كان _ نادي بليدربيرغ _ و _ اللجنة الثلاثية _ بمثابة الحاضنة أو لعله الجنين الذي خلق بعد ظهور مجموعات  مماثلة تحظى هي الأخري بجدران من السرية, ما يعرف بحركة ( المحافظون الجدد ) التى تشكلت في نهاية العقد الثامن من القرن الماضي بشكل سري سرعان ما ظهر علانية بعد سيطرته الكاملة على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في بوش الأب وبوش الأبن.

رفعت الحركة الجديدة شعارات : العولمة والليبرالية والديمقراطية وحقوق الأنسان وتقرير المصير والجندر .. الخ من مفردات تم تسويقها على نطاق واسع وبوسائل الأعلام والدعاية كافة , فضلا عن قتح مراكز تدريب للفئات العمرية ما بين ( 18 _ 30 ) من الشباب العربي والأفريقي والآسيوي , يتلقون خلالها سلسلة من المحاضرات عن تلك الشعارات وكيفية تطبيقها .. كان التدريب يشمل صياغة الشعارات المناسبة وكيفية ترتيب التجمعات والمواعيد والمناسبات وتصعيدها  , مع التركيز على أنهم ( المتدربون ) مواطنون شرفاء يرغبون فى تحرير بلدانهم من الاستبداد والقمع وأنهم ليسو عملاء أو خونة . .. كانو في واقع الأمر تحت سيطرة مباشرة لعقول وخبراء تعمل على تحويلهم الى بيادق في رقعة الشطرنج.

لم يضم نادي بليدربيرغ أحد من غير الأمريكين والأوربيين فيما شملت اللجنة الثلاثية التى أسسها روكلفر بنصيحة من بريجنسكي الفضاء الأسيوي .أما حركة المحافظين فهي التعبير العملى للقطاع الخاص في بعده العالمي وبهيئته الربوية الأحتكارية وتهدف__ خارج الحكومات __ الى بسط الهيمنة شبه المطلقة على مقاليد العالم والسيطرة الكاملة على ثراوته ومقدراته وخصخصة الحكومات الوطنية  بتحويلها الى مجرد أداوات تتولى تنفيذ ما يطلب منها بدقة . واعتمدت الحركة خيارين هما الأعتماد على الأحتجاجات البرتقالية والتجمهر المتمرد ( وفقا لبرامج التدريب ) واسقاط الأنظمة بالوسائل السلمية , وفي حالة العجز يتم اللجؤ للقوة العسكرية دون الحاجة للذرائع  التى يمكن لوسائل الاعلام فبركتها وتضخيمها وتسويقها ليل نهار حتى تصبح حقائق تستوجب ذلك التدخل التدميري .

يقول روكلفر في مقال له في مجلة نيوزويك في مارس 1980 ( ليس لدى الجكومات الوقت للتعمق في المسائل المعقدة والابعد مدى, وهنا لابد حسب المنطق أن يتم دعم شخصيات من المؤهلين الوطنيين من غير الرسميين ليلتقوا سويا ويحددوا القضايا الاساسية التى تؤثر على العالم وتحديد الحدود الممكنة لها ).

في العام 1995 اعلن الثري اليهودي الأسترالي ( جورج سورس) والثري اليهودي الصربي( سيمو فيتش)  أنشاء لجنة الأزمات العالمية  وتضم مجموعات منتقاة من الباحثين الصهاينة القريبين جدا من الرؤية الأمريكية وتهدف الى منع النزاعات الدموية وتسويتها حول العالم من خلال دراسات ميدانية وتقديم المشورة والنصح الى أصحاب القرار الأعلى , وتعتبر هي الآن اللجنة الأوسع حضورا ونفوذا على مستوى العالم وتقدم تقاريرها الى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمصرف الدولي وصندوق النقد الدولى والى لجنة روكلفر الثلاثية ونادي بليدربيرغ  ومجموعات أخرى مماثلة, ويعرف عنها أهتماماتها بالحركات المعارضة فى الوطن العربي كافة وتميل فى تحليلاتها الى أهمية وضرورة دعمها وتحديدا الفرق والجماعات الأسلامية بتدرجاتها المذهبية والطائفية .

ظهرت فى أعقاب الهزيمة المذله لأمريكا فى الفيتنام ( 1975) طروحات لم ينكر بريجنسكي وقوفه خلفها تدعو الى صناعة ( الأصولية الدينية ) أو العمل على أحيائها بأعتبارها الممكن العملي للأجهاز على ما تصفه الأدبيات الأمريكية بأمبرطورية الشر ( الأتحاد السوفياتي ) وتأمين حدود أسرائيل بتحويل الوطن العربي الى ساحة عراك  بين أبناءه حول فهم كل منهم للدين.. كان بريجنسكي قد طرح تلك الدعوة فى منتصف الستينيات ونجح فى تمريرها بعد عقد من الزمن حين أصبح مستشارا للأمن القومي في أدارة الرئيس جيمي كارتر الذي واصل خلفه ريغان العمل بجدية أكثر لأدارة تلك الدعوة وبناء معابدها فى أنفاق مغلقة قبل أن تقذف بها في وجه العالم محمولة بالدماء والضحايا .

طرح زبينغيو بريجنسكي وهو يتقلد موقعه فى البيت الأبيض مستشارا للأمن القومي نظريته ( الحزام الأخضر ) التى تلخص رؤيته فى محاصرة الأتحاد السوفياتي باقامة أنظمة يكون الأسلام قاعدتها تتولى بدعم أمريكي كامل ضرب الجماعات الناصرية والخلايا اليسارية المناصرة للسوفييت والأنتقال بعد ذلك لضرب المتطرفين الاسلاميين وصولا الى تشكيل حزام أسلامي حول أسرائيل يمكنها من مطالبة العالم الأعتراف بها كدولة يهودية وهو ما يجعلها تتخلص من الثقل الديمغرافي العربي وراء الحزام الأخضر عرب 48 ومنعهم وفقا ليهودية الدولة من الترشح النيابي أو التصويت . وكلها أهداف تصب فى مصلحة الولايات المتحدة سواء فى محاصرة السوفييت أو تأمين أسرائيل داخليا .

كانت الثورة الأسلامية في ايران , وأنفجار الأوضاع فى الجارة أفغانستان والحرب العراقية الايرانية هي بداية التمظهر لتلك النظرية .. ليبدأ بعدها النزيف الذي نتابعه الأن على الهواء مباشرة فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن والسودان ومصر وقريبا فى مناطق أخرى .. نتابع الأسبوع المقبل .

 كاتب وصحفي ليبي  

Mahmoud Albosifi

[email protected]