لم يأت إعلان ثلاثة دول من مجلس التعاون لدول الخليج العربي سحب سفرائها من الدوحة إلا تأكيدا أن السيل بلغ الزبى ، وأن  مواقف الدوحة باتت تمثّل خطرا حقيقيا على المنطقة وتدخلا سافرا في شؤون الدول  ودعما أساسيا لآلية التخريب التي تستهدف العالم العربي خدمة لإجندات لم تعد تخفى على أحد ، فحيثما كانت الأزمات والمشاكل كانت يد الدوحة تحرّك أصابعها المشبوهة لتصب الزيت النار ،أو لتبث الفتنة ،ولتعمل على تخريب المجتمعات من الداخل وعلى اإطاحة بسيادة الدول من خلال الغطاء المالي والسياسي وإلإعلامي  للجماعات المتطرفة والتحريض المباشر على الأنظمة وتزوير الحقآئق بما يخدم عقيدة التخريب الإخواني وتجيير الخطاب الديني لأهداف سياسية معادية للأمة ،عير إعتماد عدد من رجال الدين المأجورين أو من أصحاب الإيديولوجيات الراديكالية التي لا ترى مانعا من الإفتاء بهدر الدماء وتمزيق الشعوب وتخريب الأوطان

ولا تقف قطر عند الحد،وإنما تعتمد التقيّة في مواقفها مع أشقائها وجيرانها ، حيث تتظاهر لهم بالود ،في حين تعمل في الخفاء على تحريك الجماعات المرتبطة بها وبمشروعها الإخواني الذي يتخذ صورتين متداخلتين : أولاهما التظاهر بالدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبتبني خيارات السلام والإعتدال والتقرب من الغرب والإرتباط المباشر بواشنطن ومراكز النفوذ الصهيوني فيها ، في حين تتخذ الصورة الثانية بعدا إنقلابيا عن كل هذه الأهداف المعلنة ، حيث يأتي التحالف القطري الإخواني مع الجماعات الجهادية ليكرّس رغبة في السيطرة على دول المنطقة وعلى مقدراتها وثرواتها ثم الإنقلاب على التفاهمات السابقة مع الغرب لبناء دولة الإخوان على إنقاض الدول القائمة حاليا 

وجعلت قطر من شعار « الربيع العربي » غطاء لطموحها التوسعي الذي لا يستثني دول منظومة الخليج العربي ،والذي تنطلق نحوه من خلال شبكة علاقات متناقضة مع القوى الإقليمية والدولية  ، وعبر التحالف مع الجماعات التكفيرية التي جعل منها المشروع القطري أدوات له في المعادلات السياسية في عدد من الدول مثل مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق ، واللعب على أوتار الخلافات الفكرية والجهوية والمذهبية والقبلية والعرقية ،حتى باتت المقولة الأكثر رواجا في كل أزمة : إبحث عن قطر 

وكانت دول الخليج أدركت حجم المؤامرة التي تستهدفها والتي يقف وراء طموح حكام قطر لتغيير وجه المنطقة عبر إستقطاب العملاء والمرتزقة والطامعين من ضعاف النفوس ، وفهمت هذه الدول أن وراء القيادة القطرية السابقة والحالية ثأر تاريخي مرتبط بعقلية جاهلية من موقف سابق من إنقلاب الأب على أبيه ، وأن هذا الثأر تتم ترجمته في توجهات تآمرية لم تتعب كثيرا في أن تجد له حصان طروادة المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين ومن قامت الدوحة بجمعهم معها على ذات الهدف وخاصة من الجماعات المتطرفة والشعوبية ، 

ومن يتابع المشهد في ليبيا ومصر واليمن مثبلا يعرف حجم التورط القطري في ربط التحالف الدموي بين الإخوان والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة ، ويدرك أن الدوحة باتت تقود معركة ليس فقط ضد تلك الدول وإنما ضد مصالح دول الخليج العربي في المنطقة ، دافعة بإمكانياتها المالية الضخمة ،وبجناحها « الشرعي » المتمثل في إتحاد العلماء المسلمين الذي يتزعمه يوسف القرضاوي ،وجناحها الإعلامي المتمثل في قناة « الجزيرة » لساحة الصراع في أكبر عملية معلنة ( وبعضها خفي ) لتأجيج الفتنة 

وتتضح حقيقة التأمر القطري من خلال المراهنة على تخريب مصر إعتمادا على العمل الميداني وتمويل العصابات الإخوانية المسلحة ومساندة الجماعات التكفيرية بالدعم اللوجيستي من الغرب حيث تسيطر المخابرات القطرية على الساحة الليبية وعلى المليشيات المسلحة ، ومن الشرق حيث تنفذ حماس أجندة الدوحة بكل حماس ومن الجنوب حيث يتم الدفع بتأزيم الموقف مع أثيوبيا حول سد النهضة ، ومن الداخل حيث تراهن قطر على تحويل مصر الى سوريا أخرى وعراق آخر ، وعلى إدخال البلاد في أتون حرب أهلية تطيح بقوة الجيش وتنهي مكانة الدولة وتقضي على دور مصر الوطني والقومي والإقليمي 

وكانت تصريحات يوسف القرضاوي ضد دولة اأمارات العربية المتحدة وحكامها تعبيرا عن موقف لم تجرؤ الدوحة على التعبير عنه علانية ، ومحاولة لتأليب الرأي العام العربي والإسلامي على دولة عربية مسلمة معتدلة وذات أياد بيضاء على العرب والمسلمين وغير قابلة للإبتزاز الإخواني ، كما كانت تلك التصريحات إنعكاسا لحقد وحسد دفينين في نفوس مريضة ،تكره أن ترى الأمن والإستقرار والنهضة في دار زايد ،كما تكره أن تنجح الأمارات في صد محاولات الإساءة إليها من الداخل عبر مجموعة من المتأمرين على أمن دولتها ،وأن تعلن الأمارات علنا موقفها المناهض للمشروع الإخواني المعادي للإسلام والمسلمين وللعرب والعروبة 

كما يبدو الموقف القطري من المملكة العربية السعودية واضحا في نزعته التأمرية ضد وحدة الدولة وأمنها وضد دورها الإقليمي والدولي ، فالقيادة القطرية لا تريد الإعتراف بحجمها الحقيقي ولا بحقيقة قدراتها ، وهي لا تكف عن مواجهة الحضور السعودي المنطلق من ثقلها الإقليمي والعالمي سوآء في اليمن أو لبنان أو فلسطين أو العراق أو سوريا أو مصر أو في دول المغرب العربي أوفي القرن الإفريقي وفي وسط آسيا 

كما ستكشف الأيام عن دور قطري في المس من أمن وإستقرار دولة البحرين إستهدافا للعلاقات التاريخية والحضارية والسياسية والإقتصادية واإجتماعية بين المنامة والدوحة 

لقد عملت قطر خلال أعوام طويلة على أن تكون داخل منظمة التعاون الخليجي في حين كانت تعادي الدول الشريكة في هذه المنظومة ،حيث إختارت دول الشقيق العدو ، والإبن العاقّ ، والشريك المتأمر ، وقد صبرت دول الخليج كثيرا على هذا التوجه وهذه المواقف قبل أن تقول كلمتها وتتخذ قرارها عسى أن يعود الى حكام الدوحة رشدهم قبل فوات الأوان 

 

 

 

 *كاتب صحفي من تونس