صحيح أن هناك من يكذب كذبة ، ثم يروّجها عاليا وبعيدا ، حتى إن عادت إليه صدّقها ، وصحيح أن هناك من يحترف الكذب ، وقد يكذب المرء حتى يسمّى عند الله كذّابا ، و« الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب » ، وصحيح كذلك أن في الناس من يجعل من الكذب تكتيكا وربّما إستراجيا متكاملة معتمدا على فتاوى تبيح ودراسات تبّرر التلاعب بالعقول الغافلة والعوامّ بسيطة الفهم ، وحتى  من تحسب نفسها نخبا واعية بما يدور حولها وهي عن ذلك أبعد بمسافات 

والكذبة هذه المرة ،وكأغلب المرّات ، جاءت من الدوحة ، ومفادها أن الشيخ تميم بن حمد آل ثان، أمير قطر، تلقى رسالة خطية من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي،  تعد الأولى منذ أزمة سحب السفراء.

وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية، صباح الثلاثاء، إنه « الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تلقى رسالة خطية من أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي».وأضافت «تسلم الرسالة  الدكتور خالد بن محمد العطية، وزير الخارجية، خلال استقباله أحمد شويرب، القائم بأعمال سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في قطر، مساء الإثنين»

 لكن مريم الفلاسي مديرة الإدارة الإعلامية بوزارة الخارجية  الأماراتية أدلت بتصريح رسمي أكدت فيه  إن سفارة الأمارات  في الدوحة كانت قد طلبت بتاريخ 5 يناير 2014 تسليم رسالة مؤرخة في 12 ديسمبر 2013 منالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إلى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر تتعلق بفوز دبي بإستضافة إكسبو 2020 .
وأضافت المسؤولة الإماراتية  إن موضوع الخطاب كان عبارة عن رسالة مجاملة أرسلت للدول الشقيقة والصديقة بعد فوز مدينة دبي بإستضافة إكسبو 2020 ،  وأوضحت أن الرسالة والمقابلة بالتالي لا ترتبطان بالتطورات الأخيرة التي أدت إلى سحب سفراء المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة من الدوحة. 

وقد جاء الرد الإماراتي ليدحض الإدعاء القطري الذي حاول أن يوحي بمسائل عدة منها

أولا / حاول أن يبعث برسالة خاطئة للمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين بأن دولة الإمارات العربية المتحدة خرقت ما جاء في البيان الثلاثي  الصادر الأسبوع الماضي والذي تضمّن الإعلان عن سحب  السفراء من الدوحة

ثانيا / حاولت إقناع الرأي العام الإماراتي والخليجي والعربي والدولي بوجود خلاف بين حكومتي أبوظبي ودبي حول الموقف من قطر ، إنطلاقا من نشر خبر قديم حول رسالة قديمة ، بدعوى أنها أول رسالة توجه للأمير تميم من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بعد سحب سفير الدولة وسفيزي الرياض والمنامة في البحرين

ثالثا / عملت الدوحة من خلال الخبر على طمأنة الرأي العام الداخلي بأن جسور التواصل السياسي والديبلوماسي لم تنقطع مع دولة الإمارات العربية المتحدة وأن الرجل الثاني في المجلس الأعلى لحكام الإمارات بعث رسالة لحاكم قطر قد تكون حاملة لوقف مختلف مع الموقف الرسمي المعلن بسحب السفير الإماراتي من الدوحة

رابعا / سعت الدوحة من خلال نشر الخبر والتركيز عليه من قبل وسائل الإعلام التابعة لها في الداخل والخارج بث البلبلة في الرأي العام العربي الذي كان في أغلبه مرحبا بالقرار الإماراتي السعودي البحريني بسحب السفراء ، ولو لم يصدر التوضيح الإماراتي لكان الموضوع قد إتخذ أبعادا أخرى خصوصا من خلال تحاليل جوقة المحللين الخصوصيين لقناة « الجزيرة » وأخواتها

وهذه الكذبة ليست غريبة وإنما هي جزء من سياق عام نراه يتخذ المساحة الأهم من مشروع الإخوان ومن والاهم .

وهذا الكذبة قد تبدو بسيطة وساذجة مقارنة بأكاذيب سابقة سفكت دماء الألاف من بني الأمة .

وهذه الكذبة لن تؤثرّ في الموقف الأماراتي ولا في البنيان الإماراتي السعودي البحريني المرصوص .

وهذه الكذبة لن تعيد المصداقية المفقودة لحكام الدوحة أمام شعبهم والشعوب الأخرى وخاصة في منطقة الخليج العربي .

ولكن يبدو أن أشقاءنا في قطر  وجدوا من يفتي لهم بتحليل الكذب على الأشقاء ، ومن ينظّر لهم بدور الأكاذيب في خدمة مشروع « التغيير » الإستراتيجي الذي تتبنّاه الدوحة وتحاول فرضه على دول وشعوب المنطقة العربية ،ويبدو أن « الجزيرة » لعبت دورا مهما في إثبات جدوى الكذب  وخصوصا  في بذر الفتنة والخراب وفتح باب الظلمات والإطاحة بسيادة دول عربية والقضاء نهائيا على المشروع القومي وتسميد الأرض وتخصيبها لتكون حاضنة لسوس الإخوان وباكتيريا الإرهاب .

ومن ينظر في جرد مفصّل للأكاذيب التي نشرتها « الجزيرة » خلال ثلاثة أعوام مضت ، سيدرك أننا أمام جريمة إبادة جماعية ، يقودها متآمرون ومرتزقة ،لا يعرف قداسة للدم ولا للأعراض ولا للقيم ولا للإخلاق ،وإنما يهمه فقط تنفيذ برنامجه المعدّ سلفا ،والذي لا يستثني أحدا ، بما في ذلك ذوي القربى من أهل الخليج العربي ممن يستهدفهم  الحلف الشيطاني الجديد ، وقد تكون كذبة مارس التي وجدت من يفندها عاجلا بابا لفضح أكاذيب لم تجد من يفنّدها في زحمة عاصفة الخريف الإخواني المظلم .