هي البلطجة إذن ؟ قد يحتاج البعض من النخب العربية الغبيّة الى زلازل وبراكين عدة  حتى يفهم طبيعة ما يجري حوله، وقد تنقلب الدنيا رأسا على عقب ،وتنهار الدول ، وتفنى الشعوب ، وهذه النخب في غالبها لاتزال تحت تأثير المخدّر «الديمقراطي » كما السذّج تحت تأثير الفتاوى وحبوب الهلوسة والمخدرات 

منذ البداية لم أصدّق أن هناك ربيعا عربيا ، وخصوصا مع إنطلاق الأزمة في ليبيا ، صدّقت أن النظامين التونسي والمصري كانا مثل ضرسين آيلين للسقوط ، أما في ليبيا فقد بدأ الخلع القسري للأسنان إعتمادا على كُلّاب الناتو ، وما كان لمنظر الدم النازف أي تأثير على الجموع المندفعة بنفسية القطيع ، حيث إتجه التحالف الشيطاني بين الإعلام الموجّه وفتاوى التكفير وتصريحات الساسة المأمورين ومواقف المثقفين فاقدي الرؤية الى دعم المخطط القطري الإخواني الذي إستعمل سلاح الإرهابيين وشعارات الغرب في تنفيذ مخطط السيطرة على المنطقة العربية 

قد أحتاج الى تأليف كتاب « ألف كذبة كذبة لإسقاط ليبيا » لأكشف حجم الأكاذيب من كذبة قتل آلاف المدنيين الى كذبة القصف الجوي للمدن الى كذبة المرتزقة الأفارقة وإغتصاب الجيش للنساء ، ومن كذبة توجيه الجيش لمسح بنغازي الى كذبة الفياغرا في جيوب الجنود ، وكذبة أن القذافي أمه يهودية ، وأنه كافر ، وكذبة فراره الى فنزويلا ،وكذبة نعته للشعب الليبي بالجرذان في حين كانت العبارة موجهة للإرهابيين فقط ، وكذبة قوله « الشعب الذي لا يحبني لا يستحق الحياة » في حين أنه قال « إذا كان شعبي لا يحبني فأنا لا أستحق الحياة » 

لقد نجحت قطر ومن ورائها الإخوان وحلفاؤهم المحافظون الجدد والشركات متعددة الجنسيات الطامعة في ثروات العرب في توجيه الإعلام نحو هدف واحد وهو السيطرة على  الرأي العام وبالتالي القرار السياسي وصولا الى تدمير المنطقة ، وقد تبيّن للأسف أننا أمة ذات بنية نفسية وفكرية هشّة يمكن التلاعب بها بسهولة ، وأن الإعلام يمكن أن يتحوّل بسهولة الى إداة قذرة بل والى سلاح إرهابي من الطراز الأول ،وأن المثقف العربي يندفع وراء الشعارات بدون وعي ،ويتأثر بالرأي ويفتقد للرؤية ، وأن المال يمكن أن يشتري الضمائر بما فيها ضمائر رجال الدين الذين هم في كل واد يهيمون ،يفتون بما لايعرفون ، أو يفتون بما يؤمرون 

في تونس ، تم الإعتماد على عشرات الأكاذيب في تشويه النظام السابق ، من الحديث عن عشرات مليارات الدولارات المنهوبة ، الى الحديث عن فرار بن علي ،وسرقة زوجته لطن من الذهب ، ثم جاءت كذبة الكنز في قصر سيدي الظريف ، وكان الهدف هو إثارة التونسيين بالحديث عما يحبّون : المال ، فالشعب المنفتح على ثقافة الإستهلاك بكل جوارحه ،والفاقد للثروات الباطنية في بلاده كان يريد أن يصدّق أن بلاده ثرية فعلا ،وأن الثروة كانت منهوبة ،وستعود إليه ليستفيد منها وهو نائم في عسل الراحة من أي جهد في ساحات العمل ،خصوصا وأنه شعب عربي لا يختلف عن بقية أشقائه في البحث عن المكاسب يسيرة المنال 

في مصر ، كان ذات الأمر ، فمنذ أول يوم للحراك الشعبي تم توجيه الرأي العام بكذبة صحفية من إعلام العالم الحر تقول أن لمبارك سبعون مليار دولار في مصارف الغرب ، ثم كانت فيلم قتل المتظاهرين على أيدي عصابات الإخوان وإتهام الأمن والجيش بها ، فمشروع البلطجة لا يستثني قتل الإبرياء وإنما يجعله على رأس أدواته للسيطرة على الدول 

قطر وأتباعها إستفادوا جيدا من خطة تدمير العراق بالأكاذيب ، وإعتمدوها في مشروعهم الجديد الذي إنطلق من تونس ،ومشروع « التغيير » كان في الأصل مشروع بلطجة  ،ولا يزال بلطجيا الى اليوم ، يبقى أنه فوجيء بإستفاقة الشعوب ، فالجزائريون مثلا رفضوه قبل أن يصل إليهم ، والخليجيون أدركوا حقيقته يوم إتجهت إليهم سهام الشقيق القطري تحاول اللعب في ديارهم إعتمادا على ذات الوسائل : الأكاذيب والتشويه المتعمد والإعلام الخادع 

ولنأخذ مثلا دولة الإمارات العربية المتحدة التي رحّبت بالتغيير في تونس ومصر وكان لها دور في الإطاحة بنظام القذافي قبل أن تكتشف أنها غير مستثناة من المؤامرة ، بل وقد تكون وبقية دول الخليج الهدف الرئيس والإستراتيجي من وراء ما حدث أولا في دول من شمال إفريقيا 

تعرّضت الإمارات الى حملات إعلامية كاذبة والى محاولات إختراق أمنها الداخلي ، في فبراير 2012 ، إلتقيت بصديق صحفي إماراتي في تونس ، كان سعيدا بما حدث في « دول الربيع العربي » وكان يتحدث عن الثورة والديمقراطية ،قلت له : لا تبتهج يا صديقي وإنما حاول أن تنظر حولك جيدا ،فهذا الربيع المزعوم ليس ثورة وإنما عملية بلطجة دولية ، أراه يستهدف الأمارات في ما يستهدف ، وسيأتيك بالأخبار من لم تزود 

بعد أشهر ، قرأت عن إكتشاف خلايا تآمرية للإخوان في الإمارات ، وأدركت أن الإماراتيين فهموا أن المشروع الإخواني يستهدفهم كذلك ، 

وعندما قررت دول الخليج وخاصة السعودية والامارات  والبحرين مواجهة مشروع الفوضى في بلدانها ،ومدت يد المساعدة للشعب المصري المنتفض على مؤامرة إخوان قطر وتركيا والإيباك ، أطلقت الدوحة صفارات الإذن لإتباعها في كل مكان بشن الحرب الإعلامية ضد أبوظبي خاصة ، وعادت قاعة عمليات الحرب النفسية لتشتغل على غباء النخب وسذاجة الشارع ،فقد تم إتهام الإمارات بالتورط في قتل المسلمين في افريقيا الوسطى ،وبضرب المشروع الديمقراطي في مصر من خلال دعم ما سمي بالإنقلاب ، وبمساعدة ما سمي بمحاولة الإنقلاب في تونس ،وبالوقوف وراء الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر في ليبيا ، والهدف من ذلك هو تقديم دولة الإمارات على أنها دولة معادية للإسلام في كل مكان ،وللصحوة الإسلامية ، ولثورات ما سمي بالربيع العربي ،ولإرادة الشعوب  ، وليس لمؤامرات الإخوان وقوى الإسلام السياسي التي تحرّكها قطر بالريموت كنترول لبث الفوضى في المنطقة وإسقاط الدول وتمزيق المجتمعات وقتل الشعوب والسيطرة على مقدراتها وثرواتها 

وآخر الأكاذيب ،إتهام الإمارات بتمويل الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة ، وقيام أحد الناشطين في الهلال الأحمر الإمارتي بالتجسس على المقاومة ، وكانت البداية من خبر فبركته المخابرات القطرية ردا منها على إيقاف عناصر لها كانوا بصدد التجسس على دولة الإمارات ، وتم إعطاء الإذن بترويج الخبر عبر صفحات الإنترنيت ومواقع التواصل الإجتماعي التي تمولها الدوحة وأغلبها تابع للجماعات الإخوانية ، ثم تبنت « الجزيرة » الخبر كعادتها لتضفي عليه مصداقيتها المفقودة ، عساه يجد صدى لدى من بقيت له قدرة على متابعة الأكاذيب ولدى عبيد الدوحة من رعاع الإسلام السياسي ،في حين كانت القيادات في تلك الجماعة تدرك أن الخبر مفبرك وأن الهدف منه هو الإساءة الى دولة كل ذنبها أنها كشفت حقيقتهم 

هذه الكذبة على دولة الإمارات ، ليست سوى قطرة من محيط الكذب الذي إنبنت عليه عاصفة الربيع العربي المزعوم ،وهي تؤكد على حقيقة مشروع البلطجة الذي أطلقته قطر ومن وراءها ، بل وتفرض إعادة النظر في كل ما حدث في العالم العربي منذ ديسمبر 2010 ، فالخبراء المجندون من قبل الدوحة يعتمدون على نقاط ضعف يعاني منها العقل العربي القابل للإبتزاز والإستفزاز ، ومنذ أعوام عدة ، كانت هناك مؤسسات دولية تعمل على تفجير العروبة والإسلام من داخلهما عبر مشروع ينبني على الأكاذيب والخدع والصور المفبركة وتطويع التقنيات الحديثة لتشويه الوعي ، وعلى ثقافة وروح البلطجة سواء كانت عسكرية أو سياسية أو إعلامية 

وقد تكون قطر نجحت في تخريب دول وتدمير مجتمعات ،ولكنها اليوم باتت مكشوفة للجميع ،تلاحقها اللعنات وتعصف بها الخيبات ، وقد إستفاقت الشعوب ،وفهمت النخب أنها سقطت في شباك « الجزيرة » وعزمي بشارة وأكاديمية التغيير وفتاوي القرضاوي والطابور الخامس ليبيراليي واشنطن وثوريي الإشتراكية في ثوبها الأمريكي الفضفاض وإعلاميي العهر والخديعة وأكاديميي البوفيهات المفتوحة في السفارات والمحللين الإستراتيجيين الغارقين في وحل المصالح الذاتية والملوثين بمخلفات الغاز الطبيعي 

وأعتقد أن الأيام والأسابيع القادمة ستكون حافلة بالمفاجئات للدوحة ،فما كل مرّة تسلم الجرّة ، ونيام الأمس بدؤوا يستفيقون من غفوتهم ، حتى أتباع قطر أدركوا أن للطريق الذي ساروا فيه حدودا لا منفذ فيها يؤدي الى الإمام والى المستقبل