مرت أربعة أعوام صعبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى على منطقة الشرق الاوسط، و أذا كانت صعبة على المواطنين و الرأى العام و أصحاب الاقلام الصحفية و أصحاب القرار أيضا و قيادات بلدان تلك المنطقة سياسا و عسكريا و أقتصاديا، فهى ستكون أصعب على كتاب التاريخ نفسه الذى سيحتار لبعض الوقت فى وصف الربيع فنسائمه لم تكن ربيعية أبدا، كما سيتحير التاريخ فى الحكم على روؤساء و ملوك ذكرهم كتاب التاريخ فى صفحة الامس بالدكتاتوريين و الفاسدين بينما يأتى الكتاب فى صفحة اليوم و يترحم عليهم و على حكمتهم و رشدهم واصفا أياهم بانهم جنبو بلادهم و شعوبهم و يلات الخراب و الفوضى .

 

نعم بات الجميع فى حيرة و تردد فى وصف كل حاكم كان متواجد بالامس فالاربعة أعوام الماضية كانت كفيلة بتغيير مفاهيم كثيرة أمن بها الرأى العام بما فيهم النخب المثقفة، و تلك الحيرة لن تتوقف غدا أو بعد الغد بل ستمتد لسنوات و ربما لعقود طويلة، و هنا أتذكر أخر الخلفاء العثمانيين عبد المجيد الثانى الذى وصفه التاريخ تارة بالاحمق و تارة بالشجاع، تارة بالطامع الغبى و تارة بالامين المخلص، تارة بالمتأمر و تارة بالمتأمر عليه، و الى يومنا هذا هناك منا من يحمله ضياع القدس الشريف، و هناك يقول بأن وجوده أخر تنفيذ المشروع الصهيونى أربعون عاما، و لكن من المؤكد أن ما قاله فى وصيته التى فتحت بعد موته بخصوص مطامع اليهود فى القدس، و نيتهم القوية فى الانتقام من مصر و العراق كانت صائبة مئة بالمئة، و لم يختلف عليها أحد .

كذلك أتذكر ملك مصر الملك فاروق الاول و كم من قصص متضاربة فى كتب التاريخ ذكرت عنه، و قبل كل هولاء أتذكر أيضا واحدة من اكثر من حيرت المؤرخين و المهتمين بالتاريخ العربى و الاسلامى الا و هى أول من تجلس على العرش فى التاريخ الاسلامى المملوكة الارمينية حاكمة مصر شجر الدرّ، و التى بات الجميع يختلف فى الحكم عليها، و على تاريخ فترة حكمها برغم أنها تصدت لواحدة من أشرس حملات الصليبيين على مصر و هى الحملة الصليبية السابعة عام 1249م، بعد أن تمكنت من سحق جيوش اوربا التى كان يقودها ملك فرنسا و ملك ملوك أوربا لويس التاسع، و أسره بدار أبن لقمان بمدينة المنصورة المصرية، لكى تكتب بداية لانتصارات الجيش المصرى فى كامل بلاد الشام و أخر غارات الغرب على الشرق .

 

و يعود التاريخ و يحتار مجددا و يحير معه الجميع فى شخصية الرئيس العراق صدام حسين بعد غزو الولايات المتحدة للعراق فى عام 2003م و تنفيذ حكم الاعدام ضده، و ما أن مرت سنوات قليلة حتى نشبت حرب تموز 2006م، ثم قدوم عواصف الربيع على كلا من تونس و مصر و سوريا و ليبيا و اليمن، و لن تمر أيام قليلة على سقوط روؤساء و حكام تلك الدول حتى شعر أول من هاجمو هولاء الحكام بندم و بات البعض الاخر يتحسر على أيامهم، فيبدو من تلك المشاهد المتكررة على مر تاريخنا القديم و الحديث أننا لم نصل لدرجة كافية من أستيعاب الماضى و أننا لم نكن يوما من يصنع الحدث، و أكتفينا دائما على مدار التاريخ بالجلوس فى مقعد خانة رد الفعل دائما، و لذلك كانت ردود أفعالنا تأتى متخبطة، مترددة، متناقضة .

 

و الان ندخل عاما جديد على شرق جديد تغيرت فيه شكل خريطة الشرق أقتصاديا و سياسيا و ربما قريبا نرى مسار عسكرى جديد لها، و لكن فى تلك المرحلة المقبلة علينا أن نمسك نحن بالقلم و أن ندون تلك الصفحات القادمة من كتاب التاريخ بأرادتنا الحرة التى تحمى مصالحنا و أمننا القومى، فهل نحن كشعوب المحرك الاساسى لجميع الاحداث على قدر من الثبات و العزم و الايمان و الوعى لترجمة ذلك واقعيا على الارض . 

 

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]