أمريكا لا تكترث للآخرين .. فهي ومنذ ابادتها الدموية لأمة الهنود الحمر ( 60 مليونا تمت تصفيتهم خلال مائة عام) ,واسترقاقها واضطهادها للسود,ومغامراتها العسكرية فى جنوب شرق آسيا , وبسط هيمنتها على دول أمريكا الوسطى والجنوبية , ومقاسمة ستالين مناطق النفوذ فى أعقاب الحرب الكونية الثانية , صار في يقينها أنها مبعوث الرب لحكم العالم ,خاصة والجمعيات الدينية كانت ومنذ الهجرات الأولى للعالم الجديد تتمركز وتتأسس فى كل مكان تمتد اليه حراب البيض وجشعهم الأسطوري للدماء وللاستحواذ. فى وثيقة الأستسلام مع اليابان عقب كارثة هيروشيما ونجازاكي أصرت واشنطن على ضرورة أن يوقع عليها الأمبرطور شخصيا , كانوا يعلمون أنه مقدس لدى شعبه ولذلك حرصوا على تدمير هذه القداسة , وفى بغداد قتلوا من لاذ بالمساجد  وداسوا على القرآن الكريم فى مساجدها وأحرقوه للتدفئة فى كمائنهم فى شتاء 2003 فى كل العراق, أمريكا التى أسسها مهاجرون من العالم كله تقريبا تحولت بالبغي من دولة الى شركة عملاقة .. نهمة .. جشعة .. لا تشبع ولا ترتوي.

ميزانيات ( الدفاع ) فى الولايات المتحدة الأمريكية والتى كانت وسائل اعلامها تتحدث أنها لمواجهة الخطر السوفياتي , تضاعفت مرات ومرات عقب انهيار الاتحاد السوفياتي , وأتخذت أشكالا لم تكن تخطر على بال أحد أيام المواجهة مع موسكو.ومعظم الأنواع الخطرة فى برامج التسليح الأمريكية ( البيولوجية والجرثومية والفيروسية الخ الخ ) مازالت طي الكتمان , فيما يتم تجريب الأسلحة التقليدية الحديثة فى الحروب التى يتم التخطيط لها ( أفغانستان , العراق , ليبيا , سوريا ).

الحروب لم تعد تنشب صدفة أو لأي سبب يخص المتحاربين فقط .. صارت الحرب خاضعة لأستراتيجيات  يتم طبخها وتحضيرها فى دهاليز البنتاغون والسي. آي .أ. ولتكتيك يستجيب لاشتراطات يتم تأمينها في مجدلس الأمن القومي ووسائل الاعلام والخارجية .. لكن الأمر المثير للدهشة أن تلك المكونات الرسمية لم تعد وحدها من يتولى الرسم والتلوين والتأطير فى لوحة الخراب الرمادية التى تحفر واشنطن أخاديدها على وجه العالم.

تحدثنا فى الحلقتين الماضيتين عن ( نادي بليدربيرغ ) وعن ( لجنة روكلفر الثلاثية ) وعن ( مجموعة الأزمات ) وعن ( حركة المحافظين الجدد ) ومدى ما تحظى به تلك المجموعات من سرية ومن قدرات على القيام بأعمال رهيبة فى جميع أنحاء الكرة الأرضية.. يقترب عدد أعضاء تلك المجموعات الآن من أربعمائة مشارك من نخبة النخبة ومعظمهم من الأمريكيين يعملون وفق مساطر دقيقة  للمصالح المشتركة بين رأس المال الأمريكي وحلقة الحلفاء فى أوروبا واليابان وأسرائيل . الأخطر فى المسألة أن هؤلاء فوضوا أنفسهم بالعمل خارج الأدارات الرسمية ( الحكومات والمجالس النيابية) للتصدي دفاعا عن مصلحة المنظومة الأحتكارية الدولية التى شهدت أضطرابا عنيفا بعد تحول أمريكا ( قبل أربعين عاما ) من دولة مصدرة لكل شئ تقريبا الى دولة تستورد بعض حاجياتها من الخارج ومن دولة دائنة الى دولة مدينة .. وهكذا كان على تلك المجموعات ( كل على حده ) العمل على وضع البرامج المحاطة بأكبر قدر من السرية واللجؤ لاصدار قرارات غير رسمية  يتم تنفيذها عبر النفوذ الذي تتمتع به فى الأدرارات الحاكمة فى أمريكا وأوروبا واليابان .

تلاعبوا بأسعار الطاقة ( النفط والغاز والفحم ) وبأسعار العملات .. وخططوا لحروب هنا وهناك وتدبير انقلابات . وحركات تمرد وأحتجاجات منفلتة, وصولا الى تعيين رؤساء دول وحكومات واعضاء مجالس النواب لتنفيذ ما يطلبه الأمر الصادر عن تلك المجموعات عبر وسيط حكومي أمريكي أو أوروبي.

يقول زبينغيو بريجنسكي فى كتابه ( بين عصرين )الصادر فى 1970 (( للمرة الأولى في تاريخ البشرية , ينشط غالبية البشر سياسيا,ويمتلكون وعيا سياسيا فاعلا, ان هذا التوق العالمي للكرامة الانسانية يشكل تحديا مركزيا متلاوما في ظاهرة صحوة سياسية عالمية , صحوة هائلة اجتماعيا وجذرية سياسيا)) , ويضيف ( تتجاوز هذه الطاقات الحدود السيادية وتفرض تحديا على الدولة القائمة اضافة الى التراتبية الدولية القائمة , التى تحتل أمريكا قمتها )

ويستطرد المفكر الأمريكي البارز والمسؤول الفاعل من وراء الستار ( تواجه القوى الرئيسة فى العالم ,قدبمها وجديدها, واقعا جديدا : حين تتعاظم قدراتها الحربية المدمرة الى حدود غير مسبوقة , وتتراجع قدرتها على فرض السيطرة على الجماهير الناهذة سياسيا على أمتداد القارات , لنكن صريحين : في أزمنة سابقة كانت السيطرة على مليون أنسان أسهل من قتلهم . أما اليوم, فقتل مليون أنسان أسهل بكثير من السيطرة عليهم).

وفي مقالة له نشرتها صحيفة نيويورك تايمز 2008 قال بوضوح ( ان المهمة الضرورية والمهمة والعاجلة التى تواجه الرئيس الأمريكي الجديد هي استعادة الشرعية العالمية لأمريكا من خلال ترؤوس جهد جماعي من الحلفاء من أجل نظام أكثر شمولية لادارة العالم).. أعيدوا قراءة الكلمتين الأخيرتين .. ادارة العالم

 

Mahmoud Albosifi
[email protected]