التاريخ البشري ليحصلوا على أرض ليست لهم ولا من حقهم وعلى دعم لا حدود له تقريبا ناهيك عن سيطرتهم بذلك على أذهان وضمائر قارتين على الأقل وليس مجرد دول أو أشخاص هنا وهناك ..

العرب لم يرسلوا طائراتهم ودباباتهم وفرقطاتهم وجنودهم لاستباحة أوروبا وأمريكا , ولم يغتصبوا نسائهم ولم يقتلوا أطفالهم ولم يلوثوا مياههم ولم يسرقوا ثراواتهم وعقولهم ويطمسوا هويتهم .. لم يفجر العرب حروبا كونية ولم يثقبوا علاف الأوزون ولم يمتلكوا أسلحة الدمار الشامل ولم يحتكروا المعرفة ..العرب ضحية قديمة للغرب.

العرب ومنذ نحو خمسة قرون ضحايا لحقد الغرب وكراهيته.. منذ الحروب الصليبية وحتى تدمير العراق وليبيا .. يتعرض العرب منذ ذلك التاريخ القديم لحملات منظمة من العنف والأرهاب والتخريب .. الغرب يكره العرب.

آلاف الكتب والأفلام والمسلسلات والبرامج والدراسات ( منذ رحلات الأستكشاف الأستعمارية للبحث عن مواد خام وأسواق . بعد أكتشاف البخار ) تقول كلها جميعا وعلانية أن الغرب يكره العرب . وأن المقولة التى أطقلها الروائي والشاعر البريطاني دوريالد كليبينج : الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا ,هي أكثر من حقيقة .. وما يفعله الغرب منذ الحروب الصليبية وصولا الى ما فعله في تمكين الأحتلال الأسرائيلي لفلسطين وتدمير العراق وليبيا واليمن وصناعة القاعدة وداعش الخ من القنابل الذاتية بدلا من الدفع بجنود من الغرب ..لم يعد الغرب يخفي برامجه ومخططاته وصار العبث الغربي في الشأن العربي يبث على الهواء مباشرة .. صارخا أن الغرب يكره العرب ..

تبخيس اسعار الخامات العربية .. سرقة العقول والمواهب .. الأرهاب المباشر وغير المباشر .. التلويح الدائم بسيف العقوبات .. فرض التبعية ورهن القرار السياسي .. الخ من الشواهد التى تؤكد ان الغرب يكره العرب .

لا أعفي بطبيعة الحال مسؤولية النظام العربي برمته عن القبول المهين بالأرتهان .. وهو ما يدعو الى أن يرفع الشعب العربي سلاح عدونا ولنقل للغرب ( أوروبا وأمريكا ) أنتم تكرهون العرب ( الساميون ) .. أنتم عنصريون .. أنتم أرهابيون .. لتضغط قبائل العرب على حكامها القدماء والجدد ومؤسساتها واعلامها وجامعاتها والمواطنين لقول ذلك للغرب حكاما ومؤسسات واعلاما وجامعات وأفرادا .. لا نمارس الأبتزاز مطلقا ولا نبتغي حظوة .. ما نبتغيه هو وضع النقاط على الحروف ..

ما نبتغيه هو التوقف عن كوننا كيس ملاكمة ( ملطشة ) للركل واللكم والصفع .. لابد للمهزلة أن تتوقف.

 

كاتب وصحفي ليبي 

Mahmoud Albosifi
[email protected]